جـمـاعــة مُحـبّـــي الجــدران

كي تحل الحكومة مشكلة المظاهرات في وسط البلد، قامت ببناء جدران في وسط البلد، اخترقتها المظاهرات. ولكي تحل مشكلة المظاهرات في مصر الجديدة، قامت ببناء جدران في مصر الجديدة، واخترقتها المظاهرات أيضاً. بنت الحكومة جدراناً جديدة في كل مكان واخترقتها المظاهرات، فقررت الحكومة العمل على وعي الناس. الحلول الأمنيـة فاشلة، ولذلك لا بــد من التفكـير في طــرق بديلة. ظهرت مجموعة من النشطاء السياسيين أسموا أنفسهم «جماعة محبي الجدران». ساروا يبشرون بميلاد عصر الجدران في مصر كلها. يزرعون جميع الأرض جدران، ويلقون أشعاراً في محبة الجدران.
قالت جماعة محبي الجدران إن الجدار هو القيمة الأسمى في حياة المواطن المصري. إن الجدران وحدها يمكنها أن تجعل مصر بيتاً لنا جميعاً. هل رأى أحد من قبل بيتاً بلا جدران؟ بيت بلا جدار، كشعلة من غير نار، هذا ما قيل وقتها.
المشكلة إن أعضاء جماعة محبي الجدران الذين هم، فعلاً فعلاً، يحبون الجدران، أصبحوا غير قادرين على التواصل مع بعضهم البعض من أجل إقامة جدران جديدة، لأن الجدران قطعت الطرق بينهم وبين بعضهم. قال فيلسوف الجماعة بنبرة حزن: «نحب الجدران ولكن الجدران لا تحبنا. هذا حب من طرف واحد». وكأي فيلسوف، سارع بالتفكير في الحل فور التفكير في المشكلة. قال: «إذا كانت الجدران كلها لا تحبنا، فهل يمكن أن يكون هذا نتيجة وعي ما انتشر بينها؟ الحل هو أن نبني جداراً بين كل جدار وجدار. نمنع الجدران عن الاتصال ببعضها. نحقق لها مساحة من الخصوصية الضرورية للإنسان المعاصر. الجدران أيضاً تحسّ وتتألم».
هذا عمل لا نهائي، لأنه، كما هو معروف، حتى الجدار المقام بين جدار وجدار، سيحتاج جداراً آخر بينه وبين الجدار الذي يليه. هذا عمل لا نهائي، وهذا سبب أدعى لأن نبدأه الآن، قال فيلسوف الجماعة، المثالي الحالم.
وكان هذا هو السبب الذي تحوّلت مصر بفضله إلى بناء خرساني عملاق، أصمّ ولا يحوي بداخله غير الأحجار المقامة فوق بعضها البعض.