"الألتراس" في مصر: سنوات من تنكيل السلطة بهم

"اضرب في غاز.. اضرب رصاص.. جيلنا من الموت.. مبقاش بيخاف خلاص" و"في كل مكان في بلادي سامع صوت شهيد.. بحياته بيكتب غنوة للفجر الجديد.. حرية وجوا بلادنا مش هنعيش عبيد"..
2023-06-03

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
| en
تضامن جماهير الرجاء المغربي مع ضحايا "مذبحة بورسعيد"

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

من مدرَّجات ملعب استاد القاهرة، نفذت مجموعة "ألتراس أهلاوي" لوحة فنية تحت عنوان "الكرة للجماهير". قبيل انطلاق المباراة النهائية لبطولة كأس الاتحاد الافريقي في عام 2014، وجهت الجماهير رسالتها هذه إلى السلطات بلغات متعددة، ورفعت لافتة ضخمة مكتوب عليها "بكل لغات العالم.. يمكن تفهموا.. الكرة للجماهير".

برزت مجموعات الألتراس في مصر منذ عام 2007 كظاهرة لديها القدرة على التنظيم الجماعي، وقد أثار ظهورها انتباه الدولة والمجتمع، كونها روابط جماعية منظمة تتبنى تقاليد خاصة في تشجيع كرة القدم. قبل هذا العام، كان التشجيع التقليدي هو المسيطر على المشهد في المدرجات حتى جاءت هذه الحركات المتسمة بالتمرد لتقدم ثقافة جديدة وترسِّخ قاعدة أن الانتماء لا يكون إلا للكيان فقط.

أما عن الروايات بشأن أصول نشأة جماعات الألتراس في بلداننا، فقد تأسست في ليبيا (1)  عام 1989 مجموعة "ألتراس دراغون" لمؤازرة "نادي الاتحاد الليبي"، ولكنها لم تصمد في مواجهة قمع السلطات لأكثر من أسبوعين إلى أن تمّ حلّها وزُجَّ بأعضائها في السجون. وكان أقرب حضور بعد القضاء على هذه التجربة هو في تونس عام 1995 حينما تشكلت رابطة تشجيع النادي الإفريقي المعروفة باسم "أفريكان وينرز" ثم لحقتها مجموعات أخرى خرجت من الأحياء الفقيرة... ومذاك امتدت الفكرة إلى بقية بلدان المنطقة.

ظهور لأول مرة في ملاعب القاهرة

كان من الطبيعي أن تصل هذه الظاهرة إلى مصر نظراً لما تمثّله كرة القدم من أهمية بالغة عند الجماهير العاشقة للعبة الشعبية الأولى. جاءت فكرة تأسيس الروابط على طريقة الألتراس العالمي لتبدأ بمجموعتين وهما "ألتراس أهلاوي" و"ألتراس وايت نايتس"، لمساندة أقدم وأكثر الأندية شعبية على الساحة الرياضية وهما الأهلي والزمالك أو ما يطلق عليهما "قطبا الكرة المصرية" اللذان يقوم بين جمهوريهما "صراع" قديم. يتفوق الأهلي بلا شك على الزمالك في حصد الألقاب، بالإضافة إلى امتلاكه قاعدة جماهيرية أكبر. وعندما يتعلق الأمر بمباراة تجمع بين الفريقين، فلا مجال هنا للحياد! إنه "ديربي القاهرة" الذي يضع أهل البيت الواحد في مواجهة بين بعضهم البعض حيث ينقسم الولاء بين "الأحمر" و"الأبيض".

ضمت المجموعتان أعداداً قليلة في البداية، لكنها سريعاً ما اتسعت واتخذت من مدرجات الدرجة الثالثة مقراً لها. تأسست أول مجموعة ألتراس مصرية بشكل رسمي في شهر آذار/ مارس من العام 2007، وهي مجموعة "وايت نايتس" لمساندة نادي الزمالك ويرمز لها بـ(UWK07) ومكانها المدرج الأيمن. ثم لحقتها بعد شهر واحد رابطة ألتراس أهلاوي (UA07)، ومكانها الجانب الأيسر من المدرج.

سرعان ما تأسست بعد ذلك روابط مماثلة لتشجيع أندية شعبية أخرى خارج العاصمة، كمجموعة "غرين ماجيك" التي تشجع "نادي الإتحاد السكندري"، و"غرين إيجلز" المشجعة لـ"نادي المصري البورسعيدي"، و"اليلو دراغونز" لـ"النادي الإسماعيلي"، نسبة إلى المدن التي يأتي منها كل فريق.

وسبق اجتياح هذا النوع مدرجات الملاعب الرياضية، وجود مجموعات معترف بها من قبل الأندية حاولت تغيير شكل التشجيع، كـ"رابطة مشجعي النادي الأهلي" (AFC) وقبلها "رابطة محبي النادي الأهلي" (ALU) صاحبة فكرة أكبر لافتة حملت شعار النادي، رفعتها الجماهير في المدرجات المصرية لأول مرة عام 2001 خلال مباراة جمعت فريق الأهلي بفريق نادي ريال مدريد الإسباني في القاهرة. وكانت هنالك أيضاً "رابطة اتحاد محبي نادي الزمالك" (ZLU)، ورابطة محبي ومشجعي "نادي غزل المحلة".

مقاطع فيديو لدخلات الألتراس

دخلة لألتراس "وايت نايتس" في مئوية نادي الزمالك

تيفو لألتراس أهلاوي تحت شعار "الكرة للجماهير، بكل لغات العالم"

من مباراة الأهلي والصفاقسي التونسي 2014

من مباراة الزمالك والافريقي

دخلة بعنوان "إعدام المشير" من مباراة الأهلي و"توسكر" الكيني

تتكون جماهير حركات الألتراس من الذكور فقط، بحكم التنميط المجتمعي. وعلى الرغم من أن معظم الأفراد المنتمين إلى هذه المجموعات ينحدرون من مناطق شعبية فقيرة، إلا أنه من الصعب القول بأنها تمتلك طابعاً طبقياً بعينه، فهي تحتوي على أعضاء من خلفيات اجتماعية متنوعة.

من المدرج إلى ميدان التحرير

"الكورة لما جينا كانت كذب وكانت خداع".. هكذا تعبر أغنية "حكايتنا" من إصدار مجموعة "ألتراس أهلاوي" عقب مذبحة بورسعيد الدامية التي توقف بعدها النشاط الرياضي لفترة. والأهزوجة تروي الصراع بين الألتراس والسلطة، وتؤكد على رفض استغلال السلطة لكرة القدم بهدف تزييف الوعي العام. كان هذا الإنتاج معبِّراً أيضاً عن حالة القمع التي مارستها السلطة ضد جمهور المدرجات وصولاً إلى تدبير أبشع كارثة في تاريخ الرياضة المصرية للانتقام من المشجعين، وكان مسرحها ملعب "استاد بورسعيد" حيث أقيمت مباراة في بطولة الدوري المحلي بين فريقي "الأهلي" و"المصري البورسعيدي" في الأول من شباط/فبراير 2012. وعقب انتهاء المباراة، اقتحمت الجماهير المتواجدة في مدرجات "النادي المصري" أرض الملعب، واندفعت نحو مدرجات جمهور الأهلي في الجهة المقابلة، مما أدى إلى وقوع اشتباكات بالأسلحة البيضاء، راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي وفقاً للأرقام الرسمية، دون أي تدخل يُذكر من قوات الأمن الحاضرة لتأمين المباراة، والتي قامت بغلق أبواب الخروج أمام جمهور الأهلي، وهو ما تسبب بالتدافع الشديد وسقوط المزيد من الضحايا.

المنتج الفني للألتراس، والذي تضاعف عقب وقوع المذبحة، لم يكتسح المدرجات فقط، بل تجاوز حدود الملاعب، وقد تم استخدامه للتعبير عن الغضب المناهض للسلطة في ميادين الثورة المصرية. وهم هنا كما في المدرج يرددون الهتافات الحماسية على وقع آلة "الطرومبيطة" . (2)

تتكون جماهير حركات الألتراس من الذكور فقط، بحكم التنميط المجتمعي. وعلى الرغم من أن معظم الأفراد المنتمين إلى هذه المجموعات ينحدرون من مناطق شعبية فقيرة، إلا أنه من الصعب القول بأنها تمتلك طابعاً طبقياً بعينه، فهي تحتوي على أعضاء من خلفيات اجتماعية متنوعة.

وقد امتد تأثير هذا المنتج إلى ساحات أخرى، كما انتشرت الأغاني على نطاق واسع ووصل صداها إلى العالم.

"اقتل في الثورة كمان

كلمة حر ليك جنان

مهما يزيد بطش السجّان

قدام صوتي يكون جبان.."

وهذه من أبرز مقاطع أغنية "حكايتنا"، وقد عبرت كلماتها الحدود لتصدح في سماء العاصمة اللبنانية بيروت. ردد المحتجون كلمات الأغنية في ساحات انتفاضة تشرين/اكتوبر 2019، مما يعكس قدرة الخطاب الاحتجاجي على التأثير بقوة، إذ يصوِّر رداءة الواقع الاجتماعي والسياسي، وما ارتكبته قوى الثورة المضادة أثناء محاولة خنق صوت الناس الذين وجدوا في ملاعب كرة القدم فرصة للتعبير عن الاحتجاج بأشكال إبداعية.

وفي خضم الصراع معها، فرضت السلطات حظراً على هذه الروابط ومنعتها من الحضور في المدرجات، وصدر في عام 2017 قانون الرياضة الجديد رقم 71 متضمناً حظر تأسيس روابط تشجيع رياضية. وقد سبق ذلك إصدار أحكام قضائية تعتبر تلك المجموعات كجماعات إرهابية محظورة. وفي أيار/مايو عام 2015، أعلنت محكمة الأمور المستعجلة روابط التشجيع تنظيمات إرهابية وقضت بحظر نشاطها. انتهى الأمر إلى ذلك بعد سلسلة من الممارسات القمعية واعتقال الأفراد المنتمين إلى هذه الروابط التي أعلنت بعضها مؤخراً عن حل نفسها وإيقاف نشاطها.

بالعودة إلى بدايات ظهور مجموعات الألتراس في الملاعب، فقد أرادت أجهزة الأمن المصرية السيطرة عليهم منذ اللحظة الأولى، وتعامل معهم جهاز الشرطة بعدوانية صاحَبها هجوم عنيف من الإعلام الذي كان شريكاً رئيسياً للسلطة في التحريض.

ورداً على ذلك، تحولت مدرجات الملاعب إلى أماكن للاحتجاج ولتحدي السلطة المصرية بالأغنيات والشعارات، وكان أبرزها الشعار الشهير المناهض لممارسات وزارة الداخلية، وهو "A.C.A.B " (اختصار بالانجليزية وبالأحرف الأولى لـ"كل رجال الشرطة أوغاد"). وكان من ضمن الممارسات الشرطية التفتيش المهين ومصادرة أدوات التشجيع قبل بداية المباريات، كما تعرض أفراد الروابط إلى الاعتقالات التعسفية.

ثلاث سنوات فصلت بين مجزرتي "بورسعيد" و"الدفاع الجوي"، الأكثر دموية في تاريخ الملاعب المصرية. الأولى خلفت 72 شهيداً من رابطة "ألتراس أهلاوي"، والثانية 20 شهيداً من رابطة "ألتراس وايت نايتس". بطريقة وحشية أرادت السلطات التخلص من حركة الألتراس

عبرت أبرز مقاطع أغنية "حكايتنا" الحدود لتصدح في سماء العاصمة اللبنانية بيروت. ردّدها المحتجون في ساحات انتفاضة تشرين/اكتوبر 2019، مما يعكس قدرة الخطاب الاحتجاجي على التأثير بقوة، إذ يصوِّر رداءة الواقع الاجتماعي والسياسي، وما ارتكبته قوى الثورة المضادة أثناء محاولة خنق صوت الناس الذين وجدوا في ملاعب كرة القدم فرصة للتعبير عن الاحتجاج بأشكال إبداعية. 

وكان ذلك مع أول ظهور لرابطة ألتراس أهلاوي في المدرجات، حيث واجهت اعتراض قوات الأمن على تعليق "البانر" الخاص بها خلال مباراة (13 نيسان/أبريل 2007) بين فريقي "الأهلي" و"إنبي" (3) . لكن الألتراس استطاعوا في النهاية تعليق "البانر" بعد مناوشات مع الأمن. أما بداية الاشتباكات العنيفة مع الشرطة فوقعت في عام 2010، عندما حاولت الشرطة منع دخول أدوات التشجيع في مباراة ودية بين "الأهلي" و"كفر الشيخ"، وألقي القبض حينها على سبعة من مشجعي النادي الأهلي.

"لفق لفق في القضية.. هي دي عادة الداخلية".. من أهازيج ألتراس أهلاوي المعبرة عن ممارسات وزارة الداخلية في تلفيق القضايا. وتوازيها كلمات رابطة "وايت نايتس" في التعبير عن هذه الملاحقات الأمنية "ضربتونا وحبستونا ولفقتولنا قضايا كتير".

قبل إندلاع انتفاضة "يناير 2011"، كان التضامن مع قضايا الشعوب حاضراً في مدرجات الألتراس. فقد دأبت الجماهير على رفع الراية الفلسطينية ومناصرة القضية بالشعارات والهتافات. وفي 22 كانون الثاني/يناير 2011، هتفت الجماهير الأهلاوية لتونس في ملعب "استاد المقاولون العرب" احتفالاً بالثورة التونسية، ورفعت العلم التونسي. المشهد نفسه في الصالة المغطاة لكرة السلة بنادي "الاتحاد السكندري" حيث تحدى جمهور نادي الاتحاد قوات الأمن بهتافات مدوّية تقول "تونس.. تونس.. تونس"، خلال مباراة بين الاتحاد السكندري ونادي الجزيرة.

"يا نظام غبي.. افهم بقى مطلبي.. حرية.. حرية"، مقطع من أبرز أغاني "ألتراس أهلاوي" بعنوان "حرية"، والتي رددها الثوار في ميدان التحرير.

انتقلت المواجهات من الملاعب إلى الميادين، وكانت ثورة يناير 2011 نقطة تحول حقيقية ولعبت مجموعات الألتراس دوراً رئيسياً في التظاهرات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، مستخدمين خبرتهم وأساليبهم في التعامل مع قوات الشرطة خلال الاشتباكات للدفاع عن ميدان التحرير، خاصة في "موقعة الجمل" الشهيرة، ولذلك أطلق عليهم "حماة الثورة". وسقط من بينهم شهداء في يوم جمعة الغضب، فكان منهم "أحمد كمال" عضو رابطة "ألتراس أهلاوي"، و"حسين طه" عضو رابطة "وايت نايتس". بعد تولي المجلس العسكري السلطة، كان شباب الألتراس من بين المحتجين الذين عادوا إلى الميادين للاعتراض على الحكم العسكري، وشاركوا بقوة في المواجهات الدامية مع وزارة الداخلية والشرطة العسكرية، لتستمر مسيرة التضحيات وتقديم الشهداء في هذه المعارك، ومنهم "شهاب الدين أحمد" عضو رابطة "وايت نايتس" الذي غُدِر به في أحداث "شارع محمد محمود"، و"محمد مصطفى" الشهير بـ"كاريكا" عضو رابطة "ألتراس أهلاوي"، والذي سقط في أحداث مجلس الوزراء برصاص الشرطة العسكرية.

"اضرب في غاز.. اضرب رصاص.. جيلنا من الموت.. مبقاش بيخاف خلاص" و"في كل مكان في بلادي سامع صوت شهيد.. بحياته بيكتب غنوة للفجر الجديد.. حرية وجوا بلادنا مش هنعيش عبيد".. هذه الكلمات رددها شباب الألتراس وهم يواجهون رصاص الأمن بشجاعة.

قبل إندلاع انتفاضة "يناير 2011"، كان التضامن مع قضايا الشعوب حاضراً في مدرجات الألتراس. فقد دأبت الجماهير على رفع الراية الفلسطينية ومناصرة القضية بالشعارات والهتافات. وفي 22 كانون الثاني/يناير 2011، هتفت الجماهير الأهلاوية لتونس في ملعب "استاد المقاولون العرب" احتفالاً بالثورة التونسية، ورفعت العلم التونسي.

انتقلت المواجهات من الملاعب إلى الميادين، وكانت ثورة يناير 2011 نقطة تحول حقيقية حيث لعبت مجموعات الألتراس دوراً رئيسياً في التظاهرات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، مستخدمين خبرتهم وأساليبهم في التعامل مع قوات الشرطة خلال الاشتباكات للدفاع عن ميدان التحرير، خاصة في "موقعة الجمل" الشهيرة، ولذلك أطلق عليهم "حماة الثورة". وسقط من بينهم شهداء في يوم جمعة الغضب. 

حجم التأثير الذي تركته مجموعات الألتراس في نفوس المحتجين غير المنتمين لهم في ميادين الثورة، دفعهم إلى اتخاذ الشكل نفسه وكذلك الطرق الاحتجاجية لهذه الروابط من أغنيات وشعارات أخذت تتردد في التظاهرات. بل تشكلت مجموعات من "حركات الألتراس السياسية" تحاكي تلك الروابط الرياضية، كمجموعة "ألتراس ثورجي" التي تشكلت عقب ثورة يناير 2011 خلال فترة حكم المجلس العسكري بواسطة مجموعة من الشباب في ميدان التحرير. ومع حلول أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، لجأت الحملات الانتخابية إلى إدخال هذه الثقافة لدعم المرشحين الرئاسيين بإنشاء مجموعات ألتراس تحمل اسم المرشح. إلى أن ظهرت على الساحة حركات ألتراس سياسية جديدة ولكن بثوب إسلامي في هذه المرة وتنتمي إلى الإسلام السياسي في الفترة التي أعقبت رحيل الإخوان عن السلطة في عام 2013 حيث سارعت جماعة الإخوان إلى تكوينها بهدف تعبئة تظاهرات "ميدان رابعة العدوية"، ومنها "ألتراس ربعاوي". كما برزت في هذه الفترة فعاليات لحركة "أحرار" صاحبة التوجهات الإسلامية، والتي ينتمي معظم أعضائها وقيادتها إلى رابطة "وايت نايتس".

"إعلامهم يومها قال عودة الجمهور.. جمعوا الرجال مجاناً الدخول.. وأخيراً راجعين، أتاريه كان كمين" (من أغنية "صرخة العشرين" لرابطة "وايت نايتس" عقب مجزرة الدفاع الجوي): في العام 2015، وضعت السلطات أقفاص من الأسلاك الحديدية عند مداخل ملعب استاد الدفاع الجوي، وجهزت لجمهور الزمالك ممرات الموت التي شهدت إطلاق الداخلية الغازات المسيلة للدموع والأعيرة النارية، مما تسبب في تعرض المشجعين إلى الاختناق والموت. بعض من أعضاء رابطة "وايت نايتس" الذين ألقي القبض عليهم عقب الأحداث مباشرة، وجهت لهم تهم تتعلق بالتورط في المذبحة، وقتل زملائهم، بدلاً من محاسبة الجاني الحقيقي.

ثلاث سنوات فصلت بين مجزرتي "بورسعيد" و"الدفاع الجوي"، الأكثر دموية في تاريخ الملاعب المصرية. الأولى خلفت 72 شهيداً من رابطة "ألتراس أهلاوي"، والثانية 20 شهيداً من رابطة "ألتراس وايت نايتس". بطريقة وحشية أرادت السلطات التخلص من حركة الألتراس التي لطالما كانت بمثابة كابوس يؤرق الدولة المصرية، ولا يتوانى عن مواجهتها والهتاف ضدها، حتى ولو كان ذلك الهتاف ضد رأس السلطة العسكرية في المدرجات: "الشعب يريد إعدام المشير"، ويُذكِّرها دوماً بالماضي الأليم "مش ناسيين التحرير".

مُشَجِّع.. "مش نَزِيل"

"اسمي مشجع مش نزيل.. للحرية مفيش بديل"، هي أغنية لرابطة "وايت نايتس"، أطلقت من خلالها صرخة للإفراج عن الجمهور، وجاء فيها: "الحرية للمدرج.. الحرية للجماهير". وأُهديَت إلى كل مشجع سجين داخل مصر أو خارجها، كما أهدتها الرابطة إلى أرواح الشهداء، ونشرت هذه الكلمات في بيان رافق الأغنية على موقع فيسبوك: "إلى شهدائنا، الذين يُحاكِمون أخواننا بتهمة قتلهم..".

من بين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية في هذه القضية، هو "سيد مشاغب" القائد بالرابطة وأحد المشاركين في تأسيسها، وقد صدر ضده حكم بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات. ومنذ اعتقال "مشاغب" إلى الآن، وهو يعيش ظروفاً قاسية داخل محبسه دفعته أكثر من مرة إلى الإضراب عن الطعام.

تشكّل "ألتراس ثورجي" خلال فترة حكم المجلس العسكري بواسطة مجموعة من الشباب في ميدان التحرير. ومع حلول أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، لجأت الحملات الانتخابية إلى إنشاء مجموعات ألتراس تحمل اسم المرشح، إلى أن ظهرت على الساحة حركات ألتراس سياسية جديدة ولكن تنتمي إلى الإسلام السياسي، ومنها "ألتراس ربعاوي" بمناسبة الاعتصام في "ميدان رابعة".

صدر في عام 2017 "قانون الرياضة الجديد" رقم 71 متضمناً حظر تأسيس روابط تشجيع رياضية. وقد سبق ذلك إصدار أحكام قضائية تعتبر تلك المجموعات إرهابية محظورة. انتهي الأمر الى سلسلة من الممارسات القمعية واعتقال الأفراد المنتمين إلى هذه الروابط التي أعلنت بعضها مؤخراً عن حل نفسها وإيقاف نشاطها. 

وتستمر الملاحقة وإلقاء القبض داخل المدرجات، في إصرار من النظام على قمع المشجعين حتى بعد إحكام قبضته بشكل غير مسبوق على الملاعب المصرية. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على عدد من جمهور "النادي الأهلي" داخل المدرج خلال مباراة جمعت بين فريقي "الأهلي" و"الرجاء" المغربي في "استاد القاهرة" في 22 نيسان/ أبريل 2023، بسبب الهتافات ضد "المرشدين"، في إشارة إلى المشجعين الذين يعاونون قوات الأمن. وبعد أن صدر قرار عن النيابة العامة بإخلاء سبيلهم، أقدمت نيابة أمن الدولة العليا على سجنهم على ذمة القضية رقم 708 حصر أمن دولة عليا، ووجهت لهم تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية.

#سيبوها_خاوية، هي حملة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجماهير المنادية بمقاطعة المدرجات، رداً على القمع الأمني في الملاعب. وقد تضامنت رابطة "ألتراس وايت نايتس" مع السجناء من جمهور الأهلي في بيان لها عبر صفحتها (4)، وطالبت فيه أيضاً بعدم حضور المباريات. وجاء في نص البيان: "نعلن تضامننا الكامل مع جماهير الأهلي وجميع الجماهير المصرية التي تتعرض لمثل هذه التصرفات، ونطالب جميع الجماهير الحرة وأصحاب الكرامة بمقاطعة حضور المباريات في ظل تلك الأجواء التي لا تضمن للمشجع أبسط حقوقه من كرامة وحرية داخل بلاده ومدرجات ناديه بينما يتم توفيرها لجميع الضيوف".

تأبين على الجدران

"الغرافيتي" أحد أشكال الفنون التي أتقنتها مجموعات الألتراس للتعبير عن الاحتجاج ولتأبين شهدائها. انتشرت الجداريات خاصة في "شارع محمد محمود"، تحمل صور الشهداء الذين سقطوا من الألتراس في أحداث الثورة وفي مذابح الغدر التي دبرتها السلطات. 

ثم انطلقت هذه الجداريات إلى بقية الميادين العامة والمحافظات. وبعدما قامت السلطات بإزالتها أكثر من مرة، أعاد الشباب رسمها، ودونوا عبارات تتحدى السلطة مثل "امسح كمان.. يا نظام جبان". كما أصدرت رابطة "ألتراس ديفلز" أغنية بعنوان "غرافيتي" رداً على إزالة الرسومات، من كلماتها "امسح جرافيتي.. شوه صورة.. كلاب الداخلية دايما مسعورة.. عشان رسوماتي دايماً فضحاكم.. عشان طايلاكم وطايلة اللي معاكم". وفي أغنية أخرى للرابطة بعنوان "المجد للشهداء"، ذكرت فيها "خالد عمر" رسام الغرافيتي، شهيد مجزة بورسعيد بكلمات: "الاسم كان خالد الرسام.. غرافيتي أبلغ من الكلام". 

جرافيتي للشهداء في شارع محمد محمود

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1  - بحسب كتاب "الألتراس"، تأليف: محمد جمال بشير (دار دون للنشر والتوزيع)، القاهرة، 2011.  
2  - آلة تستخدمها مجموعات الألتراس خلال التشجيع، وهي عبارة عن طبلة كبيرة، وتردَّد الأغاني على دقات "الطرومبيطة".    
3  - نادي رياضي مصري أنشئ عام 1985 وتملكه "الشركة الهندسية للصناعات البترولية والبتروكيماوية" (إنبي)    
4  - بيان لرابطة "وايت نايتس" عبر صفحتها على تويتر، 24 نيسان/ أبريل 2023
https://twitter.com/WHITEKNIGHTS07/status/1650504868216336388 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه