إعداد وتحرير: صباح جلّول
"جنين بتفتح وتجبُر ألَمي
جوابي وُجودي، سؤالك عدَمي
(...)
جنين بتفكّ وتركّب مخّ
وتضلّ الفخّ".
(من كلمات أغنية "جنين" للفنان الفلسطيني "الفرعي")*
***
"في هذا الوقت، وفيما كان جنود العدوّ
يعملون في الظلام، كان الكون يشيخ
معَنا.
مثلنا.
في هلاكنا الأخير، سنجر الله نفسه
إلى النهاية".
(من كلمات قصيدة "جنين" ل"ايتيل عدنان").
كان الاحتلال يعتقد أنه ينفذ غارة "روتينية" على مخيّم اللاجئين في جنين، شمال الضفة الغربية، يوم الاثنين 19 حزيران / يونيو 2023 بذريعة مطاردة شابين مطلوبَين، لكن الاقتحام الذي ظنّه عادياً صار حدثاً جللاً، واستحال حرباً امتدّت لثمان ساعات تقريباً، قَتل خلالها الاحتلال خمسة فلسطينيين أحدهم طفل مراهق وأصاب العشرات، فيما قاوم المخيم بضراوة (ليست "غير مسبوقة" كما يُشاع إعلامياً وسياسياً،بل هي مكررة ومعهودة من مخيم جنين)، ولكنها لم تكن متوقعة من الاحتلال، الذي "تبهدلت" إحدى آلياته المدرّعة والمخصصة لهذا النوع من الاقتحامات، المسماة "النمر" (The Panther) بفعلِ عبوة متفجّرة "مُرتَجَلة ولكن متطوّرة إلى حد بعيد"، كما وصفها متحدّث باسم جيش الاحتلال نفسه، فصارت الآلية - فخر الاحتلال - مدعاة للاستهزاء على وسائل التواصل حيث عدّل بعضهم اسمها من النمر إلى "البسّة الممعوطة" أيْ القطة المنتوفة. كما اصيب عدة جنود للاحتلال.
التطور هذا حمل دولة الاحتلال إلى استدعاء طائرة هليكوبتر من طراز "أباتشي" تُستخدم للمرة الأولى منذ عقدين - منذ الانتفاضة الثانية على وجه التحديد - في محاولة لإخلاء جنودها الذين تعرّضوا للكمين، فكانَ أن تعرّضت "الأباتشي" نفسها إلى الهجوم فأصيبت بنيران المقاومة. ثمّ أطلق الجنود النار على فلسطينييَن ليل الاثنين كانا في سيارتهما بزعم تسارُع السيارة باتجاه نقطة التفتيش قرب جنين، فأصيب أحدهما بجروحٍ خطيرة.
واستيقظ المخيّم فجر يوم الأربعاء في 21 حزيران / يونيو على ضحية أخرى هي الطفلة سديل نغنغية (15 سنة) التي استشهدت متأثرة بإصابتها من قناص إسرائيلي في الرأس أمام أعين أخيها ووالدها يوم الاثنين أثناء العدوان على المخيّم، خلال محاولتها الوصول إلى بيت أحد أقاربها ابتعاداً عن مرمى نيران القناص.
ولم تكد تمرّ 24 ساعة على اقتحام مخيم حنين حتّى قام فلسطينيان بعملية إطلاق النار في مستوطنة "عيلي" جنوب مدينة نابلس، أسفرت عن قتل 4 إسرائيليين وإصابة 4 آخرين، ما اعتُبر ردّاً على اقتحام المخيم. أُوجِعت إسرائيل مرتين، وبشدّة، خلال يومين فقط، فخرج متحدثون باسم جيش الاحتلال يتكلّمون عن ضرورة إنجاز تغيير ما في مقاربة الجيش لاقتحام جنين، وقال عضو الكنيست اليميني المتطرف بيزاليل سموتريتش أنه قد "حان الوقت لنزع القفازات"!.. هذا على أساسِ أن إسرائيل كانت تتصرّف "بلطف" طوال سنوات التطهير العرقي والجرائم الممنهجة وأنواع الشرور التي صنعت منها ما هي عليه. وفقدان الذاكرة شائع لدى المحتلين كلهم. فاسرائيل لا "تتذكر" اقتحامها الوحشي لمخيم جنين ذاك، هو نفسه، في نيسان/أبريل من العام 2003، وتدميرها الواسع له بعد مقاومة اسطوريه لسكانه ومناضليه، جعلت العملية الاسرائيلية تتطلب عدة أيام**!
... تلا كلّ ذلك تصعيدٌ آخر مساء الأربعاء، تمثّل بعملية اغتيال بطائرة مسيّرة لمجموعة فلسطينية قرب جنين، يزعم الاحتلال أنها مسؤولة عن عمليات إطلاق نار في الأراضي المحتلة. وهذا النوع من الاغتيالات من الجوّ معتاد في قطاع غزة ولكنه يحصل للمرة الأولى في الضفة الغربية منذ عقدين من الزمن، منذ الانتفاضة الثانية تحديداً، فما الذي ينقلب في الجوّ وأيّ الأيام تنتظر المخيم؟
قتلوا الأطفال النائمين
11-05-2023
وجوه الشهداء.. الشهود على دموية الاحتلال
24-03-2022
تفورُ فلسطين غضباً وحزناً وثأراً ومقاومةُ من كلّ الجهات بعد ثلاثة أيام من العنف المتدحرج بسرعة هائلة، وتنفتح الاحتمالات كلّها. في وسط الصورة مخيّم سُوّي بالأرض مرات وعاد واقفاً مرّات. صارَ المخيّم أسطورة، وما أكثر أساطير البأسِ في هذه البلاد التي يصرعها يأسٌ مرةً فتصرعه في مبارزة دائرية لا تنتهي. "داخلَ المخيّم مخيّمٌ آخر"، كما تقول إيتيل عدنان في قصيدتها، "جنين"، و"أسلحةُ القتلِ باردةٌ أكثر من الهواء المحيط بها، تؤلم ولا تُخيف". فإذا كانت الآلة لهم فالهواء المحيط بها كله لأبناء جنين!
*من أغنية "جنين" للفنان الفرعي – 2022
**للاطلاع، كتاب توثيقي عن معركة مخيم جنين في 2003 (بالفرنسية) Avril à Jenine, éditions La Découverte Paris, 2004
https://www.editionsladecouverte.fr/avril_a_jenine-9782707138729