دورة دوام الموظف العراقي: الفطور، المراجعون، الصلاة

للموظفين في الدوائر الحكوميّة العراقية طقوسهم الخاصّة لأداء العمل وإنجاز المهام. تهيمن وجبة الفطور على جزء من الوقت، وتقتطع العبادة وقتاً يومياً ثابتاً، أما "الموبايل" و"الزمنيّة" فهما مُنقذاهما من المَلل.. دورة حياة دوام الموظف في العراق..
2023-04-28

شارك

يمتلك العراق أقلّ معدّل ساعات عمل رسمية -ربما حول العالم- بواقع سبع ساعات يومياً، لكن ساعات العمل الفعلي في الغالب هي أقل من ذلك بكثير. يمارس الموظف العراقي الفعاليات الحياتيّة كافة داخل هذه الساعات المخصصة للعمل، ابتداءً من وجبة الفطور إلى الصلاة إلى وجبة الغداء مروراً بالثرثرة والوشايات وما شابهها.

يبدأ الدوام الرسمي في الدوائر الحكومية العراقية في الساعة 8:00 صباحاً، لكن وقت انتهاء الدوام يتفاوت حسب النظام الخاص بكل دائرة.

وقت الدوام في بعض الدوائر ينتهي عند الساعة الثانية بعد الظهر، وبعض الدوائر تستمر حتى الساعة 2:30 والغالبية تبقى حتى 3:00 مساءً، وهذا يشمل دوائر الوزارات كافة عدا الداخلية والدفاع والصحة.

لا أحد يمكنه أن يعرف ساعات العمل الفعليّة التي ينتج فيها الموظف عمله، تبدأ من الكسل إلى الإجازة الزمنيّة، ويمكن أن تتأخر معاملة المواطن لأسابيع وربما أكثر من ذلك، إضافة للترهل الوظيفي الذي قسّم العمل بين الموظفين، ما يجعل الوقت المهدور خارج العمل أكثر من المعدل الطبيعي.

مقالات ذات صلة

من هم في داخل الوظيفة لديهم نظام حياتي يصعب أن يتصوره من هم خارجها، فللموظف طقوسٌ وأوقاتٌ شخصية لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال، وتلك الأوقات قد تختلف من موظف لآخر لكنها أصبحت سلوك حياة، لأسباب تخص العمل المطلوب مرّة، ومرّة لأسباب أخرى.

من 8 إلى 8:45

ترى منال (38 سنة)، وهي موظفة في وزارة النقل، أن ساعات العمل الفعلية تختلف من موظف لآخر، لكن الجميع يتفق على أن ثمة ساعة للإفطار لا يمكن التخلي عنها، فهذه الساعة هي جزء من الروتين اليومي.

عادةً ما يبدأ تدفق الموظفين عند الساعة الثامنة صباحاً أو بعدها بقليل، وفي هذا الوقت يتجمّعون داخل غرفهم قرابة 45 دقيقة كمعدل من أجل وجبة الإفطار، يتبادلون الأحاديث والشاي والأكل.

“الطعام الصباحي أحد طقوسنا في العمل. في بعض الأحيان يمتعض المدراء من هذه الحالة، وفي الغالب هم محقون” قالت منال لـ”جمّار”.

ويأتي امتعاض المدراء من أن استقطاع نحو 45 دقيقة من ساعات الدوام لتناول الفطور قد يتسبّب بإرباك العمل، ولكن أغلب الموظفين يتفقون على أنهم لا يستطيعون مواصلة بقية الساعات بمزاج جيّد من دون وقت الفطور هذا، ويذهبون إلى أنه لا يؤثر على إنجاز أعمالهم التي يتسع لها الوقت المتبقي من الدوام.

“لم يصدف أن شعرت أن هذه الساعة من شأنها أن تعطل عمل الوزارة”، أضافت منال.

ويعزو موظفون تحدثنا معهم إصرارهم على تناول الفطور داخل الدوائر في الساعة الأولى من الدوام إلى أنهم لا يستطيعون تناوله في منازلهم لأنهم يخرجون في وقت مبكر جداً لتفادي الزحامات المرورية التي تبلغ ذروتها في الساعات الأولى من الصباح.

من 9 إلى 10

“من الطبيعي أن نعتبر هذه الساعة في الدوام هي الأهم”، يقول أبو فرح (34 سنة)، وهو موظف في الهيئة العامة للضرائب.

في هذه الساعة يكتمل كادر العمل ويصل المدير ويبدأ المراجعون بالتوافد من أجل إنجاز معاملاتهم.

يُنظر إلى هذه الساعة على أنها وقت الذروة في جميع دوائر الدولة، وفيها ينهمك جميع الموظفين بإنجاز مهامهم، باستثناء أولئك الذين لا عمل لهم أصلاً، فيقضون وقتهم في الممرّات والتنقل بين الغرف.

“للأمانة أقول، بعد وجبة الفطور يبدأ عمل فعلي، قد يستمر ساعة أو أكثر، خصوصا نحن دوائر خدمية تتعامل مع المواطن بشكل مباشر، فأي تقصير ينتبه له بسهولة”، أضاف لنا أبو فرح.

من 10 إلى 11

تنقسم الدوائر في هذا الوقت بالتحديد، كما يرى أبو فقار (47 سنة) الموظف في دائرة جنسية مدينة الصدر، إلى قسمين، فثمة دوائر يبدأ فيها وقت الثرثرة وتبادل الأحاديث والغيبة.

“الأحاديث في هذا الوقت تحديداً تكون عن باقي الموظفين، وقد لاحظت ذلك في أكثر من دائرة” قال أبو فقار.

أما القسم الآخر فهي الدوائر التي تستمر فيها ذروة العمل في هذه الساعة، ولاسيما الدوائر الخدمية والتي يتوافد إليها المراجعون.

ويشير أبو فقار إلى أن هناك موظفين على استعداد لإهمال عملهم من أجل الثرثرة، ملقياً على المدراء مسؤولية الانتباه لهذا الوقت، باعتباره يشهد تزاحم المراجعين القادمين لإنجاز معاملاتهم.

من 11 إلى 12

قضى أبو زهراء (53 سنة) نحو 35 عاماً في دوائر الدولة، وهو حالياً موظف في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ويعد نفسه فاهماً لسلوك الموظفين.

“عاصرتُ كل التحولات الوظيفية في البلاد. هذا الوقت أشبه بالوقت الميت. الموظف في هذا الوقت لا يعمل إلا ما ندر. من يعمل في هذه الساعة هو الموظف الذي تأخر عمله”، قال أبو زهراء.

في هذه الساعة تبدأ عادة فترة الملل والكسل والوشايات والمهاترات، ويبدأ التسرب من الدائرة، فبعد إكمال 3 ساعات عمل يُسمح للموظف بأخذ إجازة زمنية.

“كما يعرف الجميع أن نسبة كبيرة من الموظفين يخرجون بإجازات زمنية في هذا الوقت. يبقى تقريبا 60 بالمئة من الموظفين فقط، أو في بعض الدوائر يبقى 70 أو 80 بالمئة في أفضل الأحوال إذا كان هناك تفتيش”، أضاف أبو زهراء.

يستغل معظم الموظفين هذا الوقت في شرب القهوة أو الشاي، فهم لا يحبون العمل في هذه الساعة أكثر من حبهم التنقل بين الغرف والأقسام وسماع الأخبار ونقلها وما شابه ذلك، وفقاً لأبي زهراء.

من 12 إلى 1

ينقضي الجزء الأول من هذه الساعة في العبادة، حيث يجهز أغلب الموظفين وضعهم للوضوء والصلاة، وفي العادة تأخذ هذه العملية الثلث الأول من الساعة، بحسب أم زينب (49 سنة) الموظفة في وزارة الإعمار والإسكان.

وتقول أم زينب إن معظم الموظفين الرجال يصلون في العمل، وإذا توفر في الدائرة مصلى للنساء فسيصلين فيه، لأن الموظف يعود في وقت متأخر إلى المنزل بسبب الزحامات، ما يفوّت الصلاة عليه.

وأمام الصلاة لا يستطيع المراجع أو المدير الاعتراض، فهي فريضة دينية لا يجرؤ أحد على لوم من يؤديها حتى لو على حساب العمل.

أما الثلثان الأخيران من هذه الساعة فيستغلها الموظفون إما في الأكل والحديث، أو استعراض بعض الأعمال خارج العمل.

وفي العادة يسود الهدوء الدوائر في هذا الوقت، فيمسك الموظف هاتفه المحمول وينشغل بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة للمشي والتنقل بين الغرف وزيارة الزملاء، انتظاراً لوقت الخروج من العمل الذي بات قريباً، ونادراً ما يعمل أحدهم في الوقت هذا، كما تفيد أم زينب.

من 1 إلى 2

“لا أتذكر أنني عملت في هذا الوقت” يقول حسن (43 سنة) الموظف في هيئة الإعلام والاتصالات.

يرى حسن أن من الطبيعي أن يكون الموظف قد أنهى كل أعماله لهذا اليوم في هذا الوقت، وهذه الساعة تكون مملة في العادة ويرغب جميع الموظفين في حذفها.

“جزء من طقس العمل الروتيني أن تتبدّد هذه الساعة بأي طريقة ممكنة. في بعض الأحيان يذهب الموظف للحصول على إجازة زمنية في هذا الوقت لكي يصل إلى البيت قبل أن تشتد الزحامات المرورية” يضيف حسن.

ومع ظهور التعب والملل في هذه الساعة، يقفل بعض الموظفين مكاتبهم، وينتظرون انقضاءها وانقضاء الساعة الأخيرة من العمل التي تعد الأقسى.

“يتناقل الموظفون الأخبار عند هذه الساعة، وأغلبهم يكون الهاتف صديقهم الأثير. ملل وضجر لا يمكن تصوره ينال من الموظف في هذا الوقت، أنا أعتبرها ساعة ضائعة من العمر”، يختتم حسن حديثه لـ”جمّار”.

من 2 إلى البصمة

وفقاً لأمير (41 سنة) لا تتجاوز مدة انتظار بصمة الانصراف 30 دقيقة بعد الساعة الثانية مساء.

يعمل أمير موظفاً في وزارة الموارد المائية، ويروي لـ”جمّار” تفاصيل الدقائق التي تسبق البصمة.

تتضمن هذه الدقائق التجمع في مكان البصمة ومن ثم الانتشار بين سيارات الخطوط والسيارات الخاصة بعد التبصيم.

“لا أتصور أن هناك موظفاً يعمل في هذا الوقت، بل من المستحيل، إلا إذا كان في موقع مسؤولية ولديه أمر مهم. في هذا الوقت كل الذي نفعله التفكير في فطور الغد أو الاتفاق على شيء ما يخص العمل” قال أمير.

مقالات ذات صلة

“هذه المدة يتراوح مزاجها بين الهدوء وبين صخب انتظار البصمة. لا يمكن العمل فيها. لقد انتهى وقت العمل قبلها بساعة. كل الموظفين في العراق لا عمل لديهم في هذا الوقت إلا الاستثناء الذي تحدثت عنه، لا أعتقد أن من المناسب العمل. لا ذهنياً ولا جسدياً ولا نفسياً يكون الموظف مستعداً لعمل شيء في هذا الوقت”، أضاف أمير منهياً الحديث عن ساعات عمل الموظفين في العراق.

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...