الذهب الأزرق في الجزائر

يميز الجغرافيا الجزائرية التباين البالغ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، حيث يتركز تدفق الأمطار في الحافة الشمالية الضيقة للبلاد بينما يكون في المناطق الداخلية ضعيفاً إلى شبه معدوم. وتستقبل الأحواض الساحلية حوالي 90.2 في المئة من إجمالي التدفق، أما نصيب الهضاب العليا منه فقدر بـ 5.7 في المئة، وهناك أخيراً الأحواض الصحراوية حيث لا تتعدى نسبة التدفق فيها 4.1 في المئة.
2023-07-11

ليلى بن اسماعين

استاذة وباحثة، جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، الجزائر


شارك
غوط في الصحراء الجزائرية

قضت أوروبا أعياد ميلاد هذه السنة بالألبسة الصيفية في ظاهرة غير مسبوقة، حيث لم يجد "بابا نويل" الثلج الذي اعتاد أن يتنقل عليه بعربته لكي يحضر الهدايا، فاكتفى بزيارة أمريكا الشمالية التي غطتها العواصف الثلجية ونوبات الصقيع.

أما في الجزائر فقد أديت صلاة الاستسقاء مرتين في شهرٍ واحد أملاً في غيث يملأ السدود التي نضبت جراء توالي السنوات العجاف، حيث لبس شهر كانون الأول/ ديسمبر 2022 ثوب نيسان/أبريل ومرّ وكأنّه ليس شهراً من فصل الشتاء... مما زاد من معاناة المواطن الذي بات بالكاد يلتقي بالمياه في حنفيته.

من الواضح أن وفرة الموارد المائية تعتمد أساساً على المناخ كمصدر رئيسي سواء في توزعها المكاني أو الزمني (الموسمي)، لكنّ هناك عوامل أخرى بشرية تؤثر مباشرة على هذه الوفرة إيجاباً أو سلباً. مثلاً، عوامل حسن إدارتها وتوفير البنى التحتية الملائمة لحشدها، نقلها وتوزيعها. لذلك من الصعب تناول إشكالية الموارد المائية من زاوية واحدة ولا بد من دمجها في منظومة شاملة تجمع العوامل الطبيعية والبشرية، ويقصد بالعوامل البشرية: أصحابُ القرار، المسيرون التقنيون وكذا المواطنون المستهلكون.

التوزع الجغرافي للموارد المائية في الجزائر

يميز الجغرافيا الجزائرية التباين البالغ من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، حيث يتركز تدفق الأمطار في الحافة الشمالية الضيقة للبلاد بينما يكون في المناطق الداخلية ضعيفاً إلى شبه معدوم. وتستقبل الأحواض الساحلية حوالي 90.2 في المئة من إجمالي التدفق، أما نصيب الهضاب العليا منه فقدر بـ 5.7 في المئة، وهناك أخيراً الأحواض الصحراوية حيث لا تتعدى نسبة التدفق فيها 4.1 في المئة. هذا التفاوت نجده أيضاً بين المناطق الشرقية والغربية حيث وفرة أكثر للمياه في الشرق حيث تسود الأراضي الجبلية الوعرة مقارنة بالغرب حيث توجد أكثر الأراضي خصوبة.

أما في الصحراء فتتركز معظم التساقطات على الأطلس الصحراوي ومنطقة "الهقار" و"التاسيلي"، على الرغم من ندرتها، وهي تنحدر أساساً من الأطلس المغربي والمنحدر الجنوبي لجبال الأوراس. هذا التوزع الجغرافي للموارد المائية يعد معوقاً أساسياً لتوزيع السكان وكذا النشاطات الاقتصادية في الجزائر، وهو عامل رئيسي في تخطيط استخدام الأراضي والتهيئة العمرانية.

تأتي المياه السطحية، في معظمها، من الجريان والتدفق الغزير لمياه الأمطار باتجاه البحر أو المسطحات الداخلية المنخفضة كالشطوط. فإن لم يعترض طريقها سد أو خزان فإن هذه المياه تضيع كلها في الطبيعة ذلك لأنّ شدة هطول الأمطار، والمنحدرات الشديدة، والأراضي غير النافذة كالتربة الطينية تؤدي إلى انجراف هذه المياه بدل بقائها في التربة أو تسربها إلى الطبقات الأرضية السفلى. إضافة إلى ظاهرة التبخر الشديد الملاحظ مباشرة على مستوى البحيرات، الوديان أو السدود.

بالتالي فإنّ كميات المياه التقليدية (السطحية والجوفية) في الجزائر تقدر بـ 19.4 مليار م3 في حين يبلغ حجم الموارد المائية المتجددة منها 14.4 مليار م3، يقع 95 في المئة منها في شمال البلاد، وتنقسم إلى 11.4 مليار م3 مياه سطحية و3 مليار م3 جوفية. هذه الأخيرة تستغل في الشمال بنسبة تزيد عن 90 في المئة، بينما هي في الجنوب مياه محتواة بشكل أساسي في عدة طبقات جوفية، يمتد بعضها إلى ما وراء الحدود الجزائرية.

صحيحٌ أنّ الأحجام المخزنة في مستودعات المياه الجوفية هائلة، لكن لا يجب أن نغفل عن حقيقة أنها تقريباً غير متجددة، فهي مياه أحفورية موجودة على أعماق كبيرة وتتميز بدرجة حرارة عالية (60 درجة) كما أنها تحتوي على نسبة عالية من الكلس والأملاح المعدنية (7 غ/ لتر). لذلك فإن استغلال هذه المياه يكون مكلفاً للغاية نظراً لاستعمال طاقة كبيرة لاستخراجها وتبريدها قبل معالجتها.

ضخ المياه الجوفية في الجنوب

يبقى أنّ أهم ما يهدد هذا الخزان هو مشاريع استخراج الغاز الصخري. تسبب إعلان الحكومة سنة 2015 الشروع في دراسة إمكانية استغلال الغاز الصخري في الجنوب، في موجات غضب مواطني الصحراء، وتحديداً منطقة عين صالح، بسبب تأثير هذه العمليات على الموارد المائية الباطنية. ذلك لأنّ استخراجها يتطلب استخدام كميات هائلة من المياه، عدا عن التأثير البيئي المحتمل والناجم عن تكسير الطبقات الجوفية لاستخراج هذا الغاز. للعلم، تحتلّ الجزائر المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الموارد القابلة للاستخراج من الغاز الصخري (1).

المياه غير التقليدية

نظراً لندرة مياه السماء، كان من الضروري تعويض العجز بموارد الأرض وذلك باللجوء إلى ما يسمى بالمياه غير التقليدية أي المياه التي يتم إنتاجها عن طريق تحلية مياه البحر، أو مياه الصرف الصحي بعد معالجتها، أو المياه منزوعة الأملاح. يتعلق الأمر بالمياه الجوفية التي يكون تركيز الأملاح المعدنية فيها عاليا، ولذلك يتم نزع هذه الأملاح لكي توزع وتستهلك، على عكس المياه التقليدية التي يكون مصدرها المباشر الأمطار أو الآبار.

تلجأ الجزائر لهذه الطرق الثلاث لتعويض العجز في كمية المياه التقليدية، فهي تقوم بتحلية مياه البحر منذ 2002، وقد أنجزت 14 محطة تحلية لمياه البحر حتى الآن، تتراوح سعتها ما بين 2500 إلى 500000 متر مكعب/ يومياً (محطة المقطع بوهران).

أما عن المياه المنزلية المستعملة فتعتبر بديلاً عن المياه الصالحة للشرب ذات الجودة العالية بالنسبة للنشاطات الأقل احتياجاً للمياه النقية كالسقي أو الغسيل، أو للقطاع الصناعي الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه فقط للتبريد والتنظيف. يذكر أن 25 في المئة من المياه المستعملة تمر عبر محطات التنقية (2) أي ما يبلغ حجمه 100 مليون م3. في هذا السياق تم عام 2019 استعمال 12.325.269 م3 منها لري 11.045 هكتار من الأراضي الزراعية.

المياه الحدودية

تتقاسم الجزائر مع جاراتها عدة خزانات جوفية بسعات مختلفة، أهمها الخزان الجوفي لشمال الصحراء (SSAS) وهما عبارة عن خزانين يقومان بملء طبقتين جوفيتين مختلفتي العمق، وتتشارك فيهما الجزائر مع تونس وليبيا. توصف هذه المياه بكونها محيطاً باطنياً، لأنها تمتد على مساحة أكثر من مليون كم2 في بيئة قاحلة للغاية، وتمثل أكبر احتياطي للمياه الجوفية في شمال إفريقيا، كما تحوي الجزائر على أكبر حصة منه حيث تروي هذه المياه عطش 4.8 مليون نسمة.

خارطة اهم نظام مائي عابر للحدود بالجزائر

المشكلة أنّ هذه المياه معرضة للملوحة التي تهدد نوعيتها، وكذا للاستغلال المفرط خاصة في الميدان الفلاحي، حيث يعتبر هذ القطاع الأكثر استهلاكاً للمياه الجوفية مما جعل المحاصيل الزراعية في الجنوب تنافس محاصيل الشمال في الوفرة والجودة، بل تتفوق عليها كالبطاطس مثلاً، فتربعت بطاطس ولاية الواد (الجنوب الشرقي) على عرش أسواق الوطن. يؤخذ على هذا النشاط عدم نجاعة أساليب الري المستعملة فيه وسوء تسيير الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة من المياه. مع العلم أن تكلفة استغلال المياه الجوفية عالية جداً نظراً لصعوبة ضخها ثم تبريدها.

تأتي المياه السطحية، في معظمها، من الجريان والتدفق الغزير لمياه الأمطار باتجاه البحر أو المسطحات الداخلية المنخفضة كالشطوط. فإن لم يعترض طريقها سد أو خزان فإن هذه المياه تضيع كلها في الطبيعة ذلك لأنّ شدة هطول الأمطار، والمنحدرات الشديدة، والأراضي غير النافذة كالتربة الطينية تؤدي إلى انجراف هذه المياه بدل بقائها في التربة أو تسربها إلى الطبقات الأرضية السفلى.

أهم ما يهدد خزان المياه الجوفية هو مشاريع استخراج الغاز الصخري. تسبب إعلان الحكومة سنة 2015 الشروع في دراسة إمكانية استغلال الغاز الصخري في الجنوب، في موجات غضب مواطني الصحراء، بسبب تأثير هذه العمليات على الموارد المائية الباطنية، فاستخراجها يتطلب استخدام كميات هائلة من المياه، عدا عن التأثير البيئي المحتمل والناجم عن تكسير الطبقات الجوفية لاستخراج هذا الغاز.

يذكر أنه أنشئت هيئة استشارية مشتركة بين الدول الثلاث، وهي "مرصد الصحراء والساحل" (Observatoire du Sahara et du Sahel) الذي نذكر من بين مهامه: متابعة وضع المياه في الخزانين من حيث الكمية والجودة وإنشاء قاعدة بيانات مشتركة، إضافة إلى تمويل مشاريع فلاحية تروج للاستغلال الأمثل للمياه الجوفية.

استهلاك المياه في الجزائر

يعد قطاع الفلاحة أكبر قطاع استغلالاً للمياه وذلك لري 8,56 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة (3) والتي تمثل 19,5 في المئة فقط من المساحة الكلية لأراضي البلاد حيث تشغل الصحراء غالبية المساحة المتبقية.

تنقسم المساحات المروية في شمال البلاد إلى مجموعتين يتم التمييز بينهما بوضوح من خلال حجم التهيئة وطريقة الإدارة المرتبطة بهما وهما: المساحات المروية الكبرى التي تديرها دواوين الزراعة الجهوية أو الولائية، والتي تفوق مساحة القطعة الزراعية الواحدة فيها 500 هكتار، وتروى من مياه السدود أو من الآبار العميقة، والمرويات الصغيرة والمتوسطة ​والتي تدار مباشرة من قبل المزارعين وتكون أراضي متفرقة تقل مساحتها عن 500 هكتار. يعتمد المزارع لريها على اﻵبار والخزانات ومجمعات المياه، وتأتي غالبية الإنتاج الزراعي المروي من هذه الأراضي، على الرغم من نقص الموارد المائية، إذ تتفوق بعددها على المساحات الكبرى المروية التي تعاني بدورها من مشاكل عدة.

تقوم الجزائر بتحلية مياه البحر منذ 2002، وقد أنجزت 14 محطة تحلية حتى الآن، تتراوح سعتها ما بين 2500 إلى 500000 متر مكعب/ يومياً (محطة المقطع بوهران). وتقدّر حصة الفرد الواحد سنوياً بحوالي 500 م3 من الماء، مما يضع الجزائر في فئة الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، مقارنة بعتبة الندرة التي حددها البنك الدولي ب 1000 م3 للفرد سنوياً.

بغض النظر عن الأسباب المناخية وحالة الجفاف المستمر في العقود الأخيرة، الا أن أهم مشاكل ري المساحات الكبرى تعود إلى قدم وهشاشة قنوات الري، إضافة إلى إعطاء الأولوية لمياه الشرب عوض الزراعة مما أدى إلى تقلص هذه المساحات بنحو 58 في المئة، وكذا عمليات إعادة تصنيف الأراضي. هناك أنبتت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية فطريات عملاقة من الإسمنت والخرسانة على شكل عمارات ومدن جديدة لامتصاص أزمة السكن لاسيما في أكثر الأراضي الزراعية خصوبة على الإطلاق، وهي سهول" المتيجة" الواقعة وسط الشريط الساحلي للبلاد، حيث تم القضاء على حوالي 150000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة منذ سنة 1962 (4).

تقنيات فريدة للري

إحدى التقنيات التقليدية المتميزة للسقي في المناطق الجنوبية هي الفقّارة Foggara وهي أقدم مصدر مائي للسقي ساهم، ومنذ قرون، في إنشاء واحات الصحراء الجزائرية، حيث يمارس 90 في المئة من سكان الصحراء النشاط الفلاحي داخل الواحات القديمة وأراضي الاستصلاح الجديدة. اشتق اسم الفقارة من الفقرة لأن المظهر السطحي للفقارة هو تسلسل الآبار على شكل العمود الفقري، تنساب من المناطق المرتفعة باتجاه المنحدر الأرضي حيث تكون نقطة البدء البئر الرئيسية ذات العمق الأكبر والتدفق الأقوى، إلى أن تصل إلى سطح الأرض مستفيدة من قانون الجاذبية. عندما يصل الماء إلى سطح الأرض يوزّع وفق نظام خاص وحصص متعادلة حسب مساحة البساتين (5)، حيث توكل مهمة تقسيم المياه وتخصيص الوقت الكافي والكمية المناسبة لكل مزارع إلى شخص معين حكيم يدعى "كيَّال الماء".

يجدر بالذكر أنه تم تسجيل هذه التقنية كتراث عالمي لامادي من طرف اليونيسكو سنة 2018.

تصريف وتقسيم المياه حسب تقنية الفقارة

تقنية زراعية أخرى ملفتة للانتباه وشائعة في منطقة الصحراء، خاصة في ولاية "وادي سوف" وتخص زراعة النخيل، وهي "الغوط". والغوط هو عبارة عن منخفض عميق يتوسط الكثبان الرملية، يصل عمقه إلى أزيد من 20 متراً على قطر دائري يتراوح من 80 إلى 200 متر، يقوم بحفره الفلاح بطرق تقليدية (6). وتتم تهيئة تلك المنخفضات الرملية لاستغلالها في غرس النخيل باعتبار أن عمقها يساعد على الوصول إلى طبقات المياه الجوفية، حيث تصبح النخلة تروى تلقائياً من خلال امتصاصها للماء من الطبقة الجوفية دون اللجوء إلى طرق السقي.

غوط في ولاية وادي سوف

بعد قطاع الزراعة يأتي قطاع المياه الصالحة للشرب، حيث تقدّر حصة الفرد الواحد سنوياً بحوالي 500 م3 من الماء، مما يضع الجزائر في فئة الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، مقارنة بعتبة الندرة التي حددها البنك الدولي ب 1000 م3 للفرد سنوياً (7).

يتم التزود بالمياه الصالحة للشرب في الجزائر من ثلاثة مصادر مختلفة:

-60 في المئة من مياه السدود

-20 في المئة من المياه الجوفية (الآبار)

-20 في المئة من تحلية مياه البحر

وتحوي الجزائر حالياً 80 سداً يتمركز أغلبها شمال البلاد وبالأخص في الجهة الشرقية حيث تكون الأمطار أكثر وفرة، لكنّها تعاني في العقدين الأخيرين من الجفاف الذي حال دون أن تمتلئ بالكامل. الأمر الذي حمل السلطات على إعادة برمجة توزيع المياه، بعد أن كانت متوافرة في أغلب المدن الكبرى دون انقطاع، فبات يتمّ التوزيع لمدة سويعات كل يومٍ لدى الأكثر حظاً أو مرة كل يومين أو كل ثلاثة أيام في أحسن تقدير في مناطق أخرى.

أهم مشاكل ري المساحات الكبرى تعود إلى قدم وهشاشة قنوات الري، إضافة إلى إعطاء الأولوية لمياه الشرب عوض الزراعة مما أدى إلى تقلص هذه المساحات بنحو 58 في المئة، وكذا عمليات إعادة تصنيف الأراضي: أنبتت في مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية عمارات ومدن جديدة لامتصاص أزمة السكن، لاسيما في أكثر الأراضي الزراعية خصوبة، وهي سهول" المتيجة" في الشريط الساحلي للبلاد.

بالإضافة للجفاف وللتبخر، هناك معضلة أخرى تعاني منها السدود الجزائرية وتتمثل في ظاهرة "الترسب"، بسبب الأمطار الغزيرة التي تتهاطل على منحدرات الأحواض الجبلية المشكِّلة للسد لتجرف معها كميات كبيرة من التربة والحصى التي تنتهي في آخر المطاف في قاع السدود، مما يقلص بنسبة كبيرة سعة الخزانات حيث شهدت 80 في المئة من السدود ترسباً تاماً (8)، أدى إلى انخفاض سعة خمسين سداً من 5 مليار م3 إلى بضع ملايين م3 .

وبعيداً عن الأسباب الطبيعية، نجد أن هذه الظاهرة تعود إلى ضعف دراسات إنجاز السدود حيث قل ما تتناول هذه الدراسات كيفية تخفيض عامل الانجراف قبل وصول المياه إلى الخزانات، وبالتالي نجد استثمارات بمليارات الدنانير خارجة عن الخدمة بعد سنوات قليلة من بدء استغلالها على غرار سد "تاكسبت" بتيزي وزو، البويرة او تيبازة.

أكبر سد في الجزائر-سد بني هارون- ولاية ميلة

أما فيما يخص توزيع المياه الصالحة للشرب فإن إدارة المياه حالياً تواجه معوقين أساسيين يتسببان في فقد كميات هائلة من المياه الصالحة للشرب، وهما التسربات من القنوات والأنابيب، بسبب قدم شبكة التوزيع، حيث تعود في بعض المناطق إلى الحقبة الاستعمارية، إضافةً إلى عدم اتقان الربط في أغلب الأحيان، لذلك نشاهد معظم الأرصفة مهترئة، لاسيما في العاصمة، من كثرة الحفر والردم. يذكر أنه في سنة 2021 ضيعت التسربات حوالي 30 إلى 40 في المئة من المياه الموزعة في الجزائر العاصمة، بحسب نائب مدير شركة المياه والتطهير (9). أما السبب الثاني فهو تبذير المياه من طرف المواطنين حيث إن سعر المياه المدعوم من الدولة من جهة ووفرتها فيما مضى من جهة أخرى، جعل المواطن لا يستشعر أهمية هذا المورد، وتقدر كمية المياه المهدورة (10) بسبب التسربات والتبذير بنحو مليار م3 .

الغوط تقنية زراعية شائعة في منطقة الصحراء وتخص زراعة النخيل. والغوط منخفض واسع وعميق يتوسط الكثبان الرملية، يصل عمقه إلى أزيد من 20 متراً، يحفره الفلاح بطرق تقليدية، ويغرس فيه النخيل باعتبار أن عمقه يساعد على الوصول إلى طبقات المياه الجوفية، بحيث تروى النخلة تلقائياً من خلال امتصاصها للماء من الطبقة الجوفية دون اللجوء إلى السقي.

تحوي الجزائر حالياً 80 سداً يتمركز أغلبها شمال البلاد وبالأخص في الجهة الشرقية حيث تكون الأمطار أكثر وفرة. لكنّ الجفاف في السنوات الأخيرة حال دون أن تمتلئ بالكامل، ما حمل السلطات على إعادة برمجة توزيع المياه، فصارت لمدة سويعات كل يومٍ لدى الأكثر حظاً أو مرة كل يومين أو كل ثلاثة أيام في أحسن تقدير في مناطق أخرى. 

أما عن قطاع الصناعة فيتعذر وجود معطيات خاصة باستهلاك هذا القطاع للمياه، وذلك لكونه وببساطة يستعمل المياه الصالحة للشرب لأنه موصول بالشبكة نفسها. يدل هذا على كميات المياه الصالحة للشرب المهدورة من طرف قطاع الصناعة، لأن أغلب المصانع لا تحتاج إلى نوعية المياه الصالحة للشرب التي تكلف ميزانية هامة لحشدها ومعالجتها، ويمكنها الاكتفاء بمياه ذات نوعية أقل كالمياه المعاد تدويرها بعد الاستعمال.

يرجع هذا إلى انعدام البنية التحتية المخصصة لتزويد المناطق الصناعية بشبكة مياه خاصة بها في إطار تسيير مدمج للمدن أو المناطق ذات النشاط الصناعي عند القيام بالمخططات العمرانية السابقة لإنشاء المدن والمناطق الحضرية.

في واقع الأمر، في بلداننا، يتم التوسع العمراني غالباً كاستجابة لضغط الاكتظاظ والأزمات المتعلقة بزيادة الكثافة السكانية، مما يؤدي إلى مشاريع استعجالية غير ناضجة ما تفتأ تكشف عن عيوبها ونقائصها، ولكن بعد فوات الأوان.

______________________

1- https://urlis.net/1wv6e1oq
2- https://urlis.net/a7hmzsrz
3 احصائيات وزارة الفلاحة لعام 2019 https://urlis.net/krurvm63
4- https://www.djazairess.com/fr/latribune/33030
5- https://alarab.co.uk
6- https://www.aps.dz/ar/regions/70654-2019-05-11-12-15-06
7- الخطة الوطنية للمناخ وزارة البيئة 2019
8- https://urlis.net/eofqukbx
9- https://urlis.net/avzpqy1s
10- وكالة المغرب العربي للأنباء https://urlis.net/vqt5dg9r

مقالات من الجزائر

من الكفاح ضد الاستعمار إلى التعبئة من أجل الحريات: كرة قدم الشعب في الجزائر

عمر بن درة 2023-05-30

أصبح الملعب مركزاً للتعبئة الشعبية، ومنتجاً لدلالات سياسية عملية تناقلها الرأي العام بشكل واسع على اختلاف شرائحه الاجتماعية. والتحمس لهذه الرياضة ليس أمرا مستجدا. فقد لعبت كرة القدم دوراً مهماً...