بدأ سكان مدينة كنكوصة الواقعة جنوب شرقي موريتانيا، بدق ناقوس خطر نضوب البحيرة التي تفصل المدينة، وأطلق بعض النشطاء وسماً يحمل عنوان #أنقذوا_بحيرة_كنكوصة، نشروا من خلاله معلومات عنها وصوراً من الأضرار التي لحقت بها، وظهرت دعوات للتظاهر لحث السلطات المعنية على العمل على الحد من كارثة نضوب البحيرة.
هوامش عن الأزمة
حسب السكان، فإن البحيرة كان ينبغي توسيعها وتعميقها بالحفر، وهو ما أكدته دراسات سابقة. فبغير ذلك ستكون عرضة للنضوب في أي لحظة، فالبحيرة ينخفض منسوب مياهها في المواسم غير المطرية. لكنهم يؤكدون أن أزمتها تفاقمت بسبب قيام "الشركة الموريتانية للأشغال والبناء" MCT التي تشرف على تشييد طريق في المنطقة، بالاعتماد على ماء البحيرة في أشغالها، وهو ما أدى إلى سحب كميات كبيرة من مائها وجعلها تتقلص من طول 10 كلم إلى حدود 1.5 كلم، مما تسبب في نفوق بعض الأسماك. ويؤكد عمّار، وهو ناشط بيئي، على أن الكارثة الأكبر على البحرية كانت أعمال الشركة التي تستنزفها بصورة خيالية، مع عدم تقدم الأعمال للمشروع التي زادت على المدة المحددة لها بـ 22 شهراً، ويرى أنهم يأخذون كميات هائلة من الماء ويسكبونه على الطريق وفي الأخير يغادرون، ويعتقد أن "المشروع المذكور لم يأتِ بالفائدة المرجوّة منه على الساكنة ولم ينعكس إيجابياً على المواطن الضعيف. وكان المستفيد الأكبر تجار كنكوصة الكبار والتجار من خارجها، الذين في كل حصاد يشحنون الشاحنات الكبيرة ويذهبون نحو كيفة ولعيون ونواكشوط".
وكتب محمد الشيخ ولد اسويدات، وهو أحد الناشطين في الحملة المطالبة بالالتفات للبحيرة، على فيسبوك بعض ذكرياته مع بحيرة كنكوصة: "على مر التاريخ والسنين التي عشتها في كنكوصه لم أشاهد بحيرتها بهذا الوضع الكارثي وهذا النضوب بسبب المشاريع الوهمية التي أقيمت على ضفافها وطبل لها الكثير من ساسة المقاطعة وأبنائها متناسين في لحظة تزلفية للرئيس أنها يمكن أن تكون أثرا بعد عين كما هو حالها الآن، ومعتبرين أن الأمر سابقة تجعل من المقاطعة سلة غذائية للمنطقة. ها نحن اليوم نودع تلك المشاريع الوهمية ونودع بحزن وحسرة وأسى بحيرة ارتبطت بوجداننا، بحيرة هادئة وادعة كان البعض منا يأتيه منها عيشه رغدا، كنا نسبح فيها نشرب منها ونغسل ثيابنا ونسقي منها مواشينا. اليوم لا بواكي لها والحزن والأسى يعم الجميع". وتساءل المهندس الهيبة ولد سيد الخير عن وزارة البيئة: "هنالك مناطق رطبة عديدة في موريتانيا تتوفر فيها معايير رامسار، ويمكن اقتراحها بعد إنجاز الدراسات الضرورية مثل بحيرة بوكاري ،وبحيرتي آلاك ومال، وبحيرة كنكوصة وقاعة السوانا..الخ. وبعد أن كانت بحيرة كنكوصة مرشحة لان تكون منطقة رطبة عالمية وفق مقتضيات رامسار ها هي اليوم تصارع للبقاء.. أين وزارة البيئة؟"
البحيرة والسكان والمدينة
يرتبط سكان مدينة كنكوصة والبحيرة بعلاقة وطيدة وشديدة الحميمية، فهي شريان حياة المدينة، حيث يعمل الكثير من سكانها في صيد الأسماك، يبيعه ويأكله، حتى أن جزءاً من سمكها يصدّر للقرى المالية المحاذية للمدينة. فالبحيرة تحتضن أنواعا متعددة من الأسماك تتكاثر أثناء فصل الخريف. ويعتمد البعض على الفرص الزراعية التي تتيحها البحيرة، يزرعون الخضروات وغيرها من المنتجات الزراعية ويوجد في المدينة مزرعة نموذجية لزراعة الخضروات، وهناك من يعتمد عليها في غسل الثياب وسقاية الحيوانات. المدينة رعوية بامتياز، توجد فيها الماشية بمختلف أنواعها ومدينة نخيل أيضاً، تنتشر فيها الواحات الغنّاء، جمال البحيرة يجعلها كذلك مزاراً سياحيا يروق للكثيرين. ويعبر السكان بين ضفتي المدينة بالقوارب، حيث توجد الأحياء القديمة جنوب البحيرة والجديدة شمالها، لأنّ الجزء الأكبر الجنوبي هو الأصل، وفيه المدارس، فالتلاميذ يعبرون النهر صباحاً ومساءً على الزوارق بمقابل مادي زهيد. تعتبر المدينة الهادئة لوحة رائعة من تمازج الفسيفساء الموريتانية، فيسكنها البيظان والحراطون والفلاّن. ويذكر أن الفرنسيين أسسوا فيها قبل خمسين عاما مركزا عمرانيا وشيدوا منازل ومقرات على ضفاف البحيرة، لا تزال قائمة وتعتبر نواة المدينة. علاقة السكان والبحيرة توضح خطورة نضوبها على استمرار الحياة في المنطقة.