"شريكي" و"شكارة '' و''اكتيفي''.. هذه بعض كلمات يرددها اليوم شباب جزائري يحمل قاموسه اللغوي الجديد ألفاظا وكلمات جلها مستوحى من اللغة الفرنسية، والبعض منها مأخوذ من اللغة العربية التي لا يتمكن منها شباب هذا البلد فصاحة ولسانا إلا القلة القليلة التي تتحدث بهذه ''اللغة الرسمية للدولة الجزائرية''، والحديث بها في الغالب لا يكون إلا في مناسبات علمية وأدبية أو أثناء ممارسة الوظائف التعليمية والتربوية. أما خارج هذا الحيز فيغلب على التعاملات اللغوية في الإدارة الجزائرية مثلاً بالإضافة الى العديد من المؤسسات والهيئات الرسمية التعامل لغة وكتابة بالفرنسية، التي ما زالت لحد الآن بنوك جزائرية ومراكز تعليمية تتعامل في تقاريرها ومراسلاتها الإدارية بها. ولا يستثني هذا حتى الفئة الشبابية المتعلمة بالمدارس والجامعات.
السياسة عجزت
يميل الجيل الأول للمجتمع الجزائري بعد الاستقلال إلى اللغة الفرنسية، رغم مجهود الدولة آنذاك في تعريب تعاملاتها. كان هواري بومدين قال في أحد خطاباته ''يجب ألا تبقى اللغة العربية لغة شعر وغزل وأن تتطور وتكون لغة التعامل في مركب حجار"، وكان الرئيس يقصد أن العربية يجب أن تكون لغة التصنيع والإنتاج، لأن الجزائر في فترة السبعينات من القرن الفائت كانت تشهد ثورة صناعية تتطلب لإنجاح مشاريعها موارد وكفاءات بشرية تستمد شرعيتها من شرعية الثورة واللغة.
غير أن رياح العقد الذي تلا، مع إقرار التعددية السياسية والإعلامية، كانت متعجلة، ووجدت دعماً كبيراً من تيار فرانكفوني فتح له مناخ التعددية الانتشار داخل السلطة، وسجلت النخب آنذاك تقصيراً ما زال متواصلاً لحد الآن في الاهتمام باللغة العربية، مع أن الدستور يعتبر العربية اللغة الرسمية للدولة. ثم أن الكثير من النخب الأكاديمية والسياسية التي تتحفظ في الجزائر على إصلاحات طالت المناهج التربوية في قطاع التربية الوطنية خلال الآونة الأخيرة، تعتبر أن التدهور الحاصل في واقع اللغة العربية مرده تقصير وفشل السياسات في استقطاب الشباب الجزائري للفصحى ما يبقيه حبيس كلمات ''الشارع'' التي يرددها أمام أعين المعلمين الذين يدرّسون باللغة العربية و يجدون صعوبات في إيصالها، بينما الشباب (75 في المئة من السكان) فيستعمل الفرنسية وإن كان لا يتقنها أو يحسن كتابتها، ويتثبت بها الكتابة برموز مختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي فمثلا "السلام عليكم" يختصرها العديد من الشباب في Slt على صفحات "فايسبوك".
في دلالات قاموس الشباب الجديد
الكثير من الكلمات الموظفة والمستعملة، تحمل معاني تقترب أكثر من خصوصية مرحلة الشباب التي تميل إلى الدينامية والعفوية، فعلى سبيل المثال كلمة "شريكي" من أكثر الكلمات التي يرددها الشباب الجزائري في تعاملاته وعلاقات الصداقة، ويُقصد بها الذي يشاركك في أي شيء سواء كان محل الشراكة مادياً أو معنوياً، ولا تعبر الكلمة بالضرورة عن الشراكة المالية والمادية، بل تستعمل في الحديث من باب اللطافة، فبدل أن يقول الشاب لصديقه صديقي جمال مثلاً، بقول له '' شريكي جمال نتلاقو غذوة ان شاء الله...''، في مزيج بين الفصحى والدارجة. أما كلمة ''الشكارة '' مثلا فيقصد بها صاحب المال. والكلمة صارت أكثر تداولاً في الحقل السياسي في إشارة إلى أصحاب المال الذين يسيطرون على قنوات العمل السياسي بالبلاد .
يرى أستاذ محاضر في علم الاجتماع، وباحث مهتم بالاتصال الاجتماعي بجامعة عبد الحميد بن باديس بالجزائر، الدكتور العربي بو عمامة، أن السبب في كل ذلك هو ضعف مؤسسات التنشئة الاجتماعية بالاضطلاع بعملية التلقين الأولى التي تكون حول اللغة العربية ويرى أن الإعلام الجزائري الذي يشهد تعددية تكتنفها نقائص مهنية بالجملة يشترك في عدم الاهتمام بإبراز العربية.
اللغة المستخدمة مضطربة اذاً، لأن الكثير من الشباب الجزائري يستعصي عليهم التمكن من العربية الفصحى كما من اللغة الفرنسية!
هل دسترة العربية حل للقضاء على الفوضى اللغوية ؟
وفي الوقت الذي يتخبط فيه الشباب الجزائري والمجتمع ككل في فوضى لغوية تطال أجيال اليوم من الأطفال المتمدرسين، الذين يفاجئون بضغوط أخرى عليهم من قبل أوليائهم لتطليق الشعب الأدبية والالتحاق بالعشب العلمية، بمجرد نجاح المتمدرس في امتحانات التعليم الأساسي (الابتدائي)، يبقى قاموس كلمات الشارع المتداول بين الشباب فاضح لما يروج من نتائج في ترقية اللغة العربية بالجزائر، وإعطائها المكانة الهامة في مؤسسات الدولة التي رسّمت هذه اللغة في الدستور الجديد، وجعلت لها مجلسا خاصا ("المجلس الأعلى للغة العربية") يمارس صلاحياته تحت إشراف رئاسة الجمهورية ويبدو أن الخطوة جاءت لإخماد النقاش الحاد بين النخب والأحزاب السياسية حول قرار وزارة التربية بإقرار التعليم باللغة الدراجة بالمؤسسات التربوية.. وهو القرار الذي تراجعت عنه الحكومة بعد ذلك بشكل رسمي.