الإدمان الافتراضي

مع بداية الألفية الحالية، سرت شائعة في بلداننا تقول إنّ طريق النّجاح العملي في العالم الجديد تبدأ بتعلّم شيئين: اللغة الإنجليزية والتعامل مع الكمبيوتر. وهكذا راح الشباب ينكبّون على تعلّم اللغة ويسعون لاقتناء كمبيوترات تمكّنهم من مواكبة آخر إبداعات الحداثة.
2016-10-19

شارك
عاطف برّدجم - الجزائر
مع بداية الألفية الحالية، سرت شائعة في بلداننا تقول إنّ طريق النّجاح العملي في العالم الجديد تبدأ بتعلّم شيئين: اللغة الإنجليزية والتعامل مع الكمبيوتر. وهكذا راح الشباب ينكبّون على تعلّم اللغة ويسعون لاقتناء كمبيوترات تمكّنهم من مواكبة آخر إبداعات الحداثة. وبعد قليل راحت هذه الكمبيوترات تصير متّصلة بالعالم عبر شبكة الإنترنت التي سرت شائعة أخرى تقول إنّها ستجعل العالم قرية صغيرة. وبعدها دخلت الميدان مواقع التواصل الاجتماعي وتعزّز وهم الانتماء إلى هذه القرية لدى الجميع. ومع الوقت صارت هذه المواقع رائجة إلى حدّ أنّنا صدّقنا أنّها قادرةٌ على تقريبنا من الآخرين الذين اكتشفنا أنّهم يشبهوننا، بل إنّها صارت الوسيلة التي نتواصل من خلالها مع مَن هم أكثر قرباً منّا، ونوثّق عبرها لحظات حياتنا، المميّزة والعاديّة، ونصنع ثوراتنا ونخوض جدالاتنا على صفحاتها، ونحلم بعالم أفضل بعد أن رأينا ما في قريتنا الصغيرة من انعدام عدالة مشترك. لكنّنا خلال هذا كلّه لم ننتبه إلى أنّنا نغرق في وهمٍ كبير ونصير بعيدين عن واقعنا، وأكثر اندماجاً مع هذه التكنولوجيا الرقمية المنحازة ضدّ الزمن.
في الجزائر تنبّهت مجموعة من الأطباء النفسيين إلى مخاطر هذا العيش خارج الزمن والهرب من الواقع وتعقيداته إلى الافتراض وبساطته، الذي بات اليوم يصنّف إدماناً (وإن كانت منظّمة الصحة العالميّة لم توافق على هذا التصنيف بعد). هكذا افتتحت أوّل عيادة لـ "العلاج من الإدمان على الإنترنت في العالم العربيّ وأفريقيا" في مستشفى بشير منتوري بقسنطينة التي تبعد 450 كيلومتراً عن عاصمة بلد يفوق عدد سكّانه 40 مليوناً ونسبة مستخدمي الإنترنت فيه منهم 32.8 في المئة، وفيه أكثر من 9 ملايين مشترِك على موقع فايسبوك. في العيادة يجري العلاج عبر الرياضة التي تمارس مع أشخاصٍ يعانون من المشكلة نفسها، ووصل الأمر ببعضهم حدّ البقاء أمام شاشة الكمبيوتر طوال اليوم دون تناول الأكل أو دخول الحمّام. العوارض التي يعالجها المختصون في العيادة تتراوح بين التململ والقلق وتصل إلى التّصرفات العدوانيّة عندما لا يستطيع المدمن الدخول إلى العالم الافتراضي. وقد استقبل المعالجون في العيادة أكثر من مئة شخص في حزيران/ يونيو الماضي، عندما أغلقت الحكومة مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تسريب امتحانات البكالوريا عبرها.
نسبة مستخدمي الإنترنت في الجزائر ليست مرتفعة إذا ما قورنت بالنسب في العالم (النسبة مثلاً 92 في المئة في بريطانيا و69.6 في المئة في السعودية)، والدول التي افتتحت فيها عيادات للعلاج من الإدمان على الإنترنت قليلة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وكوريا الجنوبية التي فيها واحدة من أسرع شبكات الإنترنت في العالم، ونسبة المدمنين على الإنترنت بين مراهقيها تصل إلى 14 في المئة منهم، لكنّ هذا التنبّه الباكر إلى المشكلة فيه وعي بالحاجة إلى "استعادة الناس من الوهم إلى الواقع". وهذا مأزوم على المستويات كلها، ويبدو في الجزائر متوتراً للغاية بسبب تراجع تدابير الدولة الرعائية ــ الاتّكاليّة في الواقع ــ التي سدّت بفضل عائدات النفط والغاز في ما مضى بعض شقوق تعطل الإنتاج الفعلي الصناعي والزراعي (أي غير الريعي)، وما استجَرّه ذلك من نسب بطالة مرتفعة ومن تكدس النازحين من الأرياف في المدن كمتبطّلين. وهي أزمات فرديّة واجتماعيّة حقيقيّة، إلّا أنّ الهرب منها ليس حلّا.

مقالات من الجزائر

"حكواتيّة" غزّة والحكاية الأساس..

2024-03-29

لم تعد القصة عن غزة - تقول بيسان - صارت غزّة هي القصة: "والقهر اللي بيتعرّضله أهل غزّة الآن ما هو إلا تجديد لقهر إنساني أزلي، وعلى إيد ذات الوحش....

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

للكاتب نفسه

الفلسطينيون في لبنان وحقّ العمل

ربيع مصطفى 2019-07-21

علاوة على التوظيف السياسوي الطائفي على المستوى الداخلي، يأتي المس بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان متزامناً مع محاولات جاريد كوشنر تفعيل "صفقة القرن"، وهي التي تصطدم بعقبات من أهمها...