أواخر آذار 2022، وبعد استقرار دام لعامين، قرر البنك المركزي الأردني رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة (0.25%)، ومن هنا توالت قرارات الرفع على مدار أشهر، كان آخرها قبل أيام عندما رفع المركزي سعر الفائدة 25 نقطة، ليرتفع سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي خلال عام من 2.5% قبل آذار 2022 إلى 7% حاليًا. وجاءت هذه الزيادات في أعقاب قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة تسع مرات خلال عامٍ واحد، في إطار محاولاته كبح جماح التضخم في الولايات المتحدة.
وقد انعكس رفع سعر الفائدة محليًا على نسب فوائد القروض، إذ قامت البنوك التجارية برفع أسعار الفائدة على الودائع لديها، وكذلك على القروض بما فيها تلك التي كان المقترضون قد حصلوا عليها قبل قرارات البنك المركزي، ما أثار تساؤلات حول مدى قانونية وأحقية البنوك التجارية برفع الفوائد على عقود الاقتراض القديمة، أي التي أبرمت بين البنك والمقترض قبل صدور قرارات رفع أسعار الفائدة من البنك المركزي.
مسّت هذه القرارات شريحة واسعة من الناس، إذ إن عدد المقترضين من البنوك التجارية بلغ عام 2021 حوالي 1.22 مليون شخص، وبزيادة حجمها 4.3% عن العام السابق، أي 50 ألف مقترضٍ جديد، ما انعكس بالتالي نموًا في مديونية الأفراد للبنوك. ورغم أن البنك المركزي الأردني لم يصدر بعد أرقامه بهذا الخصوص للعام 2022، إلا أن تتبّع أعداد المقترضين الأفراد خلال الأعوام الماضية يشير إلى زيادة أعدادهم من عامٍ لآخر.
وفضلًا عن الأعداد، ثمة زيادة في حجم عبء الديون؛ أي في نسبة العبء الشهري لمديونيّة الأفراد من دخولهم، والتي تقاس بقيمة الأقساط والفوائد الشهرية التي يدفعها المقترض نسبة إلى دخله الشهري المنتظم، ويعتبر البنك المركزي هذه النسبة من أهم المؤشرات لقياس مخاطر مديونية الأفراد على البنوك وعلى أنفسهم، حيث يؤدي ارتفاعها إلى آثار سلبية على الاستقرار المالي والاقتصادي، ويتسبب في تراجع قدرة الأفراد على سداد القروض والاستهلاك والشراء، ما ينتج عنه آثار سلبية عامة على الاقتصاد.
وتشير تقارير البنك المركزي للسنوات السابقة إلى ارتفاع نسبة العبء الشهري من 42.5% إلى 45.1% بين 2018 ونهاية 2021. لم تصدر بعد الأرقام المتعلقة بالعام 2022، كما لم يجب البنك المركزي الأردني على أسئلة «حبر» فيما يتعلق بعبء الديون على الأفراد بعد ارتفاع أسعار الفائدة خلال العام الماضي، لكن في كل الأحوال، يعتبر المركزي أن عبء الديون مقبول بالمقارنة مع المعايير الدولية. وإن كانت أرقامه لعام 2021 تظهر أن مديونية الأفراد في الأردن تعدّ مرتفعة بالمقارنة مع بعض الدول العربية المحيطة، حيث احتل الأردن ثاني أعلى نسبة في عبء الديون بين دول البحرين ومصر والسعودية والإمارات وعمان والكويت.
هل يحق للبنوك رفع الفائدة على المقترضين؟
رفعت البنوك التجارية الفائدة على المقترضين عدة مرات خلال العام الماضي، وصلت في بعض الأحيان إلى ضعف النسبة المتفق عليها عند إبرام عقد القرض بين البنك الدائن والفرد المدين، ما يعني أن مبالغ إضافية ستترتب على المقترض إمّا على شكل زيادة في قيمة القسط الشهري، أو زيادة ملحوظة في قيمة القسط الأخير للقرض، وهو ما يشكل أعباء إضافية على الأفراد المقترضين. فهل يحق للبنوك أن تنفرد بقرار رفع الفائدة على القرض دون موافقة المقترض؟
منح القانون للبنك المركزي سلطة تحديد الحد الأدنى والأعلى لمعدلات الفوائد والعمولات التي تتقاضاها البنوك ومؤسسات الإقراض من العملاء. لكنه في الوقت نفسه نصّ على ألا يكون لتعليمات وأوامر البنك المركزي بهذا الخصوص مفعول رجعي.
وكانت محكمة التمييز الأردنية، وهي أعلى هيئة قضائية، أصدرت قرارًا أواخر عام 2019 لصالح شخص حصل من أحد البنوك على قرض سكني ثم رفع البنك قيمة الفائدة المطلوبة عما هو متفق عليه في العقد. وجاء في قرار المحكمة أن أسعار الفائدة الجديدة في حال رفعها من البنك المركزي تسري على العقود الجديدة فقط، وأن العبرة تكون لما تم الاتفاق عليه عند التعاقد، فلا يستطيع البنك بإرادته المنفردة رفع سعر الفائدة عن المتفق عليه في العقد في ظل صدور قرار جديد من البنك المركزي برفع الفائدة، فإذا اتفق الطرفان على سعرٍ معين للفائدة فلا يجوز أن يستقل الدائن برفعه. مضيفًا أن سلطة البنك المركزي في إصدار الأوامر والقرارات لتحديد الحد الأعلى والأدنى للفوائد، لا يعني بحال من الأحوال أن قراراته هذه قواعد عامة تسري على العقود السابقة لإصدار القرارات.
في المقابل، يقول مدير عام جمعية البنوك الأردنية، ماهر المحروق، لـ«حبر» إن العقود المبرمة بين البنوك والمقترضين تتضمن بندًا يمنح البنك الحق في رفع نسبة الفائدة وفقًا لقرارات البنك المركزي برفعها. يُذكر أن قرار محكمة التمييز كان قد تناول هذه المسألة، إذ جاء فيه أن العقود السابقة على قرار رفع الفائدة تبقى محكومة بالاتفاق الجاري بين الطرفين، وتخضع للقوانين التي نشأت في ظلها، ولا يغيّر من ذلك أن يردَ شرطٌ في العقد يخوّل البنك برفع نسبة الفائدة المتفق عليها دون موافقة جديدة من المقترض.
من جهة أخرى، أثار رفع البنوك لسعر الفائدة على المقترضين جدلًا ونقاشًا في مجلس النواب حول مدى قانونية هذا الإجراء وسلامة العقود المبرمة مع البنوك، إذ وصفها بعض النواب بأنها «عقود إذعان»، أي تلك التي تنفرد بعض الجهات الحكومية أو الشركات الاحتكارية في إملاء بنودها أو شروطها، فيما لا يملك الطرف الآخر إلا قبولها أو رفضها دون إمكانية للمفاوضة أو النقاش كما يحدث في العقود العادية. ومن الأمثلة على عقود الإذعان عقود خدمات الهاتف والماء والكهرباء، والتي غالبًا ما يقبل الطرف الآخر بها كما هي نظرًا لحاجته الماسة للسلعة أو الخدمة.
لكن البنوك بدورها تردّ قائلة إن هذه العقود مصاغة وفقًا لتعليمات التعامل مع العملاء بعدالة وشفافية، والصادرة عن البنك المركزي، وهي عقود «قانونية ودقيقة». أمّا النائب المحامي صالح العرموطي فيشير إلى إن عدة قرارات سابقة من المحاكم أكدت أن وجود شرط في العقد يخول البنك برفع سعر الفائدة دون موافقة المقترض هو أمر مخالف للنظام العام، قائلًا إنه «متى ما كان الشرط مخالفًا للنظام العام فهو شرط باطل، لا يعول عليه ولا يؤخذ فيه، حتى لو وافق عليه المقترض»، مطالبًا البنك المركزي بإصدار تعليمات للبنوك التجارية للالتزام بقرارات المحاكم.
استقلال البنوك المركزية يبعث على الخوف
12-11-2018
يوافق المحامي المختص بالقضايا المالية عبد الله الشنّاق على ما ذهب إليه العرموطي، معتبرًا أن رفع نسب الفائدة على القروض السابقة لقرارات البنك المركزي إجراء غير قانوني، استنادًا إلى أحكام المادة 44 من قانون البنك المركزي، التي تنص على ألّا يكون لتعليمات وأوامر البنك المركزي، مثل قرار رفع الفائدة، مفعول رجعي. فيما يرى المستشار القانوني لجمعية البنوك، عبد الناصر الرحاحلة، أن هذه المادة تأتي ضمن مجموعة قوانين تنظم العلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية، وليس بين البنوك والعملاء: «هذا القانون ما إله علاقة بالإقراض والمقترضين».
وقد رفض محافظ البنك المركزي عادل الشركس التعليق لـ«حبر» على سبب عدم إصدار البنك المركزي تعميمًا للبنوك التجارية يمنعها من رفع الفائدة بمفعول رجعي على القروض القديمة، تماشيا مع قرارات محكمة التمييز، وبما يسهل على المقترضين ويوفر عليهم المال والوقت والجهد، مكتفيًا بالقول إن «هذا قرار محكمة يُحترم ولا يعلق عليه».
ما الذي يمكن للمقترض فعله؟
ثمة خيارات عديدة يمكن السير فيها في حال رفع البنك نسبة فائدة القرض المتفق عليها سابقًا دون موافقة جديدة من المقترض، أولها التفاوض المباشر مع البنك من أجل تخفيض سعر الفائدة على القرض ما أمكن، إذ تقبل بعض البنوك أحيانًا تخفيضها، لكن هذا الخيار غير مضمون، كما لن يمنع البنك من رفع الفائدة مرة أخرى فيما لو صدرت مستقبلًا قرارات من البنك المركزي برفع سعر الفائدة.
الخيار الثاني، هو تقديم شكوى للبنك المركزي الأردني، لكن يبدو أن هذا الخيار ليس مجديًا حتى الآن، إذ سبق وصرّح مدير مديرية حماية المستهلك في البنك المركزي، رجا الخوالدة، أوائل هذا العام، أنهم يتعاملون مع جميع الشكاوى الواردة إليهم ويتحققون من صحتها، معلقًا على رفع البنوك لأسعار الفوائد دون موافقة جديدة من المقترضين بالقول إن العقد شريعة المتعاقدين، وأن المقترض أتاح للبنك مسبقًا عبر العقد بينهما رفع أسعار الفائدة وفقا لقرارات البنك المركزي.
ثالث الخيارات، وأكثرها جدوى على ما يبدو، هو السير في الإجراءات القضائية، إذ ينصح المحامي الشناق المقترض ابتداءً بتوجيه إنذارٍ عدليّ عن طريق المحكمة للبنك التجاري يطالبه فيه بعدم رفع نسبة الفائدة أو قيمة الأقساط «كونه عقد سابق لقرار رفع الفائدة» من البنك المركزي. مضيفًا أنه في حال عدم استجابة البنك للإنذار، فإن على المقترض رفع دعوى قضائية في المحاكم المختصة، حيث سبق وحكمت المحاكم لصالح المقترضين.
سالي حافظ تنتزع حقّها!
15-09-2022
عمومًا، يرى الشناق أن منع البنوك التجارية من رفع الفائدة بمفعول رجعي على القروض القديمة بحاجة إلى قرار من البنك المركزي، أو عملٍ تشريعي من مجلس النواب، وبحيث يستفيد منه جميع المقترضين دون الحاجة إلى مراجعة المحاكم بشكل فردي منفصل: «بحاجة لتشريع واضح، لإنه قرار المحكمة يستفيد منه صاحب القضية فقط، وفي ناس ما معها ثمن الدعوى بصراحة».