النقاش حول د. زويل بعد وفاته

قطع التلفزيون الرسمي برامجه ليعلن وفاة د. أحمد زويل العالم المصري والعربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل في العلوم (الكيمياء). وهو كان قد أعلن في زيارته الأخيرة لمصر قبل أشهر أنه شُفي من مرض السرطان الذي أصابه قبل عامين. وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات كانت في حالة من الانقسام الشديد، ليس فحسب حول شخصية العالِم المصري ومواقفه السياسية، وإنما حول حالة العلم والبحث العلمي ومؤسسات التعليم في مصر والمنطقة العربية..
2016-08-10

إيمان رسلان

صحافية من مصر مختصة بالتعليم


شارك
د. أحمد زويل

قطع التلفزيون الرسمي برامجه ليعلن وفاة د. أحمد زويل العالم المصري والعربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل في العلوم (الكيمياء). وهو كان قد أعلن في زيارته الأخيرة لمصر قبل أشهر أنه شُفي من مرض السرطان الذي أصابه قبل عامين. وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات كانت في حالة من الانقسام الشديد، ليس فحسب حول شخصية العالِم المصري ومواقفه السياسية، وإنما حول حالة العلم والبحث العلمي ومؤسسات التعليم في مصر والمنطقة العربية.. وحول ما الذي قدّمه زويل لمصر، خاصة أنه اختار أن يُدفن بوطنه الأوّل وليس في الولايات المتحدة التي هاجر إليها قبل 45 عاماً وحمل جنسيّتها، وحصل على نوبل وجوائز أخرى باسم جامعاتها..

نزيف العقول

من المناقشات المثيرة ما أوضحته لغة الأرقام طبقاً لمصادر رسمية في وزارة التعليم العالي، وهي أن نسبة من خرج في بعثة للتعليم ولم يعدْ إلى الوطن كانت لا تزيد عن 20 في المئة في الخمسينات، ثم ارتفعت قليلاً في نهاية الستينيات (وخاصة بعد هزيمة 1967)، ولكنها لم ترتفع بشكل مقلق إلا مع السبعينيات والثمانينيات، فمن لا يعود بعد حصوله على الدكتوراه هم حوالي 50 في المئة، خاصة في التخصصات الهندسية. وأوضح عميد أسبق لكلية الهندسة "في قسم واحد هو هندسة الحاسبات، وفي الفترة من عام 1997 حتى العام الحالي، سافر 90 في المئة من الطلاب إلى الخارج للحصول على درجة الدكتوراه، عاد منهم ثلاثة! والآن سافر منهم اثنان مرة أخرى، فهذا يعني ضرورة المراجعة الكاملة لنظام البعثات المصري"، لأنه كما قال مموَّل من موازنة الدولة وأموال دافع الضرائب. وأضاف أن البيئة الحالية أصبحت نابذة، ومن يجد الفرصة لا يعود، وأوضاع التدريس بالجامعات والبحث العلمي أصبحت مملة ومكررة ولا بد من وجود نظام المحكِّم الأجنبي للبحوث لعودة الجدية للدرجات العلمية. ويروي العميد الأسبق حواراً حول التعليم دار بين عدد من أساتذة الجامعات المصرية والسفير الأميركي بالقاهرة العام 2008، وكان سؤال العميد "أن هندسة القاهرة ترسل سنوياً للولايات المتحدة حوالي 70 معيداً ومن يعُد منهم فلا يتعدّى أصابع اليد الواحدة، وتكلفة الطالب من الابتدائي وحتى تخرّجه تصل إلى 50 ألف دولار، والولايات المتحدة تأخذهم على الجاهز، فلماذا لا تدفع أميركا تكاليف تعليمهم، وهي تقترب من 5 ملايين دولار سنوياً لمبعوثي جامعة واحدة فقط؟"..

المجانيّة والتفوق وعبد الناصر

وفاة زويل استحضرت أيضاً وضع المدارس والجامعات الحكومية، والموقف من الرئيس عبد الناصر. فهو ابن زمن "ثورة يوليو"، ولد قبلها بسنوات قليلة ولكنه التحق بالصف الأول الابتدائي في زمنها. وبعث زويل وهو تلميذ بالابتدائي برسالة إلى عبد الناصر عقب العدوان الثلاثي، يشدّ من أزره، وفوجئ برسالة جوابية له من الرئيس يدعوه إلى العلم والعمل الذي هو مستقبل مصر.. ويقول زويل إنه استفاد تماماً من مجانية التعليم الجامعي، فكانت دفعته عام 1963 من أوائل الطلاب الذين طُبق عليهم قرار المجانية الكاملة، بل وحافزاً ومرتباً للمتفوّقين بلغ 13 جنيهاً شهرياً، وهو مبلغ كبير وقتها، فالمتخرج كان يعين بـ17 جنيها في الشهر. وأضاف أن هذه المنحة ساعدته كثيراً فى مواصلة مشوار التفوق في الجامعة، فتخرّج من كلية علوم الإسكندرية كأول على دفعته وعُيّن معيداً بها. ووصف التعليم في المدارس الحكومية في مدينته وقتها بـ "جيد جداً"، وأنه لم تكن هناك دروس خصوصية والمعلم كانت له هيبة كبيرة، وكذلك الأمر في كلية العلوم. وكما نقل عنه بعد ذلك أنه حريص على المجانية الكاملة لأبناء المدارس الحكومية عند الالتحاق بـ "جامعة زويل"، وهؤلاء يمثلون الأغلبية العظمى من الطلاب بعد إجراء اختبارات القبول الموحّدة لكل المتقدمين، بمن فيهم أوائل البكالوريا المصرية التي كان يتعجّب من نتائجها في الأعوام الأخيرة.. ولكنه لم يشهد ما حدث هذا العام حيث "الأوكازيون" في الدرجات امتدّ ليحصل 65 من الأوائل المئة على مجموع واحد!
ولكن القضية الكبرى التي يتحدّث عنها الجميع هي صراع د. زويل و "جامعة النيل" الذي استمر سنوات وحسمه القضاء لصالح الأخيرة. ويبدو أن هذا الصراع أصابه بالإحباط والتوتر الشديدين وربما بإصابته بالسرطان. وردّد أصدقاؤه من كبار العلماء المصريين مقولته التي أصبحت هاشتاغ وعبارة رئيسية في الصحف ومواقع التواصل، وتجسّد ما حدث: "الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء، ولكنهم يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل".
وقصة الصراع هذا تعود إلى عام 2000 عقب فوز زويل بنوبل، ووضع الحجر الأساس لجامعته ومشروعه العلمي في صحراء "مدينة أكتوبر" على حدود القاهرة. طوال سنوات ظل يلح على البدء بالمشروع، ولكن أهل السلطة والحكومة جعلوه يموت بالنسيان، حتى جاء رئيس وزراء جماعة جمال مبارك، وقرر إنشاء جامعة خاصة للإدارة والهندسة (جامعة النيل)، ووضع يده على الأرض وبدأ يبني فيها في ظل صمت حكومي تام. قامت "ثورة يناير"، وخلال تولي أحمد شفيق رئاسة الوزراء، أعادت الجامعة ومجلس أمنائها الأرض والمباني للحكومة باعتبارها حكومية، ولأن طلبة "جامعة النيل" لهم مبنى آخر وعددهم لا يصل إلى مئة طالب. وبعد 8 أشهر، وفي ظل الزخم الثوري، أعاد مجلس الوزراء إلى د. زويل الأرض لبدء مشروعه لجامعة ومركز للعلوم الأساسية. ولكن بعد أشهر أخرى وتولي الإخوان السلطة، اعتصم طلبة جامعة النيل يطالبون بمبانيهم، ولجأوا للقضاء الذي حكم لمصلحتهم، وهي مفاجأة! وبعد إزاحة الإخوان، خصّصت الحكومة أرضاً أخرى لمشروع زويل، وتقوم الآن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ببنائها، ومن المنتظر افتتاحها مع تخريج الدفعة الأولى العام المقبل.. بغياب صاحب فكرة المشروع.

.. إسرائيل

كانت كلمة إسرائيل المفتاح الدائم للهجوم على د. زويل، خاصة أن إسرائيل نعته رسمياً بكلمات حارة. وكان زويل قد ذهب بالفعل إلى إسرائيل قبل تسلّمه جائزة نوبل لتسلّم جائزة أميركية أحد شروطها تسلّمها في إسرائيل! وفي كتابه عن سيرة حياته لم يشر إلى ذلك، وهو ما اعتبرته لطفية النادي، عالمة الليزر وعضو مجلس أمناء مدينة زويل للعلوم، "شبه اعتذار من العالِم الكبير"، وأضافت أنه قال في مؤتمر رسمي "أنه ذهب لاستلام الجائزة بعد أخذ موافقة السلطات المصرية"، وأن نعي إسرائيل له الآن هدفه تشكيك المصريين والعرب في قدراتهم في مجال الإنجاز العلمي".. ولكن رحلته تلك تبقى زلّة كبيرة منه لا يبررها شيء.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

مصر: المندوب السامي التعليمي؟

مدراء مشروع "المعلمون أولاً" الذي ترعاه وزارة التربية ويهدف الى تطوير وتدريب مليون ونصف معلم مصري.. كلهم أجانب: لم يُعرَف للمشروعات  التعليمية بمصر مدير أجنبي إلاّ فى عهد الاحتلال الانجليزي.

المعلمون في مصر: الحرامية الشرفاء

وزير التعليم وصف المعلمين بالحرامية، ما أثار ضجة كبيرة غطى عليها ارتفاع رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة وقلق المعلمين على وظائفهم بعدما اعتبرهم الوزير فائضون عن...

فقراؤك يا وطن

قصة مريم وعبد الراضي، الشابان الآتيان من عائلات موغلة في الفقر، واللذان حصلا على مجموع تام في شهادة البكالوريا هذا العام، وسؤال مصيرهما لولا وجود مجانية التعليم التي يُسعى لإلغائها...