"غولدا" التي ليست في فيلم هوليوود

حقيقة غولدا مئير التي لا يخطئها أيّ فنان جدي: عنصرية روّجت لجريمة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، بل أشرفت عليها منذ عام 1969، ولا يمكن لكلّ المعالَجات الدرامية في العالم أن تمحو تلك الحقيقة.
2023-08-31

شارك
ملصق الفيلم وقد وضع عليه ناشطون المراجعات السلبية
إعداد وتحرير: صباح جلّول

بعد عرضه الأول في مهرجان برلين السينمائي في شباط / فبراير 2023، صدر منذ أيّام قليلة فيلم "غولدا" لعرضه الجماهيري الأول في دولة الاحتلال الإسرائيلي أوّلاً، في 24 آب / أغسطس الجاري، ثم في اليوم التالي في الولايات المتحدة الأميركية. كيف لا والفيلم يحكي عن "سيدة إسرائيل الحديدية"، غولدا مئير، وإدارتها لحرب تشرين (6 أكتوبر) 1973 على مدى 19 يوماً. أتى الفيلم الهوليودي بالممثلة البريطانية هيلين ميرين، التي تُعتبر "واحدة من أهمّ ممثلات زمنها" في المسرح والسينما، والحائزة على لقب "دايم" (Dame التشريفي) من الملكة إليزابيث. وقد أُعطِيت ميرين مهمّة حقيرة قوامها إلباس شخصية غولدا مئير لبوس الضمير الحي الذي لا يهدأ، والمرأة المهجوسة بالخسائر البشرية المتزايدة، بين الإسرائيليين طبعاً، كقائدة غير تقليدية كونها امرأة (نسوية؟) لبلدٍ (مُحتلّ وعنصري) يواجه خطر الاندثار في إحدى أكثر مراحل عمره (القصير) حساسيّة.

وقد تجاهلت هيلين ميرين عدة مرّات دعوات "حركة مقاطعة إسرائيل" لها بترك المشروع وعدم الذهاب إلى إسرائيل، بل استعادت بحنين ذهابها للتطوّع في إحدى الكيبوتز بعد حرب تشرين وحماسها لما وصفته بـ"تلك الطاقة السحرية لدولة بالكاد بدأت تزرع جذورها في الأرض"!

هيلين ميرين في دور غولدا مئير

يقول الفيلم الدعائي ، الذي يدّعي أنه مراجعة جدّية، أن مئير كادت تقتل نفسها بالتدخين كلّما عرفت بخسارة جندي، ولحَظَ النقاد اعتماد المخرج على تقطيع المشاهد على وقع نفثها للدخان، كأن الدخان يخفي "عذاباً" يؤنسن سيدة الحرب هذه. خرجت مراجعات الفيلم "الحيادية" سياسياً بآراء سلبية جداً على عدة مستويات، أمّا مَن تطرّق للمستوى السياسي، فكان جليّاً لهم محاولة الفيلم إثارة تعاطف ما مع رئيسة وُزراء دولةٍ محتلّة.

***

"لا يوجد شيء اسمه فلسطين. ليس الأمر أنّ هناك شعباً فلسطينياً أتينا واقتلعناه وأخذنا بلده، بل المسألة أنهم لم يكونوا موجودين أصلاً"، قالت مئير في الواقع. كان الفلسطيني حنّا بشارات بنى منزله الجميل - المكوّن من طبقتين، والذي كان يطلق عليه جيرانه اسم منزل "هارون الرشيد" لفخامته - عام 1926 في القدس ليُسكن عائلته الكبيرة، إلّا أنّ النكبة هجّرت العائلة، فكان أن وَضعت غولدا مئير - التي لم تترك فرصة لم تدّعِ فيها بأن فلسطين كانت أرضاً "فارغة" - يدها على بيته بأثاثه وكل ما فيه..

منزل حنا بشارات الذي يظهر في الصورة مع عائلته أمام البيت الذي استوطنته غولدا مئير بأثاثه وما فيه
منزل حنا بشارات الذي استوطنته غولدا مئير بأثاثه وما فيه (تصوير طارق بكري - من موقع يُعاد)

والحقيقة أن قدرة مئير على الالتفاف على الكلام وإلباس أسوأ ما يمكن تخيله منه لبوسَ العاطفة هي قدرة مرعبة، فجوهرة مقولاتها المتلاعِبة والمخادِعة تقول: "قد نسامح العرب لقتلهم أبناءنا، لكننا لن نسامحهم أبداً على إجبارهم إيّانا بأن نقتل أبناءهم!"

هذا واقع غولدا مئير التي أدارت حكومة مسؤولة عن مضاعفة تهجير القرى الفلسطينية بالإضافة إلى أشنع الجرائم البيئية التي رُشّت فيها أراضٍ واسعة بالسموم لقتل محاصيلها وخصوبتها، حتى تَهجّر كل أهالي قرية عقربا من أرضهم وتم استبدالهم بالمستوطنين اليهود. وتذكر سجلّات إحدى الجلسات الحكومية من العام 1971 أنّ مئير بدأت اجتماعها بالطلب من وزرائها عدم التطرّق أصلاً لما كانوا يقومون به في هذا المجال: " كلّ ما يتعلق بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية والمصادَرة وما شابه ذلك نفعله ولا نتحدّث عنه".

تلكَ، مجدداً، حقيقة مئير التي لا يخطئها أيّ فنان جدي: عنصرية روّجت لجريمة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، بل أشرفت عليها منذ عام 1969، ولا يمكن لكلّ المعالَجات الدرامية في العالم أن تمحو تلك الحقيقة.

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...