تقول الصورة المقرّبة رقم 2: هذه الـ "كافيهات" هي ملمح اجتماعي وترفيهي توفره المدينة المغلوبة على بهجتها بديلاً انثروبولوجياً عن تاريخها الطويل المرتبط بالإمتاع والسمر والطرب والانفتاح، كمدينة ساحلية ذات تنوع ثقافي وجغرافيات متعددة وأرشيف لا حصر له من الجدل العقلاني والافتتان بالحوار والحكي وفن القص و "القصَّخونيات" (الحكواتي). ولا عجب أن يعدّها البعض عاصمة للسرد التراثي العربي.
تقول الصورة رقم 3: هذه التفجيرات هي امتداد لجولات السيطرة السياسية الجارية بين الأحزاب والكيانات الحاكمة والمتنفذة في البصرة.
هذه مدينة خائفة، اعتادت أن يغلب فيها المخيف، ويصبح التخويف بطاقة انتخابية هائلة الحجم مفروشة على عرض المدينة، من تمثال العامل والمطرقة إلى تمثال الفراهيدي، إلى تمثال السندباد وحورياته الذي لم يبقَ منه إلا ظلّه، لا دامَ ظلّه. السندباد لا يحب أن يرى ظله، لأنه مغامر ويترك ظله يلهث خلفه، حتى حورياته لا يطلبن منه أن يفخِّخ نفسه من أجلهن، عليه الإصغاء إلى أغانيهن فحسب!
من النخلة البرْحيّة إلى البَلَم (الزورق) العشّاري. من جملة افتتاحية في قصة لمحمد خضير إلى "موتيفة" (مقطع) مموسقة في قصيدة لمحمود البريكان.
من مساجد المسلمين إلى كنائس المسيحيين، من معابد الصابئة إلى محرقة الهندوس في جنوب شرق البصرة.
لأنها ليست مدينة: البصرة قارّة، سبع جغرافيات والحظّ ضايع!
تظهر جولات السيطرة المخيفة حينما يعلو الاحتجاج الشعبي ويسخر من أدهى الدعايات العقائدية العاطفية، حينما يرى أمراء الطوائف - بالراء التي تظهر كواو - بأن مواعظ الثعلب المتدين والهبات والأعطيات لن تشكل فارقاً في السخط المدني العام، تظهر.. حينما تتعبهم الحيَل، حينما "في أعالي نصب الحرية تسقط أمانيهم"، مع الاعتذار من الخال جلجامش!
لذلك يظهر الأمر بالمعروف لمراعاة الظروف، والنهي عن المنكر ليسوء الحال أكثر..