الفضاء الرقمي في مصر.. ساحة لممارسة الابتزاز والتحريض الذكوري

عرفت عمليات الابتزاز الإلكتروني توسعاً كبيراً، بدء من "ابتزاز ما بعد العلاقات"، أي وقوع الفتيات تحت وطأة التهديد من الشريك السابق بنشر صور حميمة أو مشاركة تفاصيل تخص الضحية، إلى الرصد العشوائي وتتبع الصفحات الشخصية التي تقوم بنشر محتوى معين على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يكون هناك سابق معرفة بالشخص المستهدَف.
2023-04-18

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
التحرش الالكتروني

عن وضع المرأة في منطقة الشرق الأوسط، يخبرنا نزار قباني قائلاً: "فشرقكم يا سيدي العزيز، يحاصر المرأة بالحراب، يبايع الرجال أنبياء، ويطمر النساء في التراب.." غيّر التطور التكنولوجيّ السريع السلوك الإجرامي وأساليب الجريمة، وباتت وسائل التواصل الاجتماعيّ مسرحاً جديداً لها، واضعةً النساء والفتيات على وجه الخصوص في مرمى التحرشات الجنسيّة والابتزاز والتهديد. العنف الرقمي أو الإلكتروني هو امتداد للقهر الذي تواجهه المرأة في العالم الحقيقي، فوفقاً لدراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة (1) في عدة بلدان عربية، فإن العنف الإلكترونيّ هو أحد أكثر أشكال العنف التي تمّ الإبلاغ عنها خلال الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19. كما تشير الدراسة إلى أنّ نسبة 49 في المئة من مستخدمات الإنترنت في الدول العربية أخبرن عن تعرضهنّ للعنف الرقمي وعدم الشعور بالأمان بسبب التحرش عبر منصات التواصل الاجتماعي.

 شهدت مصر في الآونة الأخيرة تزايداً في نسبة هذا النوع من حملات العنف، وهي جرائم تلحق أضراراً نفسية جسيمةً قد تدفع النساء اللواتي تعرضن لها إلى محاولة الانتحار خوفاً من الأهل والمجتمع، كما حدث مع "بسنت خالد" (17 عاماً)، ضحية الابتزاز الالكتروني التي أقدمت على إنهاء حياتها بسبب نشر صور عارية مفبركة لها على موقع فيسبوك من قبل شابين بغرض ابتزازها بعد أن رفضت الدخول في علاقة معهما. رحلت الفتاة لأنها عاجزة عن وضع حد لفوضى الأحكام المسبقة ولم تتحمل حديث أهالي قريتها عنها وعدم تصديق روايتها، تاركة رسالة وداع مؤثرة لوالدتها.

هجمات إلكترونية

من الملاحظ أن عمليات الابتزاز قد عرفت توسعاً كبيراً، بدء من "ابتزاز ما بعد العلاقات" أي وقوع الفتيات تحت وطأة التهديد من الشريك السابق بنشر صور حميمة أو مشاركة تفاصيل تخص الضحية، إلى الرصد العشوائي وتتبع الصفحات الشخصية التي تقوم بنشر محتوى معين على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يكون هناك سابق معرفة بالشخص المستهدَف. تؤكد "آية منير"، مؤسسة مبادرة "سوبر وومان"، بأن هذه الهجمات تتم بشكل منظم من خلال مجموعات منتشرة على منصات التواصل ومنها "تليجرام".

قام طالب في جامعة سيناء بالتحريض ضد زميلته على إحدى هذه المجموعات، من خلال نشر صورة لتعليق لها يحمل آراءً دينية، وقد قام بإرفاق اسمها وحسابات أفراد عائلتها ورقم هاتفها. كان هذا المنشور كافياً لتعرضها لهجوم عنيف وإحالتها للتحقيق الإداري بالجامعة بتهمة "ازدراء الأديان" على خلفية ذلك التعليق المنسوب إليها.

تقول وزارة الداخلية أنها تجد صعوبة في التحريات ويتعذر عليها الوصول إلى القائمين على هذه المجموعات. للمفارقة، في الوقت ذاته، تتمكن الوزارة من رصد الفاعلين والناشطين على مجموعات "تليجرام" في القضايا التي تخص السياسة أو الأمن الوطني. 

تقول "منير" أن المجموعات الناشطة على تطبيق "تليجرام" كانت في البداية تستهدف أصحاب الآراء الدينية المنبوذة مجتمعياً، ومن ثم شنّ حملات تشويه وإثارة للرأي العام ضد كل من يتبنى هذه الآراء سواءً من الرجال أو النساء، بمجرد العثور على محتوى من هذا النوع. لكن بعد ذلك، بدأت هذه الحملات تتجه نحو استهداف الفتيات الصغيرات لسهولة الإيقاع بهنّ سواء بتتبعهنّ أو باستدراجهنّ، بخلاف المهتمات بالعمل النسوي اللواتي يمتلكن الأدوات والوعي فيما يتعلق بالعنف الرقمي وبالتالي من الصعب استخدام نفس أساليب الاستدراج معهن.

على مستوى الحقوقيات والناشطات النسويات، تخبر يعضهنّ كيف اضطررن لإغلاق صفحاتهنّ الشخصية بسبب الهجوم العنيف على بياناتهنّ وتعرضهنّ للتشهير. كما توجد على منصة "تيك توك" حساباتٌ تقوم بشراء صور لسيدات تحصلوا عليها من علاقات بعض الأشخاص السابقة بهنّ، ويتم إبرازهنّ كعاملات بالجنس التجاري مع نشر أرقام هواتفهنّ الخاصة.

تفويض مجتمعي

بدلاً من مساندة الضحية، يقف المجتمع المحافِظ ضد النساء على طول الخط، وهو الواقع الذي يستغله القائمون على عمليات الابتزاز في ممارسة التهديدات على الفتيات والشابات، ما يسهل على المجرم تنفيذ مهمته وتتحول الضحية إلى متهمة تواجه وحدها النظرة الدونية.

كثيراً ما تعتبر الفتاة أن الانتحار هو المخرج من الأزمة في حال تعرضها للابتزاز الإلكتروني، فغالباً ما تعاني من ثقافة "لوم الضحية" والأنماط المجتمعية التي قد تدفع الأهالي إلى معاقبة الفتيات بالضرب أو الحرمان من التعليم. علاوة على ذلك تعزز فكرة "الخوف من الفضيحة" عند الأهالي من التساهل في الانتقام منهنّ وممارسة الوصاية عليهنّ.

في أكثر من واقعة قتل للنساء، نجد أن الابتزاز الإلكتروني كان أحد الأدوات المستخدمة من القاتل في ارتكاب جريمته، أي أنه كان شريكاً رئيسياً في الجريمة. ولكن الخوف منع الفتاة التي كانت تتعرض له من الإعلان عن ذلك، فقد سبق الابتزاز ذبح الشابة "نيرة أشرف" طالبة جامعة المنصورة حيث قام القاتل بإنشاء عدة حسابات على موقع فيسبوك، بعضها يحمل اسمها وصورها وذلك حين رفضت الارتباط به، كما أنها تلقت تهديدات إلكترونية بالقتل قبل وقوع الجريمة.

أين القانون؟

حول الطبيعة القانونية لهذه الجرائم، يتحدث المحامي والباحث الحقوقي "ياسر سعد" - وهو أحد المحامين الذين يتولون قضايا الابتزاز الإلكتروني – بأننا أمام أكثر من جريمة وفقاً لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية: الابتزاز، الملاحقة، التحرش، السب والقذف، بالإضافة إلى إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن هذه الجرائم هنا تتعدى المساحة الإلكترونية، لترتبط أحياناً بالتهديد أو الشروع في القتل طبقاً للقانون العام حيث يتم تعريض الفتيات إلى مخاطر داخل مجتمعاتهنّ الخاصة قد تطال حياتهنّ. يضيف المحامي بأن عدداً قليلاً من الفتيات قمن بالتقدم ببلاغاتٍ على حسب إقامة المرأة المعنيّة.

 أما بالنسبة للتحركات القانونية الداعمة للنساء والفتيات اللواتي تعرضن لمختلف أنواع الانتهاكات الرقمية، فقد تقدمت "مؤسسة القاهرة للتنمية والمساواة" ببلاغ (2) للنائب العام ضد القائمين على إحدى مجموعات "تليجرام" المسماة "دشمل"، بسبب التحريض على المواطنات وتهديد أمن النساء والفتيات، مطالبةً بسرعة الكشف عن هوية المجرمين.

وجاء في بيان المنظمات النسوية والأحزاب المتضامنة (3) ما نصت عليه المادة رقم 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق شبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أخباراً أو صوراً وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص".

أقدمت الشابة على إنهاء حياتها بسبب نشر صور عارية مفبركة لها على موقع فيسبوك من قبل شابين بغرض ابتزازها بعد أن رفضت الدخول في علاقة معهما.

تقول وزارة الداخلية أنها تجد صعوبة في التحريات ويتعذر عليها الوصول إلى القائمين على هذه المجموعات. للمفارقة، في الوقت ذاته، تتمكن الوزارة من رصد الفاعلين والناشطين على مجموعات "تليجرام" في القضايا التي تخص السياسة أو الأمن الوطني.

من جهة أخرى، تُرجع "اَية منير" السبب وراء عدم وجود أحكام كثيرة في قضايا الجرائم الإلكترونية إلى أن المرتكب بدأ في امتلاك الوعي الذي يمكّنه من تعطيل أو حذف حساباته الشخصية، وبهذا تنتهي القضية، وهو ما يحدث غالباً. في ظل حالة الفوضى والانتشار الواسع للظاهرة، تخشى الفتيات التقدم ببلاغات خوفاً من تسرب أي معلومة إلى أحد أفراد العائلة.

 خصوصاً أنه صار إلزامياً عودة المحاضر إلى الجهة التابعة لمحل الإقامة. يشير هذا الأمر إلى الحاجة الملحة لإيجاد حلول بديلة في هذا الملف الذي تهتم به مبادرة "سوبر وومان"، مؤكدة على أهمية تواصل الجهود والاستفادة من التجارب الأخرى، قائلة: "نحن مستمرات، حتى لو القانون غير قادر على إنصافنا". 

______________________

1 - Summary_Keyfindings_Arabic_Final_2022.pdf (unwomen.org)
2 - بلاغ مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون: بلاغ للنائب العام يتهم جروب تليجرام بالتحريض والإساءة للنساء و تهديد الأمن والسلم الاجتماعى - CFDL Portal
3 - بيان مشترك .. عن الإساءة الإلكترونية ضد النساء والفتيات على تطبيق تليجرام ومطالبات بالتحرك القانوني العاجل ضد المجرمين Aredaonline.com 

مقالات من مصر

للكاتب نفسه