اللحظة الأخيرة قبل الصاروخ

نزل الزائر الأسود سقوطاً لامس سقف القاعة. حينها بدأ مشهد الفصل الأخير من كوميديا دانتي. صمت.. هذيان.. صراخ بلا صوت.. ارتفاع الأدرينالين.. لحظة إيقاف لكل فعل، انطفاء للضوء. ماذا حدث؟
ديانا حلبي - لبنان

كانت الساعة تقف على عقارب ميل الشمس إلى غرب صنعاء. فكرة حزينة تجمع الآلاف لتقديم عزاء لأهل فقيد من قبيلة خولان. يتوافد الناس إلى القاعة واحداً تلو الآخر، ويقف أهل العزاء عند مدخل المكان. لم يتسنَ لهم الجلوس للراحة، واقفين كانوا بحزن ووجع. تتصافح الأيدي بلا توقف. مرت الساعة الأولى وامتلأ المكان بيمَن صغير، فمن كل مدينة أقبلوا. مالت الشمس قليلا لتعانق عقارب الساعة عند الثالثة والنصف. كان سعيد يهاتف ابنته بشأن دفع رسوم الجامعة للعام الدراسي الجديد، وبجانبه شاب حضر لينوب عن والده المريض واشترى القات للمرة الأولى كي يتناغم مع المعزين. محمود سافر وقطع مسافة طويلة منذ الصباح الباكر ليحضر عزاء آل الرويشان. ظل يحسب النقود التي أنفقها للسفر وما إذا كانت ستكفيه للرجوع إلى بيته. علي شيخ كبير أوصله سائقه ونسي جهازه الخليوي على المقعد، استعان برجل بجانبه لكي يبلغ السائق أن يحضر ليغادر العزاء. أما عاطف فأنا السبب في تأخيره لانشغالي بالمكتب، وقد ذهب إلى محل الحلاقة ليستغل وقت انتظاره. شيخ من قبيلة خارج صنعاء يُقبل وبجواره أولاد أخيه، لا يجد مكانا للجلوس ويضطر للبقاء واقفاً، فبادر ثلاثة شباب لترك المكان لهم وغادروا. وشابّ شاعر يستغل دراجة نارية لم يحالفه الحظ للوصول: نفد البنزين في منتصف الطريق...
مالت العقارب والشمس نحو الساعة 3:36. كان وضاح يجلس لأخذ قسط من الراحة، أخرج عود القات وابتسم لضيف مقابل له... ثمة وخزة في القلب عليه. عبد السلام يرسل لابنه رسالة نصية من هاتفه: "لا تترك أخاك الصغير بالبيت لحاله، خليك جنبه". يرن جهاز خالد: "ألو، أين مكان القاعة بالضبط... ليش أين أنت.. ما زلت أصلح سيارتي، تعطلت في الشارع الواصل لكم"... وآخر يمد يده للمصافحة. انقطع الاتصال. نزل الزائر الأسود سقوطاً لامس سقف القاعة. حينها بدأ مشهد الفصل الأخير من كوميديا دانتي. صمت.. هذيان.. صراخ بلا صوت.. ارتفاع الأدرينالين.. لحظة إيقاف لكل فعل، انطفاء للضوء. ماذا حدث؟ الموت يحتضن القريب والبعيد، يشاهَد والأبصار خاشعة ثواني معدودات، والمشهد ممنوع من العرض، والله يشاهِد .الأدرينالين لا يعرف سوى الركض نحو الضوء، نحو الهواء، الضوء هو النجاة، يخرج العشرات هرباً وبرفقتهم رصيد دم وكومة رماد. مضت 6 دقائق ونصف. ليكمل المشهد بآخر دموي. لم يبقِ روحا واحدة تتنفس الضوء. جثث لبثت على جلوسها، ونصف كلمة معلقة بالفم، رؤوس انفصلت وأعضاء تناثرت، وصلاة مفقودة القبلة، وجثث تفحمت. ترن الأجهزة المحمولة بين الأشلاء ويعلو صوت الشارع من وجع يد مبتورة على رصيفه. يصمت الناس موتاً. تصمت الشوارع والمدينة، يصمت اليمن، لا صوت ولا ضوء، والله يشاهِد.

مقالات من اليمن

حلم أمريكا المتجدد: إضافة سقطرى إلى سلسلتها النارية العابرة للمحيطات

تمضي المواجهة العسكرية في المياه البحرية لليمن بوتيرة بطيئة نوعاً ما، لكن إيقاعها غير المتسارع، ينذر بتحوّلات جذرية لصراع القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على النفوذ في مضيق باب المندب، الذي...

"تنصير" العيد في اليمن

يُعْجَنُ الرماد الناتج عن اشعال الحطب للطهي، بمادة "الكيروسين" أو "الديزل" المساعِدَتين على الاشتعال. ثم تقطّع العجينة وتُوْضَع داخل علب صغيرة معدنية، بينما يُكْتفى في مناطق أخرى بتشكيل هذه العجينة...

هل تكون اللغة المهرية مفتاح لغة اليمن المندثرة؟

تُصنّف اللغة المهرية ضمن اللغات السامية التي نشأت جنوب الجزيرة العربية، وأبرزها اللغة اليمنية القديمة المعروفة بلغة "المُسند" أو كما يسميها المستشرقون "العربية الجنوبية القديمة". وإلى جانب المهرية توجد خمس...