بيان اللقْلق

في كل ليلة خميس يحط اللقْلق الكبير على بيت الرسامة. نحن كضوضاء العذاب لكل أهل المحلة، كنا مصدر قلق اللقلق والرسامة، لا نتركه يهنأ في استراحته ولا ينام متوكئاً على ساقه في عشه الكبير، الكبير الكبير.
2016-08-17

مرتضى كزار

رسّام وسينمائي من العراق


شارك

في كل ليلة خميس يحط اللقْلق الكبير على بيت الرسامة. نحن كضوضاء العذاب لكل أهل المحلة، كنا مصدر قلق اللقلق والرسامة، لا نتركه يهنأ في استراحته ولا ينام متوكئاً على ساقه في عشه الكبير، الكبير الكبير.
يقولون بأن عشه واسع لهذه الدرجة لأنه يجلب الأطفال الرضّع من السماء ويرقد في عش بيت الرسامة كمحطة استراحة قبل توزيعهم على العوائل، ويستعمل نصف عشه كـ "كاروك" (سرير الأطفال الهزاز)، يناغيهم وينقر كروشهم الصغيرة ليفحص قدرتهم على البكاء، لأن البكاء في تعاليم جداتنا معصوبات الرأس بالبياض أفضل دليل على الصحة.
في آخر ليلة خميس أتذكرها أمام بيت الرسامة، طلبت منّا مساعدتها في تحقيق نذرها، وأن نجمع أكبر قدر نعرفه من الصبيان والصبيات ونصطفّ جميعاً أمام بابها.
كان طلباً غريباً حافظنا على سرّيته وأنجزناه بسرعة، وقفنا بطابور منتظم حسب أوامر الرسامة، أخبرتنا أنها نذرت أن ترسم وجوه أطفال المحلّة وسيرزقها الله بمولود بعد طول تصبّر وانتظار.
لو رسمتُ وجوهكم سيعطيني الله ولداً حلواً، تقول ذلك وهي تجلس أمام لوحتها وتتعجب من هدوئنا، لأننا في العادة نغنّي في مثل هذه الساعة ونحن ننكش ريش اللقلق ونقذفه بالحصى: "اللقلق علّا وطار.. علّا وطار. اللقلق علّا وطار.. علّا وطار".
وبظرف ساعتين تقريباً، كانت وجوهنا تملأ منزلها، جمعناها وخرجنا نكظم في حناجرنا أغنية اللقلق.
لا أدري ماذا حلّ بالرسامة، يقال إنّها هاجرت أو توفيت أو تطلقت. ولا أعرف ماذا فعل نذرها بها وماذا فعلت به. الذي أعرفه أن رسمة وجهي المخطط بريشتها السريعة ما زالت عندي، عودتني أمي أن أحافظ عليها، وباقي الصبية كانت تعاقبهم أمهاتهم لو خربوا رسمات وجوههم أو ضيعوها. صارت رسمة الرسامة مثل شهادة الميلاد وبيان الولادة والمستمسكات الثبوتية في خزانة الأب.
أما اللقلق فقد كان كذبة. عرفتُ ذلك مؤخراً. لقد كان عشه عالياً بما يكفي للتوهم، وكانت الرسامة تلفّق عنه الحكايات وتبني له عشاً كل مرة.

* وقع ليل 9 آب/ أغسطس الجاري حريق في قسم التوليد بمستشفى في بغداد أدى إلى وفاة 13 مولوداً.. ويُعتقَد أنّ الحريق مفتعل، فيما لم تكن شروط السلامة متوفّرة..


وسوم: العدد 204

للكاتب نفسه

فسحة العيش في كرتونة

مرتضى كزار 2016-12-07

.. أما الناس الذين لا يعرفون اسمه فيسمّونه "أبو كرتونة". يظهر وحده مرتدياً الكرتونة على ظهره مثلما قوقعة الحلزون. كنزة رمادية عليها رسمة رجل آلي بمجسّات طويلة. هذا ما يستره...

في كل يوم ومنذ 41 عاماً!

مرتضى كزار 2016-12-01

ينتصب في قلب العاصمة بغداد تمثال شهريار و "قصخونته" شهرزاد، نديمته وراوية حكاياته. إنه واحد من أجمل تماثيل النحّات الراحل محمد غني حكمت. في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة...

نزيف الكتب

مرتضى كزار 2016-11-16

صحيح أنّ الكتاب سلعة أيضاً، تباع وتشترى ويروج لها، تخزن وتقتنى وتعرض وتفسد وتتجدد، لكن الاتجار بالكتب لا يشبه الاتجار بأي شيء آخر. أسواق الكتب في المدن العراقية، كالمتنبي ببغداد...