"الحقيقة نادرا ما تكون نقية.. ودائما ما لا تكون بسيطة".
أوسكار وايلد (1854-1900، شاعر وروائي وكاتب مسرحي أيرلندي، مِثْلي)
ساد طويلا اعتقاد بأن المِثْلي مصاب بلعنة، وأن روحاً شريرة تسكنه، والتالي وجب ربطه بشجرة وضربه، أو عزله بعيدا وسجنه لطرد الروح الشريرة التي تسكنه.
ولكن 4 في المئة من سكان العالم يولدون مثليين. ويصعب معرفة عدد المثليين الحقيقي أو الأقرب إلى الحقيقة في المغرب، نظرا لغياب الحريات الفردية وخوف أو وجل المثليين والمثليات من التعبير عن ميولهم الجنسية، وغياب مؤسسات تعنى بالإحصاء مشهود لها بالحرفية والمهنية، لإنجاز مسح دقيق عنهم.
وتسم الثقافة الشعبية المغربية شبه المحافظة المثليين والمثليات بأقذع الأوصاف والنعوت، من قبيل الزامل، الحساس، اللوطي، الشاذ، المجرم، المنحرف، غير الطبيعي، غير السوي، زوكية (مصطلح أمازيغي يعني المفعول به جنسيا) المخنثون.. وهذا بالنسبة للرجال. أما النساء فتنعتهن بالمتشبهات بالرجال، المسترجلات، المتذكرات... ويحرِّم بعضهم ذكر اسم هذه الفئة، ويسمها آخرون ب "أولئك الذين لا يُذْكرون"، ويستعيذ بعضهم من الشيطان الرجيم عند ذكرهم، وآخرون بالله عند ذكرهم بالقول و"العياذ بالله من ذكرهم". بينما يقول ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة": "ليس هناك فرق بين الحب المِثلي وغيره".. ويقول مارتن لوثر كينغ الابن: "تبدأ حياتنا في التوقف عندما نتوقف عن الكلام عن الأمور المهمة". ويرى أوسم وصفي في كتابه "شفاء الحب" أن "النظرة الأحادية التبسيطية لأسباب المِثْلية تؤدي إلى ظلم المثليين" وأن "السلوك الجنسي المثْلي هو سلوك قهري جدا (إدماني)".
العقوبات الحبْسية
تجرم المادة 489 من القانون الجنائي العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين، وكذلك المثلية الجنسية. وشهد المغرب محاكمات لمثليين بتهمة ممارسة ما يسمى ب"الشذوذ الجنسي"، ويعاقب من يتهم بممارسته بعقوبة حبسية تصل إلى ثلاث سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية، الأمر الذي يتعارض مع المعاهدات الدولية التي تضمن كرامة وحقوق الإنسان. ويرى ناشطون حقوقيون أن "محاكمات بتهمة اللواط تحدث بشكل متكرر ولكنها تمر بصمت بسبب وصمة العار التي يشعر بها المتهمون وعائلاتهم، وإحجام معظم النشطاء عن الدفاع عنهم". وقد أعرب ناشطون مدافعون عن الحريات الفردية عن استنكارهم لعدم إلغاء تلك المواد من مسودة القانون الجنائي. وأدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة القوانين التي تجرم السلوك المثلي بالتراضي، لأنه يخرق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ــ والمغرب طرف فيه ــ ويعد تدخلاً في الحق في الخصوصية. واعتبر فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي أن اعتقال الأشخاص بسبب السلوك مثلي الجنس بالتراضي، هو انتهاك لحقوق الإنسان من حيث التعريف.
يقول أحد أعضاء "مجموعة أصوات" (جمعية لمناهضة التمييز المبني على الجنسانية والنوع الاجتماعي): "العار المرتبط بالمثلية الجنسية في المغرب يتسبب في تخويف العديد ممن يستطيعون الدفاع عن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم أدينوا ظلما. يجب ألا يترك ذلك قلقاً لدى المثليين والمثليات فقط، وإنما لدى جميع المغاربة". و يتعرض كل من خُلق مثليا أو من يتوفر على هرمونات أنثوية أكثر من الذكورية في جسمه إلى التجريح و التعنيف وسلب ممتلكاته أحيانا، وإلى الاغتصاب أحيانا أخرى . بينما يعامل مثلي الجنس الذي تظهر على محياه علامات الرجولة باحترام شديد!
وقد أرغمت الـ"هوموفوبيا" بدول إفريقيا جنوب الصحراء، مثليي ومثليات الجنس على الفرار من بلدانهم خوفا على حياتهم، وأملا في بلوغ بلاد الغرب. وحين بلغوا بلدا يقع في شمال إفريقيا يدعى المغرب، وأرغمتهم الظروف على المكوث به، تعرضوا إلى ممارسات وسلوكيات عنصرية عنجهية وإلى العنف والاغتصاب والسرقة، وأدخلوا السجن. ركب بعضهم قوارب الموت، فلقي قسم منهم مصرعه. وتقدّم بعضهم الآخر بطلب إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالرباط قصد الحصول على بطاقة لاجئ، وتمكنوا منها، ونصحوا بممارسة حياتهم العاطفية والجنسية سراً. يحضر الانفصام بقوة عند تطبيق القانون، وتحديدا أثناء إلقاء القبض على أفارقة من شمال أو جنوب الصحراء، ومنحدرين من دول غربية. يطلق سراح الأجانب فوراً (حالة بريطانيين وكنديين..)، ويبقى الأفارقة - مغاربة وغيرهم- رهن الاعتقال. كما يتعرضون داخل السجن للامتهان والاحتقار.
ينص القانون الجنائي على "حرية الإثبات" التي يتم توظيفها بشكل بشع من خلال انتهاك حرمات البيوت (التي ينص عليها الدستور)، والتعذيب والإهانة لانتزاع الاعترافات. ويرى حقوقيون أنّه " لا يحق للدولة المغربية أن تتدخل في العلاقات الجنسية الحميمية بين الأفراد التي تندرج ضمن الحريات الفردية، وأنه لا يمكن للدولة أن تتدخل في تجريمها، وعليها إلغاء الفصل 480 من القانون الجنائي الذي كتب في الستينيات من القرن الماضي".
الروايات الأخرى
تضاربت آراء المطالبين باحترام المثليين والإقرار بحقوقهم، واختلفت رواية رجال الدين عن الظاهرة، وأدلى الطب بدلوه بخصوصها. تجرِّم الديانة الإسلامية وتحرم المثلية الجنسية، ويقول الإمام مالك: عقوبة المثلية هي القتل والرجم بالحجارة حتى الموت. ويرى الإمام الشافعي أن حدها هو حد الزنى، رجم المحصن حتى الموت وجلد غير المحصن. وتفرق تعاليم الكنيسة بين الميول المثلية وبين الفعل المثلي، بينما تحرم الديانة اليهودية المثلية الجنسية بالمطلق. بينما يقول زكي عصمان (مثلي جزائري لاجئ بفرنسا) "... القرآن الكريم لم يذكر أبدا أن المثلية الجنسية ضد الطبيعة البشرية. إنها تفسيرات الناس ورجال الدين للنصوص الدينية والآيات". ويرى الشيخ والإمام محمد لودوفيك، (إمام مدافع عن المثلية الجنسية، وهو فرنسي من أصل جزائري مؤسس "مسجد التوحيد" في باريس ومارسيليا وصاحب أطروحة في العلوم الإنسانية حول الإسلام والمثلية الجنسية) أن "الزواج حق من حقوق الإنسان وأن الإسلام لا يحارب المثلية، والذين يحاربون المثلية أو المثليين والأقليات يحاربونها عن عقيدة فاشية". ويقول الأطباء أنها ليست مرضا، وأثبت العلاج التصحيحي للمثلية الجنسية أنه مضر بالصحة، من خلال زيادة خطر الاكتئاب والانتحار، وذكروا أن الأمراض النفسية تزيد عندما يتم تصحيح الهوية الجنسية التي لا تُصلح. وقد تم شطب المثلية الجنسية من تصنيفات الأمراض النفسية على المستوى العالمي، ورفعت منظمة الصحة العالمية المثلية الجنسية من لائحة الأمراض النفسية عام 1992. ولكن أنها لم تشطب من عقليات المجتمعات العربية، فلا زال أغلب الناس هنا يعتبرونها مرضاً.
حلم المثليين المغاربة
... بأن يأتي يوم يتم فيه احترام ميولهم الجنسية والعاطفية، وأن تكف السلطات والمجتمع عن اضطهادهم وتحجم عن كراهيتهم والخوف منهم، وألا تتم معاملتهم كمجرمين، وأن تنبذ السلطات والمجتمع العنجهية والعنصرية والتمييز ورهاب المثلية، وأن تؤمن السلطات والمجتمع بأن حقوق المثليين من حقوق الإنسان، وأن يلجموا رجال الدين عن كيل أقذع السباب لهم، وأن يكف مشايخ الفضائيات عن إصدار الآراء والأفكار المتطرفة في حقهم.
هذا توصيف لما تضمنته لافتات في مظاهرات مطالِبة بالحريات الفردية وحرية المعتقد وحقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل، رفعها مطالبون بالحق في الاختلاف في المغرب، وكُتب على إحداها : "جسدي ملكي وليس ملكا للدولة".
تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين ومنع المثليين من ممارسة ميولهم حيل تهدف إلى "تدويخ" الجمهور وجعله يفكر طوال اليوم في قضاء غرائزه، عوض التفكير في مواضيع سياسية وثقافية وفنية ورياضية، والمطالبة بمحاسبة ناهبي المال العام، وإرجاع أموال الصناديق السيادة التي تعرضت للسطو، وفصل السلطة عن الثروة، ومنح المغاربة الحريات، واحترام حقوق الإنسان.