يُمثِّل الخامس من شهر ذي الحجة من كل عام مناسبةً شعبية في اليمن، تُطلق عليه المحكية مصطلح "مَقْسِم الخَمْسَيْن"، كونه يقسم الأيام العشر الأولى من هذا الشهر الهجري إلى قسمين، في كل قسمٍ خمسة أيام، خاتمة الأول منهما يوم "مَقْسِم الخَمْسَيْن"، وخاتمة القسم الثاني يوم "عيد الأضحى"، وكلتا الخاتمتين مُتّحدتان في الإحالة على معنى السعادة والفرحة.
بين "الأضحى" و"عَرَفَةْ"
تختلف العربية الفصحى والمحكية اليمنية في صيغة تسمية هذا العيد، لاختلاف السياقات التي تستند إليها التسميتان: الأولى التسمية الفصحى "عيد الأضحى"، المتَّكِئَة على عملية ذَبْح المسلمين لأضاحيهم في صباح اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، آخذةً بعين الاعتبار ما تُمثّله هذه العملية من خطوةٍ إجرائية أولى في ممارستهم لطاعتهم الدينية، وفي تعبير الحجّاج عن سعادتهم بانتهائهم من تأدية مناسك الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي، "فريضة الحجّ". والتّسْمِية الثانية هي تسمية المحكية اليمنية "عيد عَرَفَة"، المتّكِئة على مشهد الحُجّاج في اليوم التاسع من الشهر نفسه، وهم يختتمون مناسكهم بالوقوف في جبل "عَرَفَةْ".
عيد اليمنيين مختصَراً باللحم وكسوة الأولاد
14-07-2022
كذلك، قد تُطلق المحكية اليمنية – وسواها، بشكل شائع للغاية - على هذا العيد، تسمية "العيد الكبير"، للتمييز بينه وبين "عيد الفِطْر/ العيد الصغير"، الذي يسمى أحياناً "عيد رمضان"، في إحالة للعبادة التي أرست تشريع هذا العيد تعبيراً عن الشكر والسعادة بإتمام فريضة "الصوم".
اعتقادُ البركة والسعادة
يسود في اليمن اعتقادٌ شعبي في أن يوم الخامس من شهر ذي الحجة مرتبط بالخير والبركة والسعادة، لتموضعه في الحيز الزمني للأيام العشر المباركة من هذا الشهر، وهي الأيام التي كثيراً ما تواترت فضائلها في أسانيد المرويات الدينية. لذلك، فقد كان يوم "مَقْسِم الخَمْسَيْن" في الثقافة الشعبية اليمنية افتتاحيّة استباقيّة لطقوس العيد، سيما في اعتماد كثيرٍ من اليمنيين لهذا اليوم موعداً لتحقيق إنجازات مهمة في حياتهم العامة، كأن تكون اجتماعات تفضي إلى البتّ في أمرٍ ما، أو التوافق على حل مشكلاتٍ شائكة. أو تكون هذه الإنجازات متعلقة بحياة الفرد الخاصة، كأن يتقدم الشاب في هذا اليوم لطلب يد فتاة يرغب في الزواج منها، أو يُجري فيه مراسيم خطوبته أو عقد قرانه، تداعياً مع نسق الاعتقاد الاجتماعي الراسخ في الثقافة الشعبية، الذي يرى أنّ مَن يكون هذا اليوم يومَ عُرسه، لن تفارقه السعادة في حياته القادمة، ولن ينقطع عنه الرزق الوفير، وسَيُرْزَقُ بذريّةٍ صالحة، وستكون حياته الزوجية خاليةً من المشكلات والمنغصات!
امتدادٌ زمني، و"جَدْوى"
مع مرور الزمن، وبتأثيرِ عددٍ من العوامل والمتغيرات الحياتية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دخلت على هذا اليوم وعلى الاعتقاد السائد فيه كثيرٌ من التطورات والاعتبارات، أهمُّها أنه تجاوَزَ يومَ الخامس من ذي الحجة، شاملاً الأيام الآتية بعده بما في ذلك يوم العيد نفسه، بل وأيام أسبوع العيد كلها، كما قد يصل شموله لأكثر من أيامٍ عشر تالية للعيد، إذ يكون كل يوم من أيام فترة امتداده الزمني ـــ التي يمكن أن تصل حتى إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ـــ يوماً مناسِباً لأن تُقام فيه حفلات الأعراس، مع غلبةٍ واضحة لحُظوَة ليلة العيد بقدر كبير منها.
لغة "المَشَاقِر" في اليمن
03-11-2022
كما يظهر نوعٌ من التفاوت في المدى الذي تصل إليه تكاليف مناسبة العرس، باختلاف تاريخ كل يومٍ من أيام فترة هذا الامتداد الزمني. فبدءً من اليوم الخامس من الشهر حتى اليوم الثامن، يغلب على مناسبة العرس أن تكون مرتفعة التكلفة، وهو ما لا تجهله أسرة صاحب المناسبة، فهي لا تعلن عن إقامة حفل الزفاف في هذه المساحة الزمنية، إلا وهي على أهبّة الاستعداد المالي، مع رغبتُها في إقامة عُرْسٍ كثير الضيوف، متعدد المظاهر الاحتفالية. أمّا في حال ما تكون رغبةُ الأسرة في أن تمر المناسبةُ مروراً هادئاً محدودَ التكلفة والضيوف والأعباء، فإن لا صعوبة أمامها في تحقيق ذلك، شريطة أن تُقرّ إقامة المناسبة في واحدٍ من الأيام التي تبدأ من اليوم التاسع، مروراً باليوم العاشر، "يوم العيد"، ومن ثم الأيام التالية له.
يعتمد اليمنيون هذا اليوم موعداً لتحقيق إنجازات مهمة في حياتهم العامة، كأن تكون اجتماعات تفضي إلى البتّ في أمرٍ ما، أو التوافق على حل مشكلاتٍ شائكة. أو تكون هذه الإنجازات متعلقة بحياة الفرد الخاصة، كأن يتقدم الشاب في هذا اليوم لطلب يد فتاة يرغب في الزواج منها، أو يُجري فيه مراسيم خطوبته أو عقد قرانه.
مع مرور الزمن، وبتأثيرِ عددٍ من العوامل والمتغيرات الحياتية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دخلت على هذا اليوم وعلى الاعتقاد السائد فيه كثيرٌ من التطورات والاعتبارات، أهمُّها أنه تجاوَزَ يومَ الخامس من ذي الحجة، شاملاً الأيام الآتية بعده بما في ذلك يوم العيد نفسه، بل وأيام أسبوع العيد كلها، كما قد يصل شموله لأكثر من أيامٍ عشر تالية للعيد
لقد سار الوعي الاجتماعي المتنامي في خطى زمنية متتابعة، ومع كل خطوة كانت تنمو مساحة انحسار الهالة الاعتقادية في "مَقْسِم الخَمْسَيْن"، فينمو بذلك التوجه الاجتماعي نحو استثمار جدوى هذا اليوم الاقتصادية، التي يكتسبها من تزامنه مع أيام "عيد الأضحى" وأبعادها الدينية. ولوفْرة لحوم الأضاحي في كل منزل، فإن موائد أعراس العيد ليس فيها ما يغري بالتداعي إليها.
وفي سياق ذلك أيضاً لا يتداعى الضيوف إلى احتفالات الزواج المتزامنة مع أيام العيد، مستفيدين من هامش الضِمْنِيّة التي يقوم عليها زمن المناسبة، وما تحيل عليه من رغبةِ أسرة العُرْس في محدودية تكاليف المناسبة وضيوفها، سيما أولئك الذين يعملون في مناطق بعيدة عن أماكن إقامتهم، الذين تأتيهم إجازةُ العيد هديةً قيّمة، ليس من السهل عليهم تبديد أيامها، إلّا فيما لو كانت المناسبة مما لا مناص من مشاركتهم فيها، كأن تكون لمن تجمعهم بهم صلةُ قرابة، أو تكون لأحدٍ من أصدقائهم ذوي الحميمية والمعَزّة الخاصة لديهم.