إعداد وتحرير: صباح جلّول
تظاهرت أكثر من مئتي عاملة مهاجرة أمام المتحف الوطني في بيروت يوم السبت الفائت في 29 نيسان/ أبريل 2023، عشية عيد العمال الواقع في أول أيار/ مايو. كنّ هناك على الرغم من الطقس العاصف والماطر، مع اللافتات والشعارات والموسيقى والكثير من الحماس. وكنّ هناك على الرغم من أن يوم العطلة لمعظمهنّ شحيح بالأصل، لا يخضع لحقوق العامل الأساسية ولا لقانون العمل ويعتمد غالباً على أمزجة المشغّلين.
هنّ عاملات قدمن من دول بنغلادش وسريلانكا وغانا وكينيا والكاميرون وغيرها.. للعمل بالخدمة المنزلية، يبلغ عددهنّ في لبنان حسب تقديرات وزارة العمل نحو 60 ألفاً، بانخفاض كبير عن عددهن قبل الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالبلاد منذ نهاية 2019، حين كان عددهنّ يصل إلى ربع مليون.
ويخضع عملهنّ في البلاد إلى بنود مبهَمة هي خليط من التعاميم والأنظمة والأعراف المنضوية تحت عنوان "نظام الكفالة" الذي يصفه بعض الناشطين والحقوقيين بنظام "عبودية حديثة". ويتيح نظام الكفالة علاقات عمل غير سويّة بين العاملات وأصحاب العمل، معتمداً على الكفيل الذي يكون وسيطاً يتولى كل شؤون العاملة منذ وصولها إلأراضي اللبنانية وحتى مغادرتها.
ويحتوي نظام الكفالة شروط عمل تعسفية، منها عدم تحديد ساعات العمل وعدم الاعتراف بإجازات العمل أو حرية التنقل وحرية إنهاء عقد العمل أو تغيير مكان العمل، جاعلاً بيئة عملهنّ خصبة للإساءة والاستغلال والتعسف. كم مرة سمعنا أن عاملة حُجبت عنها أجورها أشهراً وسنوات، كم عاملة احتُجز جواز سفرها، مُنعت من الخروج من المنزل يوم الأحد أو مُنعت من إنهاء عقدها، وكم منهنّ تعرضت للعنف، للتحرش، للعنصرية، لإساءة المعاملة وحتى للقتل أو الدفع إلى الانتحار؟... لا حصرَ للقصص المأساوية هنا.
"لا أعذار للتعسّف! ألغوا نظام الكفالة!" هي العبارة التي تتصدّر أكبر اللافتات. "نريد حقوقنا"، "عاشَ نضال المدافِعات"، "العمل المنزلي وظيفة"، "أوقفوا الإساءة"، "من حقي الحصول على رعاية صحية عندما أمرض"، وغيرها من المطالب التي تشكّل أبسط حقوق العمل فعلاً، تبقى ممنوعة على العاملات اللاتي يُحرم عليهنّ دخول حماية قانون العمل اللبناني ولا تستطعن إنشاء النقابات أو فرض شروطهن بأي شكل وسط انهيار اقتصادي شامل حرّ لمجمل أحوال البلد ومن فيها.
هشاشة العاملات المهاجِرات مزدوجة، إذاً وسط التدهور الحاصل، وهنّ كنّ في لبنان أيضاً من أكثر الفئات هشاشة في الحرب الأهلية، منهن من بقين يحرسن الشقق وينتظرهن عودة أصحابها المهاجرين، وكنّ كذلك أيضاً عندما انفجر مرفأ بيروت أو عند غيره من الهزات الأمنية على مدى سنوات إلى جائحة كورونا ثم الانهيار المالي للبنان وما رافقه من تخلٍّ جماعي لأصحاب العمل عن العاملات في بيوتهم أمام سفارات بلدانهنّ!
"متحضّرات": إحراج الماضي والحاضر في لبنان
19-06-2020
جلّ هؤلاء النساء مكافحات يبحثنَ عن مستقبل أفضل لأهلهنّ وأطفالهنّ وأنفسهنّ، فوجدن أنهن عرضة لصنوف الإساءات إزاء التقصير الكامل لوزارة العمل والدولة اللبنانية في السعي إلى تنظيم عملهنّ وشملهنّ بقانون العمل، وقد أخذن على عاتقهن التكتل في نشاطات وتحركات وأحياناً في جمعيات أنشأنها بأنفسهن للدفاع عن حقوقهنّ. تظاهرتهنّ إضاءة على مظالم جليّة تحصل في السر والعلن كل يوم بحق الآلاف ويُغضّ الطرف عنها باستخفاف، لكنهنّ في عيد العمال والعاملات، عيدهنّ، ترفعنَ الصوت: "بدنا بدنا عدالة، بدنا نلغي الكفالة"...
فيديو من صفحة "أخبار الساحة" على فيسبوك