في شهر أيار/ مايو الفائت، سببت زاوية في جريدة تونسية، تحت عنوان "زقزقة"، للإعلامي هادي السنوسي ضجة في البلاد. جاء في الزاوية:
"تحرّش ــ قال خبر صحفي: 90 في المئة من نسائنا ضحايا تحرش في المترو والكار.
قالت العصفورة: قراءة عصفورية تقول أن 90 في المئة من المتحرَّش بهنّ هنّ المسببات في ذلك الفعل المشين من خلال الإغراءات المختلفة وتذبيل العين.. وأن 90 في المئة من المتحرشين هم ضحايا الجذب اللعين. معناها: التحرش بالتحرّش والبادئ بالفعل.. أحرش".
أثار هذا الكلام اعتراضاً واسعاً لجهة أنه يُحمّل ضحية التحرش مسؤولية التحرش، ويحوّل المعتدي بالمقابل إلى ضحية "تذبيل العيون"! وهو كلام مبتذل، اعتبرته راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، كلاماً لا يستأهل التعليق والردّ، وهو مهين للرجل التونسي كما هو مهين للمرأة.
المشروع (الواقع في 43 فصلاً) يُجرّم جميع أشكال العنف ضد المرأة: الاقتصادي والمعنوي والنفسي والجنسي، ويهدف للقضاء على أنواع التمييز القائم على النوع الاجتماعي.
ويقترح المشروع العقاب وغرامة مالية تقدر بألفي دينار (ألف دولار أميركي) لكل من يتعمد التمييز في الأجر عن عمل متساوي القيمة على أساس الجنس. وينصّ على إجراء تنقيح لعدد من فصول المجلة الجزائية وتعويضها بفصول جديدة تتماشى مع المشروع المعروض، ومنها اقتراح العقاب بالسجن مدة عامين وغرامة مالية قدرها 5 آلاف دينار تونسي (2500 دولار أميركي) لمرتكب التحرش الجنسي.
كما يجرّم مشروع القانون العنف الواقع من أحد أصول الضحية أو أحد الزوجين أو أحد المفارقين أو أحد الخطيبين، والمعتدي الذي تكون له سلطة على الضحية، وذلك لضمان حماية المرأة في أي وسط تواجدت فيه، إن كان في العمل أو البيت الزوجي أو بين أفراد عائلتها..
وكما جرت العادة، انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. من الإسلاميين من اعترض على "التضييق على الرجل" ومحاسبته بالقانون على "تأديب زوجته" مثلاً، وهو أمر يناقض باعتقادهم ما تسمح به الشريعة. منهم من وجد في القانون مادة للتندر، فامتلأت الصفحات بالنكات المستهزئة التي تسطّح الموضوع وتفرغه من مغزاه الحقيقي، من قبيل (سمعنا أن "بسسست" تعادل 3 أشهر في السجن، و "محلاها صورة بروفايلك" تؤدي إلى الأشغال الشاقة. ماذا لو سألتُ فتاة "ماذا تلبسين الآن"، هل أُعدم أم عليَّ الزواج من المتضرِّرة وإيداع أوراقي لدى المفتي؟).. فيما تساءل آخر عن "الأولويّات" المتعلقة بمحاسبة المرتشين والفاسدين، قبل المتحرّشين والمعنّفين، كأن الموضوع ليس طارئاً ويحتمل التأجيل.. في بلد تُظهِر فيه الدراسات أن 8 من 10 من نسائه يتعرضن لنوع من أنواع العنف في مكان عام (وسائل النقل العمومية، الشارع، المقهى..).
لكن ترحيباً واسعاً أحاط بالخبر من جهة ثانية، وأعيدت إلى التداول مقولة أن تونس هي "الاستثناء العربي" في مجالات حقوق المرأة، والتذكير بريادتها في هذا المجال، التي ضمنت للنساء كثيراً من حقوقهن المتعلقة بالزواج والسفر والتعلم منذ عهد الحبيب بورقيبة. الاحتفال التونسي انتقل لصفحات باقي الناشطين في الدول العربية الذين شاركوا الخبر بفرح وحسرة على حال المرأة في بلدانهم (مصر مثالاً). صارت تونس النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى. والقانون الذي يأخذ طريقه إلى النفاذ، رغم كونه خطوة كبيرة إيجابية في تحسين وضع المرأة التونسية، إلا أنه أقل ما يجب أن يكون لإرساء الحقوق الأساسية: تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية.