يعمل أمازيغ المغرب على الحفاظ على التراث الثقافي الرمزي بشكل كبير، وهكذا لم تختفِ العديد من الظواهر والعادات القديمة، الضاربة في عمق الزمن، بل وفي ظل تطور مسار الانفراج الأمازيغي العربي، وخاصة مع دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية إلى جانب العربية في المغرب، ورصيدا مشتركاً لكل المغاربة، عملت العديد من القبائل المغربية على إعادة إحياء طقوس وممارسات كانت قد اختفت بسبب انخراطها في الحياة الحديثة.
موسم إملشيل
تشهد إملشيل وهي إحدى المناطق الأمازيغية التي تقع جنوب شرق المغرب، موسماً سنوياً يجذب العديد من الزوار المغاربة والأجانب، يتم تنظيمه بعد فترة الحصاد وقبل بداية الموسم الفلاحي الجديد، ويحتفل خلاله بالخطوبة وبالزواج بشكل جماعي لأبناء المنطقة والمناطق القريبة المجاورة. وهي مناسبة لتبادل الأفكار وانتعاش التجارة والتسوق، بالإضافة إلى إحياء روابط الدم والقرابة بين مختلف قبائل المنطقة، وإصلاح ذات البين بين المتخاصمين.
وتعود طقوس هذا الاحتفال إلى أسطورة أمازيغية ما زالت تتضارب الآراء حول صحة الجزء الأول منها، ويجتمع فيها الواقع مع الأسطورة والخرافة والخيال الشعبي. وهي تحكي عن قصة حب نشأت بين فتاة وشاب من قبيلتين متجاورتين، بينهما عداوة شديدة، ما كان عائقاً أمام زواجهما حيث رفض أهالي العاشقين العلاقة والزواج. فلجأ العاشقان إلى الجبل وبكيا كلاهما بغزارة إلى أن تكونت بحيرتان صغيرتان من دموعهما، باسم إسلي وتيسليت أي العريس والعروسة باللغة الامازيغية، وهما مزار سياحي اليوم بالمنطقة.
وكتعويض على ما حصل في هذه القصة المأساوية، قررت القبيلتان بعد ذلك حسب الأسطورة السماح بتزويج شباب وبنات القبيلتين، وعقد موسم سنوي مخصص لمناسبة الزواج الجماعي، وهي الظاهرة التي دأبت قبائل المنطقة على الاحتفاظ بها إلى يومنا هذا، حيث يفد إلى الموسم شباب وشابات بلباسهم التقليدي لإشهار الخطوبة والزواج بطقوس تقليدية وبمهور رمزية ومناسِبة للقدرات المادية لأغلب شباب المنطقة.
علاوة على تأبيد الأسطورة فهناك انعكاس على الواقع المعيش ومعالجة بعض مشاكل الحاضر من خلال الماضي، وخاصة في ظل غلاء المعيشة وارتفاع نسبة العنوسة بسبب عدم قدرة الشباب على الزواج، وفي ظل انتشار الأمية في الأوساط القروية، وشح فرص العمل، حيث يجد الشباب في الزواج الجماعي بأقل تكلفة فرصة لهم.
وبعيداً عن العائد السياحي للمنطقة، الذي يساعد في تنميتها ويخلق فرص عمل وربح ولو مؤقتة لأبنائها، فثمة انتقادات لموسم الزواج الجماعي، إذ يعتبره البعض سوقا لعرض النساء للزواج بشكل يهين كرامة المرأة، وخاصة وأن مهر الزواج الرمزي وانخفاض سن الزواج كما هي العادة في المناطق القروية، يسهل عملية الزواج، وهو ما يعني زواج قاصرات، وعدم إتمام تعليمهن، بل تحمل مسؤولية بيت وأسرة في سن صغيرة، ومن ثم إعادة إنتاج نمط التفكير والعيش نفسه، وإعادة إنتاج جيل جديد يقبل بما جرت عليه العادة في مجتمعه.
لكن تأثير الحياة الحديثة والتواصل مع الآخر والانفتاح على وسائل التكنولوجيا الحديثة.. كلها أفرزت مؤشرات تغيير في عقلية شباب وفتيات المنطقة وملامح تمرد عند بعض الفتيات ممن تغيرت لديهن النظرة للزواج، وأصبحن يطالبن بالسماح للمرأة في التعبير عن رأيها في الزواج، وعن رغبتهن في إتمام الدراسة، والحصول على الشهادات العليا والوظائف، لكنهن يصطدمن بعائق التقاليد ورغبة الأهل في تزويجهن انصياعاً لقوة العادات والتقاليد.
ومن المرجّح أنه لا يمكن فهم واستيعاب حفاظ بعض المجتمعات على العديد من الظواهر الاجتماعية وإعادة إحيائها، خارج سياقات تطور حقوق الإنسان والاعتراف بحقوق الأقليات بالعالم العربي، وهو ما أعطى دفعة قوية لهذه الأقليات لمحاولتها التشبث بهويتها كمكون للصفات التي تمنحها التفرد والخصوصية، وتضمن لها الاستمرارية وتعزز لديها الإحساس بالانتماء إلى منظومة من القيم المشتركة وإلى نسق خاص بها، ومع هذا بالاستقرار والأمان والخلود. وهناك علاوة على ذلك التواصل بلغة المنطقة..