من زاوية موضوعية
يرى مختصون وباحثون في المجال الاقتصادي أن غياب إرادة سياسية حقيقية لتطوير السياحة بالجزائر وجعلها أكثر انفتاحا على العالم الخارجي، قد جعل من المؤهلات السياحية الطبيعية التي يتمتع بها أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة الجغرافية، غير مستغلّة بلْ ومنسية في الكثير من المناطق التي تحظى بغطاء غابيّ، وعلى الشريط الساحلي، وفي مواقع أثرية بغاية الأهمية. غياب منشآت فندقية وسياحية في العديد من ولايات الجزائر، وخاصة في المدن الساحلية، جعل الكثير من الجزائريين أنفسهم يفضلون قضاء عطلة الصيف خارج بلادهم، بتونس مثلاً، التي يتمتّع القطاع السياحي فيها بالعصرنة والتطوّر، ويستقطب السيّاح. بينما يمتد شريط الجزائر الساحلي على مسافة 1200 كيلومتر وتتوفر البلاد على صحراء شاسعة كما تقع هذا عدا المناطق الجبلية والغابيّة.
آبار النفط تؤخّر قطار السياحة
مع أنه يوجد في عواصم الوسط والشرق والغرب الجزائري عدد معقول من المنشآت السياحية، لكن الكثير من الجزائريين يتساءلون عن عجز سلطات بلادهم في الدفع بالسياحة لتكون في مستوى السياحة الموجودة على الأقل في دول الجوار. وتقطع عائلات جزائرية تقطن بالجنوب الجزائري في مدن مثل بشار وورقلة وأدار.. المئات من الكيلومترات للوصول إلى المدن الشمالية، كالجزائر العاصمة ووهران ومستغانم وعين تموشنت وعنابة وجيجل، حيث شواطئ مفتوحة للسيّاح، لأنهم لا يجدون إلا سماسرة يؤجّرون لهم بيوتاً لقضاء وقت من العطلة الصيفية مقابل مبلغ قد يصل بإحدى بلدات الولايات الساحلية إلى 6000 دينار جزائري لليلة الواحدة - وهو المبلغ الذي يمكن أن يدفعه أي جزائري لقضاء ليلة بفندق أربع نجوم بتونس.
وتبدو السلطات عاجزة عن مواجهة الفوضى التي يعرفها القطاع، والتأخر الذي يشهده منذ عقد من الزمن. إذ، وعلى الرغم من إطلاق وزارة السياحة ـ وقد تمّ إلحاقها أكثر من مرة بوزارات أخرى في التعديلات الحكومية - المشاريع والبرامج التنموية للنهوض بالسياحة إلا أنّ ما تحقق يبقى ضئيلاً للغاية وبعيداً عن التطلعات وعما تنشده الدولة، وخاصة في هذا الوقت الصعب على الصعيد الاقتصادي، إذ كشفت تقارير رسمية ودولية أن الجزائر تفقد نصف مداخيلها المالية جراء انخفاض سعر المحروقات.
وقد أوصت تلك المؤسسات والهيئات الحكومة الجزائرية بتبني سياسة اقتصادية قائمة على "إصلاحات عميقة"، قد تجعل الحكومة تنسحب تدريجياً من سياسة الدعم الاجتماعي التي تنتهجها السلطات منذ الاستقلال، وكانت ممكنة نظراً لارتفاع سعر الذهب الأسود. الأمر الذي يبدو معه وكأن الحكومة تشتري السلم الاجتماعي. وقد عزّز هذه الوجهة عودة الاستقرار الأمني للبلاد بعد العشرية الدامية في التسعينات، بتركتها الثقيلة من الخسائر البشرية والمادية.
إعادة نظر
تهرول الآن الحكومة إلى الاستثمار في السياحة مبقية على سياسات يتحفظ عليها اقتصاديون في هذا المجال مثل قاعدة 51/49 في المئة أي الاحتفاظ بالأغلبية في الأسهم ملكاً للدولة بمقابل المستثمرين، بينما قد يتطلب تطوير القطاع انفتاحاً أكبر. وما زالت السياحة تساهم بشكل ضئيل للغاية في الناتج المحلي إذ لا تتعدى نسبة المساهمة حدود الـ 0.2 في المئة .
ورغم لغة التفاؤل التي تخاطب بها الحكومة الرأي العام بخصوص الاتجاه إلى القطاع السياحي والصناعي والزراعي كبديل حقيقي للمحروقات، وإبراز آفاق مستقبلية لخارطة المنشآت السياحية التي يتوقع أن يرتفع عددها بالمدن الكبرى كالعاصمة ووهران ثم قسطنطينة، التي مكّن اعتمادها "عاصمة للثقافة العربية" من إنجاز فنادق فيها تمتلك ميزات نوعية من الخدمات، إلا أنّ المشاكل التي تواجه السياحة بالجزائر لا تتوقف عند شحّ المرافق فقط، بل يصل الأمر إلى غياب الثقافة السياحية.
وقد دافع نواب ومنتخبون عن توسيع صلاحيات الولاة - المحافظون بالولايات - في مجال إدارة ملفات الاستثمار السياحي المودعة في مكاتبهم، إذ وصل الأمر إلى نفور عدد من المستثمرين وتخليهم عن الاستثمار بالجزائر وفي قطاع السياحة بالتحديد، لما كانت تفرضه الإدارة الوصية والوزارة من شروط رآها البعض تعجيزية.
استجابت الحكومة بشكل رسمي لهذه المطالب بعد صدمة انخفاض سعر المحروقات، وشددت على ضرورة أن يتيح المسؤولون الجزائريون على المستوى المحلي كافة الفرص للمستثمرين.. حدث هذا بعد سنوات كان هؤلاء، من جزائريين وأجانب على السواء، يعانون من بيروقراطية شديدة، قاتلة للتنمية وللاقتصاد الوطني.