احتفلت موريتانيا، في الثامن عشر من حزيران/يونيو الفائت، بالذكرى الخمسين لإنشاء عملتها الوطنية "الأوقية"، واستقلالها عن منطقة الفرنك الإفريقي. وبهذه المناسبة أطلق البنك المركزي الموريتاني فئة نقدية جديدة (50 أوقية)، بالإضافة إلى أنشطة أخرى من بينها ترميم مباني البنك مع الاحتفاظ بالمخطط المعماري التاريخي له، وعصرنة شاملة لمقره وتحديث الأجهزة والوسائل، لتناسب عصر التحول الرقمي، وفقاً لبيان صادر عنه.
حكايات التأسيس
كانت خطوة الخروج من دائرة الفرنك الإفريقي، سنة 1973، وإنشاء عملة وطنية، تحدياً أقدم عليه نظام المختار ولد داداه، الذي حكم موريتانيا بعد استقلالها عن فرنسا في العام 1960 وأطيح به في العام 1978 في انقلاب عسكري. وشبّه البعض خطوة إنشاء عملة موريتانية وطنية حينها، بتأميم قناة السويس من طرف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وخطوات التأميم والخروج من دائرة الاستعمار التي حدثت في بعض البلدان العربية والإفريقية. وقد أقيمت لأجل ذلك الحدث احتفالات خاصة، دبجت خلالها القصائد والأغاني الممجِّدة للقرار.
من أبرز المتغيرات التي عرفتها الأوقية، هو التغيير في الشكل الذي ظلت عليه لعدة سنوات، قبل أن تستقر على الشكل البلاستيكي "البوليميري" (polymer) الصديق للبيئة، والذي صعّب تزويرها الذي كان شائعاً.
وقد أحيطت عملية إنشاء الأوقية بقدر كبير من السرية، تحسبا لأي نوع من المنغصات المتوقعة من المستعمِر الفرنسي. وقد ساعدت الجزائر موريتانيا في سعيها حتى تُحقّق هدفها، ويذكر أن الدول التي نزعت قبل موريتانيا إلى الخروج من الفرنك الإفريقي، تسبب لها ذلك في مشاكل متعددة، مثل دولة مالي التي رجعت إلى منطقة الفرنك في آخر المطاف، وكذلك غينيا التي عانت كثيراً بسبب قرارها، والتوغو أيضا، بل يرى بعض المراقبين، أن اغتيال الرئيس التوغولي سيلفانوس أوليمبيو، أواخر الستينيات، كان بسبب قراره الاستقلال عن منطقة الفرنك الإفريقي.
استقلال موريتانيا لم يكتمل بعد
26-11-2014
وحسب الباحث في الاقتصاد، الحسين ولد محمد عمر، كان قرار: "الخروج من نطاق الفرنك الغرب إفريقي، خطوة تمليها الضرورة الاقتصادية، إذ أن أي دولة تريد فرض وجودها لا بد لها من عملتها النقدية التي تتحكم فيها عبر سياستها النقدية. وهنا كان خروج موريتانيا موفقاً جداً وخطوة سيادية لتجسيد استقلال موريتانيا اقتصادياً على أرض الواقع".
تعرف الأوقية منذ أشهر صعوداً ملحوظاً أمام العملات الدولية (اليورو والدولار)، وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى زيادة مخزون الذهب لدى البنك المركزي، بعد إنشاء شركة خاصة لذلك الغرض (معادن)، بالإضافة إلى دخول مبالغ معتبرة بالعملة الأجنبية نتيجة مشروع الغاز (GTA) المشترك مع السنغال وبقية المشاريع التعدينية الأخرى.
فالفرنك الغرب إفريقي لحد الساعة متحكم فيه من طرف الخزانة الفرنسية، وبالتالي نجد أن بعض الدول الإفريقية، تطالب بفك الارتباط باليورو لتجسد استقلالها النقدي التام. فالتكتل النقدي لغرب إفريقيا مختلف تماماً عن التكتلات التي تسعى إليها معظم الدول، فهو "تكتل نقدي أعرج وفاقد للسيطرة، ويفرض عليه سعر صرف ثابت مقابل اليورو يساوي 0.1524 عكس بقية الدول التي تسيطر على سعر صرفها مقابل مختلف العملات الدولية".
مسار من التقلبات
مرت "الأوقية" الموريتانية عبر تاريخها بتغيرات متعددة في شكلها، وصعوداً وهبوطاً في قيمة عملتها. فموريتانيا مثل غيرها من الدول الفقيرة والضعيفة اقتصادياً، تظل عملاتها عرضة للتقلبات سواء انطلاقاً من واقعها المحلي، أو بسبب تحديات خارجية يصعب التحكم فيها.
ومن أبرز المتغيرات التي عرفتها الأوقية، هو التغيير في الشكل الذي ظلت عليه لبضع سنوات، قبل أن تستقر على الشكل البلاستيكي "البوليميري" (polymer ) الصديق للبيئة. كما تعرضت الاوقية للتزوير، وهو ما يعتبر أحد أهم الأسباب في تغييرها. ويضيف ولد محمد عمر: "أما العوامل الاقتصادية، فلعل أهمها التضخم الذي عرفته الأوقية منذ إنشائها، ناهيك عن عدم الثقة في النظام المصرفي الذي يؤثر على الأوقية، حيث يرفض العملاء إيداع مدخراتهم بها في البنوك، مما يؤثر على قيمتها أمام العملات الدولية ويزيد معدلات التضخم لكثرة النقود المتداولة، وهو أحد الأسباب أمام التغيير الذي أجري سنة 2018، والذي سعى إلى إدخال العملة في النظام المصرفي".
الأوقية اليوم
تعرف الأوقية منذ أشهر صعوداً ملحوظاً لقيمتها أمام العملات الدولية (اليورو والدولار)، وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى زيادة مخزون الذهب لدى البنك المركزي، بعد إنشاء شركة خاصة لذلك الغرض (معادن)، بالإضافة إلى دخول مبالغ معتبرة بالعملة الأجنبية نتيجة مشروع الغاز (GTA) المشترك مع السنغال وبقية المشاريع التعدينية الأخرى، مثل مشروع " تيجيريت " شمال موريتانيا الذي تتولاه شركة " "آيا جولد" الكندية. ويؤكد الباحث الحسين ولد محمد عمر، أن مستقبل أي عملة ينطلق من اقتصاد البلد.
وبالنظر إلى المشاريع التي تنتظر بدء الإنتاج مع نهاية السنة الحالية مثل مشروع الغاز المشترك مع السنغال أو التي ستبدأ لاحقاً، مثل مشروع "بير الله" المنتظر بعد سنوات قليلة، ومشروع "تيجيرت"، توفر استقراراً سياسياً بعد فترة من الاضطرابات... هذه كلها عوامل تدفع الأوقية نحو الصعود الذي يتوقع استمراره مع بدء وصول التدفقات النقدية التي ستزيد مخزون العملة الأجنبية لدى البنك المركزي، وهو أحد العوامل المهمة في قوة الأوقية".