البارحة، كنت في طريقي إلى البيت الساعة الثانية فجراً. هذا ليس حلماً. سمعتُ أنّ عمّال سكك القطار الذين يعودون إلى منازلهم في ساعات متأخرة لا يحلمون أو على الأقل لا يحضرون في أحلامهم، هنالك من ينوب عنهم مثل من يخلفهم في وردياتهم. لا تقلْ لي من قال هذا، أنا مؤمن بذلك منذ أوّل ليلة قضيتها في نوبتي مساعدَ ناطور محطة، مساعد ناطور محطّة يحلم نصف حلم، حلم مثلوم أو مكسور نصفياً. ثم لما ترقيت إلى ناطور لم أعدْ أحلم.
هذا ليس حلماً، لا تدعني أكرر ذلك.
شاهدتُ وأنا أدخل زقاقنا، أني أضع رأسي في جيبي، فنحن عمال السكك لا نضع أيادينا في جيوبنا، فتلك إشارة الكسل والخدر. كنت أقصد أنّ رأسي سائب يترنح من التعب بين كتفيّ.
شخَص إنسان يمشي باتجاهي، جندي يتحرك نحوي، يوقفني ويضع يده على صدري ويسألني عن بيته. يبدو أنه نبيه وعاقل بما يكفي ليعرف أنّ السؤال عن بيته لا يتطلب جملة "وين بيتنا" فقط. يدري جيداً أنّ الحالة تتطلب كلمات وتوصيفات أكثر. أكثر لكنه لا يفعل، وظلّ لا يقول لي غير "وين بيتنا".
من ناحيتي، لم أطل معه الوقوف، تركته أو هربت، أشرت له نحو آخر الزقاق علّه يجد من يسأله ويفهمه ويطيل معه الكلام. التائهون الذين لا يصلون إلى أهاليهم لا يحتاجون منا لغير تضييع وقتهم، إنهم الوحيدون الذين تضرّهم كفاية الوقت.
حتى في ساعة متأخرة مثل تلك، كان الناس يحتفلون وأصوات الشاشات تتسلل عبر مسامّ البيوت بأغنيات تحرير مدينة الشرقاط، وقصائد تزفّ البشارة أو الشهادة.
نمتُ وأنا أسأل نفسي: هل أضاع الجنديّ بيته فعلاً، أم أنّ الغائبين المنتظَرين يتحوّلون بفعل طاقة الاشتياق إليهم إلى كائنات هائمة تبحث عمّن ينتظرها. تبحث ولا تعود. تسأل ولا تصل.
بيتونة
الشرقاط
مقالات من العراق
"شنكَال"؟
لا يقبل الدين الإيزيدي الراغبين في الانتماء إليه، الذين لم يولدوا لأبوَين إيزيديين. وهو بذلك، كديانة، ليست تبشيرية، ولا نبي أو رسول للإيزيديين، وهذا ما يجعل علاقتهم مباشِرة مع خالقهم،...
سجون "الأسد" وسجون "صدام حسين"
لا أزال إلى اليوم لا أستطيع النظر طويلاً إلى الصور التي التُقِطتْ لوالدي في أول يوم له بعد خروجه من المعتقل، وهو يجلس تاركاً مسافة بيننا وبينه، وتلك النظرة في...
بغداد وأشباحٌ أخرى
عُدتُ إلى بغداد ولم أعد. تركتُ قُبلةً على قبر أُمي ورحلتُ. ما حدث ويحدث لبغداد بعد الغزو الذي قادته جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، هو انتقامٌ من الأسلاف والتاريخ معاً.
للكاتب نفسه
فسحة العيش في كرتونة
.. أما الناس الذين لا يعرفون اسمه فيسمّونه "أبو كرتونة". يظهر وحده مرتدياً الكرتونة على ظهره مثلما قوقعة الحلزون. كنزة رمادية عليها رسمة رجل آلي بمجسّات طويلة. هذا ما يستره...
في كل يوم ومنذ 41 عاماً!
ينتصب في قلب العاصمة بغداد تمثال شهريار و "قصخونته" شهرزاد، نديمته وراوية حكاياته. إنه واحد من أجمل تماثيل النحّات الراحل محمد غني حكمت. في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة...
نزيف الكتب
صحيح أنّ الكتاب سلعة أيضاً، تباع وتشترى ويروج لها، تخزن وتقتنى وتعرض وتفسد وتتجدد، لكن الاتجار بالكتب لا يشبه الاتجار بأي شيء آخر. أسواق الكتب في المدن العراقية، كالمتنبي ببغداد...