العاصمة الإدارية الجديدة لن تحل محل القاهرة، لن يهاجر إليها سكان العاصمة الأكثر ازدحاماً وبؤساً حاملين آمالهم في حياة أفضل، تاركين قدراً لا بأس به من الهزائم وطبقات من التاريخ المتراكم. على الرغم من الدعاية الإعلامية التي تتحكم بها السلطة، فإنّ المدينة الجديدة لن تكون عاصمة إدارية مركزية تسحب البساط من تحت العاصمة التاريخية، لكن ما سيحدث هو نقل محدود للوزارات والهيئات الحكومية السياسية، لجذب رأس المال الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات ومراكز التسوق التجارية والفنادق والمنشآت الترفيهية.
ستحقق المدينة الجديدة أيضاً انتصاراً سياسياً قصير المدى، تتبعه سنوات من سد قروض البناء، بينما ستغلق أبوابها بوجه الفقراء ومتوسطي الحال، وسيقتصر سكانها على الأغنياء والساسة ورجال الأعمال، الذين ضجروا من مشاركة الطبقات الأدنى في الحياة اليومية، تاركين الزحام والتلوث والضجيج، حيث يتمتع كل منهم بستة أمتار من المساحات الخضراء، مقابل نصف متر فقط أو أقل لسكان العاصمة العجوز.
يتبين هذا لكلّ متتبعٍ لتصميم العاصمة بأحيائها، إذ تخلو المدينة تماماً من الإسكان المتوسط، وتضم أربعة أحياء رئيسية: الحكومي، الأعمال، السكني، والدبلوماسي، إضافة إلى مدينتي الفنون والعلوم، يتخللها النهر الأخضر، وهو عبارة عن مساحات خضراء تصل إلى 20 ألف فدان بطول 35 كيلومتراً. أعلن المهندس خالد عباس (1) رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، أن سعر متر الأرض داخل حدود المدينة يصل إلى 50 ألف جنيه، مسجلاً أعلى سعر للمتر في مصر بجانب مدينة العلَمين الجديدة، بينما القيمة العقارية للمتر تصل إلى 150 ألف جنيه، لكن مصدراً في إحدى شركات التسويق العقارية بالمدينة أكد أن المتر سيصل إلى 300 ألف جنيه. بدأت بالفعل بعض الوحدات السكنية تُطرح بسعر مليونين ونصف المليون جنيه، لتتحول العاصمة بذلك إلى مدينة مغلقة شأنها شأن سائر مدن الأغنياء المستوطنة للصحراء بالقرب من القاهرة، والتي أسهمت في عزل الطبقات الاجتماعية، ولكن بتمثيل حكومي هذه المرة، وبذخ شديد، يشجع طبقة أكثر ثراء وبحاجة إلى الحماية والانعزال. فيما ستضعف إضاءة العاصمة كفاءة المرصد الفلكي بمنطقة القطامية، حيث أشارت مصادر إلى حتمية نقله بتكلفة باهظة، خاصة أن بعض أجهزة الرصد سيصعب تفكيكها ونقلها إلى المقر الجديد.
التحضر الزائف
"أدت النزعة الاستقلالية للخديوي إسماعيل في حكم مصر إلى إحساس كل من إنجلترا وفرنسا بالقلق إزاء مصر، وتحت ضغطهما أصدر السلطان العثماني فرماناً بعزله في 26 تموز/ يوليو عام 1879". هذه العبارة تؤرخ لحكم الخديوي إسماعيل من على موقع رئاسة الجمهورية المصري ضمن قائمة الحكام والرؤساء الذين حكموا البلاد، فهل تعمّد القائمون على الموقع إسقاط صفة البذخ والإسراف التي ارتبطت بفترة حكم إسماعيل الممتدة لستة عشر عاماً، والتي انتهت بسقوط مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي أربعة وسبعين عاماً؟
عمران الخديوي السيسي
03-09-2014
بالرجوع إلى أحد المواقع المتخصصة في استرجاع الصفحات المحذوفة والتعديلات عليها ("wayback machine")، نجد تعديلاً أجري على محتوى الصفحة (2) بتاريخ السابع من تموز/ يوليو من العام الماضي 2022، تضمن حذف عبارة تصف إسماعيل كالتالي: "أسرف في المشروعات النهضوية ومظاهر العظمة، فلجأ إلى القروض، الأمر الذي أدى إلى تدخل الأجانب في الشأن المصري اقتصادياً وسياسياً".
وبالفعل أدت سياسة إسماعيل الاقتصادية المعيبة إلى تشكيل "صندوق ديون مصر" عام 1876، وكانت إحدى الذرائع التي ساقتها إنجلترا لاحتلال مصر هي "حماية مصالح الدائنين". يبدو أنّ الخوف من المقارنة وربط الماضي بالحاضر كان السبب الرئيسي في حذف صفات الإسراف والبذخ من صفحة الخديوي إسماعيل، إذ رصدت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في بيانٍ لها حول موازنة مصر للعام المالي 2021-2022 زيادة الإنفاق على قطاع الخدمات العامة، من ضمنها 80.7 مليار جنيه معظمها وُجِّه لسداد فوائد الديون، وأجور كبار مسؤولي الدولة، فيما وجهت 132.4 مليار أخرى لقطاع الاستثمارات الحكومية، ويُرجح كونها تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية، مقابل انخفاض إنفاق الدولة على دعم خدمات مثل التأمين الصحي والمحروقات.
العاصمة الإدارية واحد من المشروعات التي تسارعت وتيرة إنشائها بما يفوق الموارد المتاحة للدولة، فضاعفت من أعباء الإنفاق الحكومي ولجأت إلى القروض، وخلال أقل من ثماني سنوات افتتحت مرحلتان بمساحة 170 ألف فدان، سوف تستوعب ما يقارب ستة ملايين ونصف مليون نسمة عند اكتمال منشآتها.
وقد خُصِّصت مساكن بمدينة بدر للموظفين المنقولين للعمل بمقرات الوزارات بالعاصمة، وهي بالمناسبة ليست مجانية، فقد تخلت الدولة منذ سنوات عن دعم إسكان الموظفين والعمال.
عاصمة أم مدينة العاصمة؟
حدث كل ذلك بالتزامن مع التوسع في إصلاح كباري وإنشاء طرق غيّرت من معالم القاهرة نفسها، والحلقة المشتركة في كل ما سبق هو "الهيئة الهندسية" التابعة للجيش المصري، التي تشترك أيضاً مع "شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" في إدارة مشروع العاصمة والإشراف عليها. المعلومات المتوافرة تشير إلى تأسيسها عام 2016 بغرض تملّك وإدارة أراضي العاصمة، وتشترك في ملكيتها جهة مدنية هي "هيئة المجتمعات العمرانية"، وجهتان عسكريتان: "جهاز الخدمة الوطنية" و"جهاز أراضي القوات المسلحة"، برأسمال 20 مليار دولار، وباتت تملك أصولاً تصل إلى 300 مليار جنيه (3). وحين سئل مدير مجلس إدارتها خالد عباس في حوار تلفزيوني عن كيفية توفير رأس المال، قدّم إجابةً غامضةً مع إشارات إلى جمع السيولة عبر ثلاث وسائل رئيسية: بيع الأراضي (أية أراضي؟)، مساهمات مالية، والمشاركة في مشروعات استثمارية.
بالرجوع إلى أحد المواقع المتخصصة في استرجاع الصفحات المحذوفة والتعديلات عليها ("wayback machine")، نجد تعديلاً أُجري على محتوى الصفحة* بتاريخ السابع من تموز/ يوليو من العام الماضي 2022، تَضمّن حذف عبارة تصف إسماعيل كالتالي: "أسرف في المشروعات النهضوية ومظاهر العظمة، فلجأ إلى القروض، الأمر الذي أدى إلى تدخل الأجانب في الشأن المصري اقتصادياً وسياسياً".
الحديث عن إيجاد حلول لأزمات القاهرة بالنقل أو التوسع ليس بالجديد، فالقاهرة التي نمت من مليون نسمة خلال ستينيات القرن الماضي إلى 25.5 مليون نسمة حالياً، تعاني من نقص الخدمات والفرص ومن الضغط على الموارد المحدودة وإنهاك البنية التحتية، وهو ما أفرز المشكلات المرتبطة بمرحلة انفجار المدن: الفقر والبطالة والعشوائية والزحام الخانق.
منذ سبعينيات القرن الماضي، برزت حاجة ملحة إلى التوسع في مدن العواصم، وإلحاق مناطق تتمتع بالقرب الجغرافي، بحيث توزَّع عليها عدد من المهام للتخفيف من الضغط على قلب العاصمة ومواردها، وذلك دون إلغاء العاصمة ذات الموقع المثالي، كما ذكر "جمال حمدان" عن أهمية الموقع في كتابه القاهرة: "تحتل موقعاً فريداً في مصر في إطار التقاء الدلتا بالصعيد في عقدة الوادي وصرته، موقع حتمي طالما ظلت العواصم تدور فيه". يذكر حمدان أيضاً أن تعيين العاصمة لم يعرف انحرافاً عن موضعها منذ العصر الفرعوني إلا عند اختيار "طيبة" جنوب البلاد، وهو ما حدث في بدايات الحضارة الفرعونية، وكذلك اختيار "أفاريس" قاعدة الهكسوس في شرق الدلتا، ثم مدينة الإسكندرية خلال فترة الاستعمار الروماني التي تقع في أقصى شمال البلاد، ولا تحمل إرهاصات في النمو العمراني المستقبلي، لكنها تعبر عن ميول خالصة لمستعمر أجنبي.
والتوسعات في المدن منذ عصر السادات وحتى مبارك جاءت جميعها لتحقيق امتداد عمراني لصالح موقع القاهرة، ففي عام 1978 أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قراراً بإنشاء مدينة السادات على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، بهدف تحويلها إلى عاصمة إدارية، تماماً كالعاصمة الجديدة. لكنها في النهاية باتت مدينة صناعية وزراعية هامة، ولم تُضَم إلى القاهرة، بل ضُمت إدارياً أولاً إلى محافظة البحيرة ثم محافظة المنوفية، وهي إستراتيجية متبعة للتقليل من مركزية العاصمة بعدم ضم المدن الهامة المجاورة إليها ضمن حدودها الإدارية. لكن هذا الإجراء وحده لم يكن كافياً، وتوالت بعد ذلك المدن الجديدة التي لم تستطع النيل من جاذبية القاهرة الطاغية على الرغم من الزحام والمركزية والضغط على البنية التحتية، وذلك فضلاً عن غياب تخطيط شبكات نقل مناسبة.
قرارات عشوائية
ثمة أهمية بالغة لبناء مدينة أو مدن تحدّ من مركزية العاصمة، لكن هناك خطوات استباقية على الدولة اتخاذها قبل ذلك، أهمها محاولات احتواء انفجار العاصمة بوقف البناء، ثم نقل المشروعات الصناعية السكنية المستقبلية إلى خارج حدودها الإدارية، وأيضاً جعلها عاصمة إدارية وسياسية فقط، خاصة أن أغلب مباني الهيئات الحكومية والوزارات في حال جيدة وتحتل مواقع إستراتيجية. هذا في حال عدم الرغبة في نقل العاصمة جغرافياً إلى منطقة أكثر ملاءمة، وقتها تنقل بكافة أجهزتها.
العاصمة الإدارية واحد من المشروعات التي تسارعت وتيرة إنشائها بما يفوق الموارد المتاحة للدولة، فضاعفت من أعباء الإنفاق الحكومي ولجأت إلى القروض، وخلال أقل من ثماني سنوات افتتحت مرحلتان بمساحة 170 ألف فدان، سوف تستوعب ما يقارب ستة ملايين ونصف مليون نسمة عند اكتمال منشآتها.
هل هناك حاجة إلى عاصمة إدارية؟ بإنصاف نعم، لكن دون تفريغ القاهرة من المراكز الإدارية الهامة لأسباب سياسية، أو البحث عن مجد تاريخي لحاكم، خاصة أنها لا تُعد مدينة منفصلة، بل هي جزء لا يتجزأ من إقليم القاهرة الكبرى، على الأقل من الناحية الجغرافية إن لم يكن من الناحية الإدارية. لكن ما يحدث يغلب عليه الضبابية الشديدة، فالبناء مستمر في القاهرة العجوز...
لكن ما يحدث يغلب عليه الضبابية الشديدة، فالبناء مستمر في القاهرة العجوز، والتجديد والإحلال للطرق والكباري التي لا نعرف من يقيمها، تبدو وليدة التخطيط السريع ولا تخضع لرؤية شاملة... فيما تتذبذب القرارات الحكومية حول وقف البناء بإقليم القاهرة الكبرى منذ ثلاث سنوات وشروط ذلك.
هكذا تضافرت العوامل ما بين فكر السلطة الحالي وجاذبية القاهرة الشديدة للاستثمارات الأجنبية - ما يؤهلها لتتحول إلى مورد هام لتعظيم دخل السلطة، أملاً في توفير الدفعات اللازمة لسد ديون قروض البنك الدولي، التي وصلت إلى 155 مليار دولار (4) وفقاً للبنك المركزي. وفي الوقت ذاته تُعد المباني والهيئات الحكومية مكاناً بارزاً للاستثمار، خاصة مع انتقال الوزارات منذ آذار/ مارس الفائت، علماً بأن تكلفة إنشاء العاصمة وصل إلى 800 مليار جنيه في مرحلتها الأولى، وهو رقم يقترب من مخصصات الصحة في الموازنة العامة لثماني سنوات متتالية!
مرة أخرى هل كانت هناك حاجة إلى عاصمة إدارية؟ بإنصاف نعم، لكن دون تفريغ القاهرة من المراكز الإدارية الهامة لأسباب سياسية، أو البحث عن مجد تاريخي لحاكم، خاصة أنها لا تعد مدينة منفصلة، بل هي جزء لا يتجزأ من إقليم القاهرة الكبرى، على الأقل من الناحية الجغرافية إن لم يكن من الناحية الإدارية. كما أنّ التطور في تحلية المياه والكهرباء ومد الطرق وخطوط المواصلات من الممكن أن يعوّض بعدها عن شريان الحياة على ضفتي النيل وحضارته المتراكمة، الذي وُضع كشرط لدى الأجيال القديمة من جغرافيي المدن لنقل العاصمة، لكنّ الثمن الذي ستدفعه الأجيال القادمة هو الإسراع في البناء دون محاولة المواءمة بين التزامات الدولة ومظاهر البذخ الشديد التي لا تتناسب مع المرحلة الحالية التي تمر بها مصر.
البصّاصون والحاكم المسرف
قبل بدء شهر رمضان الفائت، تزامن إعلان تراجع "قناة ماسبيرو" المملوكة للدولة عن إعادة عرض مسلسل الزيني بركات""، مع افتتاح الرئيس المصري ل"مسجد مصر الكبير".
"الزيني بركات" مسلسل مصري يتناول نظام البصّاصين الذي يشبه نظام الشرطة بالسلطة القمعية، خلال حكم السلطان "قنصوه الغوري" الحاكم قبل الأخير في دولة المماليك بمصر، الذي تميزت مجالسه بالبذخ الشديد. وعلى الرغم من ارتباطه بإحداث نهضة عمرانية أبرزها مجموعة بديعة حملت اسمه بالقاهرة الفاطمية وضمت مسجداً ومدرسة وسبيل وخناقاه - مجلس تصوف-، إلا أن السلطان الغوري لم يكن يُعنَى كثيرا بحال الشعب، وفرض ضرائب باهظة تسببت في زيادة الأسعار. مهد مقتل السلطان في موقعة "مرج دابق" الطريق للاحتلال العثماني لمصر، والقضاء على دولة المماليك.
الحلقة المشتركة هي "الهيئة الهندسية" التابعة للجيش المصري، وتشترك مع "شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" في إدارة مشروع العاصمة والإشراف عليها. تأسست عام 2016 بغرض تملّك وإدارة أراضي العاصمة، وتشترك في ملكيتها جهة مدنية هي "هيئة المجتمعات العمرانية"، وجهتان عسكريتان: "جهاز الخدمة الوطنية" و"جهاز أراضي القوات المسلحة"، برأسمال 20 مليار دولار وباتت تملك أصولاً تصل إلى 300 مليار جنيه.
وبعد أيام من قرار المنع افتتح الرئيس "مسجد مصر الكبير"، وظنّ كثيرون في البدء أن المسجد المشار إليه هو نفسه "مسجد الفتاح العليم" الذي أعلن عنه مع بدء إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وأن ثمة توسعات حدثت فيه من ضمنها إلحاق مركزٍ ثقافي. لكن تبين أنه مسجد جديد، وذلك على الرغم من اشتراط قانون الأوقاف بناء مسجد عند الحاجة إليه ووفقاً للكثافة السكانية. قدرة استيعاب "مسجد مصر الكبير" تصل إلى إحدى عشر مصل، متفوقاً بذلك على بعض المساجد التاريخية كالحسين والأزهر!
بالمقابل يصل عدد المساجد والزوايا بمصر إلى 137 ألفاً وفقاً للأعداد الرسمية، أما واقعياً فيكاد لا يخلو شارع من زاوية معدة للصلاة، وأحياناً يوجد أكثر من زاوية في الشارع نفسه.
قبل بدء شهر رمضان الفائت، تزامن إعلان تراجع "قناة ماسبيرو" المملوكة للدولة عن إعادة عرض مسلسل الزيني بركات""، مع افتتاح الرئيس المصري ل"مسجد مصر الكبير". الزيني بركات" مسلسل مصري يتناول نظام البصّاصين الذي يشبه نظام الشرطة بالسلطة القمعية، خلال حكم السلطان "قنصوه الغوري" الحاكم قبل الأخير بدولة المماليك بمصر، الذي تميزت مجالسه بالبذخ الشديد.
تمتلك وسائل الانتقال أيضاً جانباً من تلك الكوميديا السوداء، إذ أنّ تكلفة المونوريل - القطار الكهربائي السريع - وصلت إلى أربعة مليارات ونصف مليار دولار. يربط القطار بين قلب القاهرة وكلٍّ من مدن الشيخ زايد والسادس من أكتوبر والعاصمة الإدارية. فهل تعادل تكلفته المرتفعة هدفه وهو تقليل الزحام بين تلك المدن، التي تشهد كثافة محدودة في أحيائها؟
البرج الأيقوني أيضاً واحد من علامات المدينة الجديدة البارزة، ويوجد في حي المال والأعمال، ومن المقرر أن يصل ارتفاعه إلى 385 متراً، ليصبح بذلك أكبر مبنى في مصر وأفريقيا. تكلفة البرج بجانب عدد من الأبراج الأخرى في الحي نفسه تصل إلى 3 مليار دولار، مصدرها قرض من دولة الصين، يسدد على عشر سنوات، ولذا وكلت شركة صينية ببنائه، وهو على ما يبدو أحد شروط القرض غير المعلنة.
أما الحلقة التي لا يتحدث عنها أحد فهي ملايين الموظفين الذين سيجبرون على الانتقال إلى العاصمة الإدارية، ولن تقوم كافة الوزارات بصرف بدل انتقال وفقاً لإفادة عددٍ من العاملين فيها، بل تم تخييرهم بين الحصول على شقق بالقرب من العاصمة الإدارية - وليس في الحي السكني التابع لها - أو الذهاب اليومي عبر رحلة طويلة ومكلفة، علماً بأن تكلفة القطار الكهربائي المخصص للنقل إلى قلب العاصمة تعادل تذكرته ضعف تذكرة مترو الأنفاق العادية. وعلى الرغم من أنّ المرحلة الأولى من النقل ستتضمن نقل ما يقرب من 50 ألف موظف فقط (5) من إجمالي 6 مليون هم عدد موظفي الوزارات الحكومية، إلا أن معايير الاختيار ما تزال غير معلنة، لكنها ربما تشمل درجة الموظف وحالته، فالطبقة البائسة من الموظفين الفقراء لن تنقل في المرحلة الأولى، وربما لن تنقل أبداً!
وسائل الانتقال أيضاً تمتلك جانباً من تلك الكوميديا السوداء، إذ أنّ تكلفة المونوريل (6)- القطار الكهربائي السريع - وصلت إلى أربعة مليارات ونصف مليار دولار. يربط القطار بين قلب القاهرة وكلٍّ من مدن الشيخ زايد والسادس من أكتوبر والعاصمة الإدارية، فهل تعادل تكلفته المرتفعة هدفه وهو تقليل الزحام بين تلك المدن، التي تشهد كثافة محدودة في أحيائها؟ هناك أيضاً مشروع القطار السريع والقطار الخفيف والمشاريع الثلاثة أُسْنِد (7) تشغيلها وإدارتها وصيانتها لشركات أجنبية وفقاً لبيانات حكومية! هذا على الرغم من وجود خبرات مصرية في هذا المجال.
ربما كان من الأفضل اللجوء إلى بدائل نقل أرخص في هذه المرحلة على الأقل، كخطوط جديدة للأتوبيسات الكهربائية شبيهة بتلك التي أعلنت عنها وزارة النقل (8) ضمن مشروع الأتوبيس الترددي السريع، وعددها مئة حافلة تصل تكلفتها إلى 680 مليون جنيه، تتضمن مراحل تصنيع محلية، وتشغيل لأيادي عاملة.
1- المهندس خالد عباس خلال حوار تلفزيوني له https://2u.pw/AnWvo80
2- صفحة مستردَّة من موقع رئاسة الجمهورية https://2u.pw/Tap2muW
3- تصريحات للمهندس خالد عباس خلال حوار تلفزيوني له https://2u.pw/AnWvo80
4- إصدار البنك المركزي، مجل 79، يوليو- سبتمبر، 2022-2023.
5- صفحة العاصمة الإدارية، هيئة المجتمعات العمرانية، https://2u.pw/OLbxTg
6- صفحة المونوريل، شركة المقولون العرب https://2u.pw/A7I2gUl
7- وزارة النقل: لا بيع لأصول القطار الكهربائي الخفيف LRT، الهيئة العامة للاستعلامات، موقع حكومي https://2u.pw/bCQtDFd
8- صفحة وزارة النقل بالفيس بوك https://2u.pw/nnZFt0l