سيول مدينة أطار الموريتانية تُجدِّد محنة المطر

لا يزال المطر يشكّل مبعثاً للأسى في موريتانيا، رغم تصوّف سكانها في حبّه وارتياحهم له، فيقولون في الحسّانية - لهجة محلية - "أسحاب ما تخسر اللي ما تصلح" أي المطر لا يفسد إن لم يصلح، أو أنه لا يفسد شيئاً إلا وأصلحه
2016-09-09

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
لا يزال المطر يشكّل مبعثاً للأسى في موريتانيا، رغم تصوّف سكانها في حبّه وارتياحهم له، فيقولون في الحسّانية - لهجة محلية - "أسحاب ما تخسر اللي ما تصلح" أي المطر لا يفسد إن لم يصلح، أو أنه لا يفسد شيئاً إلا وأصلحه. يستبشرون به وبمقْدمه ويعتبرونه رحمة وبركة من الله، أو هكذا كانوا أيام حياة البادية، حيث كانوا يعتمدون عليه في حياتهم، يشربون منه ويسقون حيواناتهم ويطلقونها لترعى في المراعي الناتجة بفضله، وحين يضيق بهم المقام في بقعة ما يرحلون إلى أخرى. لكن المطر في المدن الحديثة مختلف، خاصة تلك غير المجهزة ببنى تحتية لصرف مياهه، فيكون وبالاً على السكان. وآخر فصول قصة معاناة الموريتانيين من المطر، سيول ولاية آدرار، التي تسببت في هدم مئات المنازل في مناطق عدة من هذه الولاية الشمالية. فقد جرفت السيول وهدمت أكثر من مئة منزل في منطقة عين أهل الطائع وشردت ساكنيها، بالإضافة لتضرر مقاطعة أوجفت، ومدينة أطار عاصمة الولاية من هذه الأمطار التي هبطت صباح أحد الأيام (الجمعة 26 آب/ أغسطس)، ولم تتجاوز 50 ملم، ولكنها هدمت منازل وشردت بعض السكان وأضرت بمبانٍ حكومية بالمدينة التي أصبحت محاصرة بالمياه، فتقطعت أوصالها بسبب غمر المياه لشوارعها.. وهو مشهد يتكرّر بعد أكثر من واحد وثلاثين سنة. فمدينة أطار سبق وتضرّرت من سيول مماثلة منتصف الثمانينيات من القرن الفائت.

أين الحكومة؟

السيول الجارفة، وما تسبّبت به من أضرار، لم تجعل الحكومة الموريتانية تتحرّك بشكل مناسب للحدث، بل اقتصر تدخلها على قيام المدرسة العسكرية في المدينة بعمليات إنقاذ للمواطنين أثناء السيول، فيما تنعدم أدوات الأشغال العمومية مثل الجرافات وصهاريج شطف المياه وغيرها من الآليات، وهو ما يجعل عمليات مساعدة المواطنين باهتة. وحتى نواب المنطقة لم يحرّكوا ساكناً، وهو ما جعل الكثير من النشطاء على الإنترنت ينتقدون هذه الحال ويطلقون حملة لإنقاذ السكان ومساعدتهم، عبر وسم: #آدرار_تستغيث. وكتب الناشط سيدنا عزيز: "نوائب آدرار، بدل عقد المؤتمرات الصحافية اليومية لتعداد الخسائر المادية والضغط لتقديم ما يلزم من أدوية وأغذية وخيم، كأني بأحدهم الآن يتمايل طرباً على وقع رقصات الفلامينكو في فنادق ومنتجعات لاس بلماس وملاهيها الليلية". وأضاف: "أما البقية فهم مع عصابة الرماية ينتزهون في السهول والأودية مبددين بعض الأموال التي نهبوها في مدافع وذخائر لا تغني من جوع ولا تعطي لقباً ولا ميدالية ولا وزناً على المستوى الوطني والدولي، كل همهم هو الحفاظ على أمجاد وهمية وأساطير مسلية.. لا تعنيهم تلك البيوت المهدمة والأسر المشردة ولا الأضرار المادية الجسيمة ولا الواقع البائس الذي تعهدوا ذات يوم بتغييره وتوفير بعض الخدمات الضرورية للتخفيف من معاناة الساكنة، لأنهم أفاكون ومخادعون خونة". وقد حذر بعض السكان من تفاقم الأزمة مع تساقطات مطرية جديدة، خاصة أنّ السدود امتلأت وهو ما يحتّم اتخاذ إجراءات سريعة لتفادي خسائر أكثر. ويحتاج سكان أطار والمناطق المتضررة من ولاية آدرار، إلى مساعدات عاجلة، مثل البطانيات والأفرشة والأدوات المنزلية وصهاريج لشفط المياه التي تهدد بقية المنازل، ومساعدات لبناء منازلهم التي سقطت كلياً أو جزئياً.

لمحة عن أطار

تعتبر مدينة أطار إحدى أهم المدن ثقلاً في تاريخ موريتانيا الحديث، وقد تأسست بداية القرن الثامن عشر على مقربة من مدينة آزوكي المرابطية (ويعتبرها المؤرخون ثاني أهم مدن دولة المرابطون) التي تبعد عنها بما لا يتعدى 8 كلم، بينما تبعد عن العاصمة نواكشوط 435 كيلومتراً.
اكتسبت أطار أهميتها مع دخول الاحتلال الفرنسي إلى ولاية آدرار، حيث جعلها عاصمة للولاية وهو ما حولها لمكان حيوي اقتصادياً وسياسياً. وقد دخلها الاستعمار الفرنسي سنة 1909 وشيّد فيها ثكنة عسكرية جعل منها ثاني قاعدة عسكرية فرنسية في غرب إفريقيا. يبلغ عدد سكّانها اليوم ما يزيد عن العشرين ألف نسمة، وتعتبر أطار من أهم الوجهات السياحية الموريتانية التي كانت تستقطب السيّاح الأوروبيين، فهي ذات طبيعة ساحرة، تحتوي على واحات أخاذة بالإضافة لامتلاكها نمطاً طبيعياً جميلاً، إذ ولاية آدرار منطقة صخرية وتبدو على شكل هضبة مسلكها من الجانب الجنوبي سهل نسبياً، ولكنّها تنتهي شمالاً وغرباً بحائط ناتئ شديد الانحدار ("حيط آدرار")، وتتميّز بالعيون الطبيعية الجميلة، ومن أهم مزاراتها، الشلالات والواحات الواقعة في واد ترجيت الذي يبعد 42 كلم جنوب شرق مدينة أطار. لذلك يعمل الكثير من سكان أطار في قطاع السياحة، وكان السياح يأتونها من فرنسا وبلجيكا وإسبانيا. لكنّ المنطقة تضررت من بعض العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة في موريتانيا، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تفرض حظراً على سفر مواطنيها، ووفق المكتب الوطني للإحصاء، فإنّ هناك أكثر من 9752 سائحاً زاروا المدينة سنة 2007. أطار كأغلب مدن ولاية آدرار، تعتبر أهم مصدر للتّمور في موريتانيا فتحتوي الولاية على 50 في المئة من واحات موريتانيا، أي 1878 هكتاراً من الواحات، ويزرع سكانها أيضاً الخضار ويتم تصديرها للعاصمة نواكشوط.

نكبة مشابهة

قصة مدينة أطار تذكر بنكبة سابقة، حدثت قبل أعوام، هي نكبة الطينطان التي حلت ذكراها الثامنة قبل شهر، حيث غمرت مياه الأمطار المدينة وشرّدت سكانها، الذين لا يزالون حتى يومنا هذا يطالبون بإنصافهم وحل الأزمة التي تسببت بها تلك الكارثة، وذلك على الرغم من أنّ الحكومة أنشأت آنذاك هيئة أسمتها هيئة "إعمار الطينطان" وأنّ الكثير من المانحين قدّموا أموالاً ومساعدات للمتضررين (منها 20 مليون دولار من السعودية). وقد وعدت تلك الهيئة السّكان ببناء مدينة عصريّة واستصلاح ما سلم من المدينة القديمة: بناء 1250 سكنا اجتماعيا، تشييد 250 شقة اقتصاديّة، بناء خمس مدارس أساسيّة، مفتشية للتعليم، أشغال التجهيز والصرف الصحي والمياه والكهرباء، محكمة للمقاطعة، ثكنة لرجال الإطفاء، فضاء لألعاب الأطفال، محطة طيران، إعادة استصلاح وغرس واحات النخيل، تنفيذ برنامج التشجير والمساحات الخضراء، وإعادة السكان لمناطقهم... وبحسب السكان لم تفِ الحكومة بوعودها وتمّ نهب الأموال المخصصة لإعمار مدينتهم من دون أن يستفيد منها السكان، وتحولت الهيئة لوكر للفساد. ولذلك يُثار السؤال: هل سيختلف الواقع هذه المرة، وتشفع عراقة أطار وحضورها الاقتصادي لها عند صناع القرار في موريتانيا.. ويكون وضعها أفضل من صاحبتها المنكوبة؟

 

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه