قراءة في الموازنة: الدعم والحماية الاجتماعية

الموازنة هي وثيقة اقتصادية وسياسية مهمة تعبر عن خطط وانحيازات الحكومة.و الدعم والحماية الاجتماعية في الموازنة هي إنفاق شديد الأهمية في بلد فيه على الأقل 30 مليون شخص تحت خط الفقر وفق أرقام الحكومة الرسمية، وبتقديرات المؤسسات الدولية وتحديدا البنك الدولي ممكن يكون ضعف الرقم.
2023-06-01

شارك

مكملين معاكم في القراءة المعتادة للموازنة العامة، واللي بنعملها كل سنة لأنه الموازنة زي ما بنقول دائما هي وثيقة اقتصادية وسياسية مهمة بتعبر عن خطط وانحيازات الحكومة.

- النهاردة حنتكلم عن الدعم والحماية الاجتماعية في الموازنة القادمة، طبعا الدعم والحماية الاجتماعية في الأوقات العادية هي إنفاق شديد الأهمية في بلد فيه على الأقل 30 مليون شخص تحت خط الفقر بأرقام الحكومة الرسمية، وبتقديرات المؤسسات الدولية تحديدا البنك الدولي ممكن يكون ضعف الرقم ده.

- لكن كمان الدعم والحماية الاجتماعية شيء في غاية الأهمية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، لأنه هو اللي بيساهم في التخفيف من حدة الأزمة دي على الفقراء اللي هما أكثر فئة بتتأثر بالأزمات الاقتصادية وتحديدا بالتضخم.

- إيه وضع الدعم في الموازنة الحالية؟ ليه الإنفاق على الدعم مهم؟ والأهم نشوف إيه من كل ده؟

**

إيه وضع الدعم والحماية الاجتماعية في الموازنة؟

- في الموازنة زاد الإنفاق على الدعم 101 مليار جنيه السنة دي، والرقم ده يبدو كبير جدا من على الوش، بس لأنه لما ندخل في التفاصيل في بقية البوست ونحلل الزيادة دي حنفهم هي حصلت إزاي ومين مستفيد منها.

- مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية وصلت لـ 529 مليار جنيه السنة دي بعد ما كانت السنة اللي فاتت في حدود 428 مليار، وبالتالي الزيادة المقدرة ليها هي 23.6% تقريبا، طبعا أقل من معدل التضخم على أساس سنوي اللي حاليا حوالي 39% لكن مش دي المشكلة.

- المشكلة هو لما نيجي نبص بتفصيل على بنود الدعم والحماية الاجتماعية دي، حنلاقي أنه مساهمة صناديق المعاشات حوالي 25.4% من الرقم ده يعني تقريبا حوالي 134 مليار جنيه.

- بالمناسبة في مشكلة في تصنيف الرقم ده على أنه دعم لأنه الموظفين دافعين نصيبهم في الصناديق دي والحكومة بتدفع نصيبها، وبالتالي تصنيفها تحت بند الدعم والمنح والمزايا مش دقيق أوي، طبعا هي بتعتبر مزايا اجتماعية لكنها مش دعم.

- حنلاقي كمان أنه دعم المواد البترولية زاد بشكل ضخم جدا السنة دي بسبب أسعار البترول، ومتوقع يكون في حدود 119 مليار.

- ده يخلي الباقي والموجه لدعم السلع التموينية حوالي 127.7 مليار جنيه، المفاجئة أنه الرقم ده أقل من الموازنة الحالية، في الموازنة الحالية دعم السلع التموينية حوالي 130 مليار جنيه، يعني الحكومة في ظل أزمة تضخم طاحنة زي دي قللت دعم السلع التموينية حوالي 2.3 مليار جنيه!!

- التقليل في دعم السلع التموينية جه على العكس منه زيادة في دعم المواد البترولية زاد من 58 مليار لـ 119 مليار السنة دي ، وفي دعم الصادرات من 6 مليار جنيه لـ 28 مليار جنيه.

- حصل زيادة في الإنفاق على برنامج تكافل وكرامة وغالبا ده جاي بعد توصيات صندوق النقد المتكررة في السنوات الأخيرة بزيادة الإنفاق عليه، وزاد الدعم الموجه لتكافل وكرامة من 22 مليار لـ 31 مليار يعني تقريبا حوالي 40% وده جه من زيادة عدد الأسر في البرنامج بشكل أساسي وزيادة المبالغ الشهرية وإن كانت الزيادات مش كبيرة لكنها مهمة ويجب البناء عليها.

- طبعا في شيء مهم لازم الناس تعرفه هو أنه الحكومة في السنوات الأخيرة وتحديدا من 2016 بتحاول دائما تقلل المبالغ الموجهة لدعم السلع التموينية في مقابل زيادة المبالغ المقدمة للدعم النقدي، وده في إطار خطة للتحول بشكل كامل للدعم النقدي بعد سنوات.

- طبعا ده نقاش كبير حوالين إيه الأكثر كفاءة وآلية الاستهداف إزاي في الدعم النقدي وعلاقه الدعم ده سنويا بمعدل التضخم المرتفع في حالة البلدان اللي زي مصر، لكن حتى بافتراض أنه الدعم النقدي أفضل زي ما الحكومة بتقول فهو محتاج إنفاق أكثر من كده بكثير.

- لو بصينا على إطار زمني أوسع شوية يعني 5 سنين مثلا، هنلاقي أنه دعم السلع التموينية كان في 2018 حوالي 87 مليار، ودلوقتي بعد كل اللي حصل في السنين اللي فاتت دي حيزيد ويبقى 127 مليار جنيه.

- في 2018 كان دعم السلع التموينية ده يساوي 5 مليار دولار تقريبا أو 2% من الناتج المحلي وقتها اللي كان تقريبا حوالي 249.7 مليار دولار، في 2023 دعم السلع التموينية = 127 مليار جنيه يعني 4.1 مليار دولار وحوالي 1% من الناتج المحلي المتوقع للسنة الجاية واللي المفترض يكون في حدود 410 مليار دولار.

- وبالتالي فعليا الحكومة بتقلل الدعم على العكس من الخطابات اللي بتقولها عن زيادة الدعم، عشان تشوف قد إيه الرقم ده قليل، قارن الـ 127 مليار بتوع دعم السلع التموينية دول بـ1.12 تريليون جنيه مخصصات الفوائد السنة دي، حتلاقي أنه دعم السلع التموينية 10% فقط من مخصصات الفوائد السنة دي.

**

ليه الإنفاق على الدعم مهم؟

- دعم السلع التموينية ورغيف الخبز مهم جدا بالنسبة للفقراء في مصر، بنشوف أهمية ده بشكل واضح في ظل الأزمة، الفقراء في مصر هما أكثر فئة حساسة للتغيرات دي.

- عبوة الزيت وكيلو الرز والخبز المدعم مهمين جدا للفقراء في ظل التضخم، وبتحمي البلد من آثار كارثية في المستقبل على صحة المصريين ناتجة عن سوء التغذية أو نقص التغذية وهي مشاكل بيعاني منها على الأقل 6 مليون مصري حاليا مصنفين تحت خط الفقر المدقع أو الجوع.

- وبيعاني منها الأطفال اللي مش بيلاقوا الغذاء الكافي والملائم وبيضطر الآباء لأنهم يستهلكوا أكثر في الغذاء الرخيص المضر جدا بالصحة زي الزيوت المهدرجة والدهون الرخيصة والكربوهيدرات اللي فائدتها الغذائية قليلة جدا.

- وبالتالي الإنفاق على الدعم السلعي دلوقتي بيقلل الإنفاق على معالجة الآثار الصحية الكارثية دي في المستقبل.

**

نشوف إيه من كل ده؟

- برامج الدعم محتاجة تطوير حقيقي عشان يحصل تحسين في استهداف الفقراء ورفع مستويات معيشتهم بخلق فرص عمل ليهم تحققلهم أجور جيدة، ويتقدملهم خدمات حقيقية من التعليم والصحة والمرافق، وبالتالي يقدروا مع الوقت يخرجوا برة دايرة الفقر، لكن سياسات الحكومة لسه بتدور حوالين طرق تقليدية ما بتساعدش في إنهاء الأزمة قد بس ما بتطول عمرها، خاصة وإنه اعتراف الحكومة بالفقراء لا يزال عند حاجز أقل من 700 جنيه واللي هو رقم غير واقعي أبدًا مع معدلات التضخم السنوية بتاعتنا.

- المشكلة الرئيسية عندنا هي إنه طريق الإصلاح الاقتصادي اللي أخدناه نتائجه مش كويسة أو "سياسة التقشف" اللي بتشوف الدعم عبء وكل مواطن يتصرف، وده واضح في خطابات السلطة بما فيهم رئيس الجمهورية اللي قال في أكثر مناسبة عبارات زي "هتقولي أنا فقير ومعيش، وأنا كمان كدولة فقير ومعيش" أو أنه "مش المفروض انك تخلف والدولة تتحمل مسؤولية الأولاد اللي بتخلفهم".

- خطاب إن الفقراء كسالى والدعم دلع ده غير منطقي، لأنه عدم وجود تعليم وثقافة اتقان العمل أو رقابة حقوق المستهلك والجودة كلها مسؤوليات الدولة برضه، ولأنه فعلياً الناس بتشتغل شغلانتين وتلاتة وبنشوف طوابير عمال التراحيل أو عدد عاملات المنازل، وكتير من المهن الشاقة، وعشان تقضي على القصص دي محتاجين نكرر كلامنا عن الاستثمار في التعليم والصحة.

- السلطة اللي عاوزة تغير حال الفقراء بشكل مستدام أول خطوة ليها هيا الالتزام بالنسب اللي حددها الدستور للإنفاق على التعليم والصحة وفي الإطار ده يتم تطوير الاقتصاد، ونوعية سوق العمل، وتحسين سياسات التعليم وإعادة هيكلتها بجد لتقديم خريجين مؤهلين لسوق عمل جاهز لاستقبالهم.

- للأسف زي باقي القضايا التانية مفيش حوار تم فتحه في موضوع مهم زي الموازنة والدعم ده مع الأحزاب أو النقابات أو الاتحادات والجمعيات أو المجالس المحلية، فضلاً عن إننا اصلاً معندناش مجالس محلية منتخبة، والبرلمان كلنا عارفين إزاي الدولة تدخلت في انتخاباته، خطوة رئيسية لأي تعديل اقتصادي هوا المشهد السياسي العام ده اللي فيه السياسيين بيعرفوا فضل وجودهم يرجع للناس ولا للأجهزة الأمنية.

- نتمنى في الحوار الوطني اللي شغال دلوقتي يتم نقاش المشكلات اللي زي دي وندور بشكل جماعي على حلول لتقليل أثر الأزمة دي على الفقراء وضمان أنه مستقبل الناس يكون في شيء يستحق العيش من أجله مش فقط نخرج من أزمة نخش في التانية.

***

-البوست الأول من قراءة الموازنة لهذا العام:
**قراءة في الموازنة القادمة.. 1- ملامح الموازنة**
https://www.facebook.com/almawkef.almasry/posts/570318631880289

-البوست الثاني من قراءة الموازنة لهذا العام:
**قراءة في الموازنة القادمة.. 2- كيف أكلتنا الديون؟**
https://www.facebook.com/almawkef.almasry/posts/571260535119432 

-البوست الثالث من قراءة الموازنة لهذا العام:
**قراءة في الموازنة الجديدة.. 3- التعليم والصحة**
https://www.facebook.com/almawkef.almasry/posts/574512158127603

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...