العقارات في العراق: مرآة لاوضاع البلد

تعاني بغداد من ضعف كبير في الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والنقل العام والصحة والتعليم، ويعتبر هواؤها من الأكثر تلوثاً، كما تعاني من التصحر، ومن بداية أزمة مياه بسبب جفاف نهر دجلة... ولا تمثل أسعار العقارات الواقع الاقتصادي الحالي، وإنما هي انعكاس لحجم الرثاثة والفوضى الذي تعيشه البلاد، بحكم الفساد المالي والإداري.
2023-05-16

سلام زيدان

صحافي عراقي متخصص بالاقتصاد


شارك
مجمع استثماري قيد الانشاء في بغداد

ارتفعت أسعار العقارات في بغداد والمحافظات الجنوبية بشكل هائل، ووصلت إلى ما هو متعامل به للمتر المربع في لندن مثلاً، بل تجاوزته في بعض الصفقات! ولذلك عدة أسباب اجتمعت معاً، منها استخدام المتاجرة بالعقارات لغسل الأموال وهو ما فعله السياسيون على سبيل الخصوص، بالإضافة إلى أزمة السكن حيث لم تولد أحياء أو مدن جديدة.

تعاني بغداد من ضعف كبير في الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والنقل العام والصحة والتعليم، ويعتبر هواؤها من الأكثر تلوثاً، كما تعاني من التصحر، ومن بداية أزمة مياه بسبب جفاف نهر دجلة... ولا تمثل أسعار العقارات الواقع الاقتصادي الحالي، وإنما هي انعكاس لحجم الرثاثة والفوضى الذي تعيشه البلاد، بحكم الفساد المالي والإداري.

مقالات ذات صلة

بدأت أسعار العقارات بالارتفاع منذ العام 2021، وتجاوزت نسبتها في بعض المناطق 500 في المئة، إذ وصل سعر المتر الواحد في المناطق الفخمة، مثل حي "المنصور"، إلى أكثر من 5 آلاف دولار، بينما تجاوزت العقارات المصنفة تجارية الـ 10 آلاف دولار للمتر الواحد.

عشوائية هائلة

لم تُنشأ مدن نظامية جديدة منذ العام 2003، حين كان عدد سكان العراق عند سقوط النظام السابق، 20 مليوناً. أما الآن فقد تجاوز العدد 42 مليوناً حسب وزارة التخطيط، أي الضعف، ولم يقابل ذلك نمو في الوحدات السكنية، فارتفعت الفجوة بين العرض والطلب، حيث يتجاوز الطلب الحاجة لـ 3 ملايين وحدة سكنية. 

قام المواطنون، بينما تتفرج الدولة على الأزمة، بجرف البساتين، وبيعها كأراضٍ سكنية، علماً أنها تفتقد للبنى والخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والمياه والمجاري والمدارس ومراكز الشرطة والصحة والمستشفيات، كما بقيت طرقها غير معبدة.. كما استولت بعض العناصر التابعة للمليشيات على أراضٍ تابعة للدولة وباعوها للمواطنين بملايين الدنانير، فأصبحت بغداد تصنف كعشوائية هائلة، إذ يوجد فيها أكثر من نصف مليون منزل عشوائي، وتباع الآن المنازل العشوائية كمتوسط ب 50 ألف دولار لمنزلٍ مساحته مئة متر.

أثر انهيار البنوك في لبنان

انعكست الأزمة الاقتصادية في لبنان على العراق سلباً. معظم الفاسدين كانوا يقومون بتهريب أموالهم إلى لبنان، لكنّ إفلاس المصارف اللبنانية، وتبخر أموال السرّاق العراقيين، جعلهم يلجؤون إلى اكتناز أموالهم داخل العراق، عبر غسلها في قطاع العقارات. مثلاً، الأموال المسروقة من الدولة العراقية في ملف التأمينات الضريبية والمعروفة بـ "سرقة القرن" والتي بلغت 2.5 مليار دولار، جرى غسلها عبر شراء أكثر من 40 عقاراً في شارع الأميرات بمنطقة المنصور، الذي كان فيه سعر المتر 1600 دولار قبل كورونا، وارتفع إلى أكثر من 5 آلاف دولار حالياً، بينما السلطات تقوم بنقل ملكية العقار بدون مساءلة المشتري عن مصدر أمواله، مما جعل "مجموعة العمل المالي الدولية" (FATF) (1)، تحذّر حكومة مصطفى الكاظمي السابقة بأن العراق أصبح من البلدان ذات المخاطر العالية في ملف مكافحة غسيل الأموال، بل من الممكن خفض تقييمه من جديد في شهر آب/أغسطس المقبل، الأمر الذي سوف يؤثر على مجيء الشركات العالمية إلى العراق. كما أن انتشار هذه الممارسة "طرد" من مناطقهم الفخمة المستهدَفة أهاليها الأصليين فتحولوا إلى المناطق المحاذية لها، مما زاد من الطلب على العقارات.

وأثر البرلمان

ساهم البرلمان العراقي بزيادة الأزمة عبر إجبار السلطة النقدية على رفع التضخم خلال العام 2020، من خلال تشريع قانونين يتضمنان إقراض البنك المركزي للحكومة مبلغ 37 تريليون دينار لدفع رواتب موظفي الدولة. وبهذا ارتفعت الكتلة النقدية من 52 تريليون دينار، إلى أكثر من 97 تريليون دينار، ومعها ارتفعت مستويات التضخم التي تجاوزت الـ 8 في المئة. بالإضافة إلى إنفاق أكثر من 5 تريليونات دينار خلال سنتين كقروض عقارية، ما أدى إلى جعل عدد ممتلكي الأموال أكثر من الوحدات السكنية، وارتفع الطلب مع قلة المعروض.

الفساد والخوف

 يقال إن معظم العراقيين يفتقدون لـ "الثقافة" في إدارة استثماراتهم المالية. ولكن الواقع أن معظمهم يفتقد للثقة في القطاع المصرفي، وفي "حكمة" القرارات الحكومية المتقلبة والتي قد تباغتهم، وفي الأمان الضروري لازدهار الأعمال والمشاريع، وفي حماية القانون لها من السلب المباشر أو الاستيلاء عليها والتلاعب بمصائرها... لذا، فإنّ أكثر من 70 في المئة من الكتلة النقدية مخزّنة في المنازل بدلاً من المصارف، ويقوم أصحابها بشراء العقارات بدلاً من استثمارها في الأعمال أو إدخالها إلى سوق الأسهم وتحقيق عوائد ربما تكون أعلى من العقارات. وهذا أيضاً ساهم في زيادة الطلب على العقارات.

الحكومة عاجزة عن إيجاد حل للأزمة، فألأسعار في المجمعات الاستثمارية تجاوزت الـ 1000 دولار للمتر الواحد، على الرغم من منح الحكومة الأرض مجاناً للمستثمرين، وأن كلفة البناء لا تتجاوز الـ 500 دولاراً للمتر. يعتبر الابتزاز الذي يتعرض له المستثمرون ودفع الأتاوات، أحد عوامل رفع الأسعار، بالإضافة إلى الطلب المتزايد عليها، مما يفارض بالحكومة إعادة تنظيم المبيعات، من خلال إجبار أصحاب تلك المجمعات على البيع بسعر محدد مع هامش الربح.

فشلت السلطات تماماً فيما يخص ملف السكن، فالوعود بتوزيع 500 ألف قطعة أرض للمواطنين، تصنف ضمن خانة الدعاية الانتخابية، لأن هناك جهات سياسية تمتلك مجمعات سكنية ترفض ذلك حتى تستمر في استغلال أزمة السكن، عبر رفع الأسعار، خصوصاً أن بعض المجمعات تعدّت على المساحات الخضراء، وقامت ببناء وحداتٍ سكنية عليها.

حل أزمة السكن يتطلب بناء مليون وحدة سكنية خلال 3 سنوات، وأن تكون هذه الوحدات مقسّمة حسب دخول العراقيين، حتى يستطيع أي صاحب دخل متواضع الحصول على سكن لائق به.

______________________

 1 - ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ تعرِّف مهمتها بأنها "وﻀﻊ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ ﻭﺘﻘﻴﻴﻢ ﻋﺎﻟمي ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﻏﺴﻞ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ وﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ، ﻭالعمل ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﺍﻣﺘﺜﺎﻝ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ".

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

العراق: عجز "دولة الموظف"

سلام زيدان 2020-07-02

يحتاج العراق شهرياً إلى 4.5 مليار دولار لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، عدا النفقات الضرورية الأخرى مثل تمويل شراء الأدوية واستيراد الكهرباء والوقود وغيرها، بينما إيرادات النفط خلال الشهر الماضي وصلت...