تيران وصنافير.. جزر تحيط بها المياه والسياسة

ثلاث جلسات لا أكثر هي عمر نظر الدعوى القضائية المطالبة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة السعودية، والمفضية إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين. ثلاث جلسات شملت تقديم 15 وثيقة رسمية ـ منها ما هو مصري وسعودي ودولي ـ يثبت تاريخية مصرية الجزيرتين، ثلاث جلسات تم توثيق ما جاء بها للتاريخ في مذكرة دفاع ضمت27 الف كلمة تحكي كل منها كيف بدأت القصة، ولكن لم يكن يعرف أحد حقيقة إلى أين تنتهي.
2016-06-29

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
من تظاهرات 25 ابريل 2016 ضد التنازل عن الجزيرتين (محمد الراعي - مصر)

ثلاث جلسات لا أكثر هي عمر نظر الدعوى القضائية المطالبة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة السعودية، والمفضية إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين. ثلاث جلسات شملت تقديم 15 وثيقة رسمية ـ منها ما هو مصري وسعودي ودولي ـ يثبت تاريخية مصرية الجزيرتين، ثلاث جلسات تم توثيق ما جاء بها للتاريخ في مذكرة دفاع ضمت27 الف كلمة تحكي كل منها كيف بدأت القصة، ولكن لم يكن يعرف أحد حقيقة إلى أين تنتهي.
تعلقًت القلوب وانطلقت الدعوات مع إعلان حجز الدعوى للنطلق بالحكم فبي 12 حزيران/يونيو.. إلى أن جاء اليوم الـ "عيد" فحكمت المحكمة ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود، ومن ثَمّ التنازل، وأن السيادة المصرية تستمر على الجزيرتين المصريتين وفق المنطق والقانون والتاريخ.
على الجانب الآخر من القصة، تقف الدولة التي تتمسك بأن موقفها ليس إلا رد الودائع بكرامة وليس تنازلاً بمهانة. فلم يكن من ممثليها إلا الطعن بالحكم والمطالبة بإحالته للمحكمة العليا، والدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري للنظر فى أعمال سيادة، وتدشين خطاب إعلامي جديد يحذر من مغبة تلك الأحكام التي قد تذهب بمصر الى التحكيم الدولي.

حرب الوثائق بساحة المحكمة

في مرافعته القانونية، قال المحامي خالد علي ـ رئيس الفريق القانوني بدعاوى الدفاع عن الجزيرتين ـ إن الدولة تمتنع عن تقديم أي مستند يثبت حجتها بكون الجزر سعودية أو تقديم أصل صور الوثائق التي تقدم بها فريق الدفاع، وبناء عليه ناشد هيئة المحكمة إما مطالبة هيئة قضايا الدولة بتقديم حجتها وإما ان تنتقل هيئة المحكمة مشكورة الى أرشيف المؤسسات الرسمية المذكورة للاطلاع على أصل تلك الوثائق، أو أن تعتبر الصور المقدمة من الدفاع مطابقة للأصل.
ولقد كانت الوثائق التي قدمها هو وفريق واسع من المتطوعين القانونيين أمر يستحق الاهتمام بالفعل. ما بين كتب تاريخية ووثائق رسمية شمل أغلبها رسوماً عسكرية وخرائط توضح تبعية الجزيرتين للحدود المصرية.
جاء على رأس تلك الوثائق أطلس وزارة الدفاع من إعداد المساحة العسكرية عام 2007 وبه أن الجزيرتين جزء من الإقليم المصري، وكذلك أطلس صادر من جامعة كامبريدج عام 1940 حول الحدود المصرية، وأخيراً الأطلس التاريخي للسعودية الذي يرصد بالصور مراحل تأسيس المملكة من الدولة السعودية الأولى ثم الثانية حتى توحيد شبه الجزيرة تحت اسم المملكة عام 1932. تمّ إعداد الأطلس بدار الملك عبد العزيز عام 2000، وكان يرأس مجلس إدارة الدار وقتها الأمير سلمان (الملك الحالي)، والأطلس يضم مئات الخرائط للبحر الأحمر، ولم ترد تيران أو صنافير بأي خريطة منها، إلا خريطة توضح مسار حركة ابن رفادة، التي تحركت من مصر إلى الجزيرة في الثلاثينيات للحرب مع السعوديين. كما أن الأطلس الكتابي ذكر أن جزر السعودية في البحر الأحمر هي "جزر فرسان" فقط.
شملت الوثائق أيضاً محضر اجتماع مجلس الأمن في شباط/ فبراير 1954 الذي ناقش شكوى إسرائيل ضد مصر مِن أنها تتحكم في مضيق تيران، وذكر فيه ممثل مصر أن الجزيرتين مصريتان وأن بلاده تمارس حقوق السيادة عليهما منذ 1906، وأن القوات الحربية المصرية حاربت عليهما في الحرب العالمية الثانية، وأن رفع العلم عليهما لم يكن ضماً أو احتلالاً ولكن لكونهما جزءا لا يتجزأ من الإقليم المصري.

وهم الحقوق التاريخية للسعودية

وقد اهتم الفريق القانوني بتفنيد العديد من الأطروحات التي تدفع بها الدولة لتعضيد موقفها، وعلى رأسها أن للملكة السعودية حقوقا تاريخية بالجزيرتين، وأن الوجود المصري عليها جاء بناءً على طلب ديبلوماسي سعودي بالتدخل لحماية الجزر أمام التهديد الصهيوني عقب 1984.
ما سبق دفع الحقوقي خالد علي ليبدأ مرافعته واصفاً هيئة المحكمة بأنها "الملاذ" أمام ما أسماه "تزييف الجغرافيا والتاريخ بهدف تغيير الوعي الجمعي"، وكشف بالوثائق ما يؤكد سيطرة مصر على الجزيرتين من قبل تأسيس السعودية في 1932. ثم استمرار سيطرة مصر عليهما أيضا بعد هذا التاريخ، وان مصر مارست كامل حقوق السيادة على الجزيرتين باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من إقليم الدولة المصرية.
وانتقل بعد ذلك إلى تفنيد واقعة مراسلة ملك السعودية لمصر عام 1950، وأشار بداية إلى أن هذا الادعاء يزعم أن مصر كانت مقرة بعدم مصرية الجزيرتين، في حين ان الوثائق تعكس غير ذلك تماماً.
وأوضح أنه ببداية عام 1950 وتحديداً يوم 12 كانون الثاني/ يناير أصدر المستشار وحيد رأفت مسؤول إدارة الفتوى لوزارتي العدل والخارجية بمجلس الدولة (وهو المجلس المنظور أمامه الدعاوى حالياً) خطاباً موجهاً الى وزارة الخارجية المصرية يحذر فيه مما جاء على لسان عضو في الكنيست الصهيوني، ونشرته جريدة الأهرام، عن ضرورة سيطرة إسرائيل على جزر بالبحر الأحمر، خاصة أن أيا منها ليس مرفوعاً عليه العلم المصري. هذا الخطاب ("الفتوى") انتقل من الخارجية المصرية للقصر الملكي وتمت ترجمته سريعا الى تحرك للقوات البحرية لرفع العلم المصري على جزيرة فرعون يوم 13 كانون الثاني/ يناير وعلى صنافير يوم 19 كانون الثاني/ يناير ثم تيران بعد ذلك بيومين. في خضم هذه الأحداث، أو بمعنى أدق على هامشها، كانت هناك مراسلات متبادلة بين ملك السعودية وسفير السعودية بالقاهرة، يوصي بها الأول الثاني بنقل نصيحته للجانب المصري بضرورة السيطرة العسكرية على جزر البحر الأحمر أمام التهديد الإسرائيلي، ولم يصدر رد رسمي من مصر على ذلك إلا بيوم 30 كانون الثاني/ يناير حيث وجهت الدولة المصرية خطابين، الأول للجانب السعودي والثاني للجانب الأميركي تخطرهم فيه أنها رفعت العلم المصري على جزرها بالبحر الأحمر وأنها يقظة لأي محاولات إسرائيلية.
لم ينف الدفاع أن هناك مباحثات كانت تدور من وقت لآخر حول الجزيرتين، ولكنها لم تشمل أبداً اعترافا مصريا صريحا أو ضمنيا حول حقوق للسعودية فوق أراضيهما، وبرهن على ذلك عبر الأحداث التاريخية المختلفة.

حق الدم .. والإفصاح الجهير عن الملكية

عرضت حيثيات الحكم أسباب بطلان الاتفاقية وجاء بها نصاً: فضلاً عما سبق تفصيله من اعتبارات قانونية وتاريخية بالوثائق تثبت مصرية الجزيرتين، فإن الواقع الحاصل على الأرض منذ زمن بعيد أن الدولة المصرية تمارس على الجزيرتين بالفعل حقوق سيادة كاملة لا يزاحمها في ذلك أحد، لدرجة أن مصر ضحت بدماء أبنائها دفاعاً عن الجزيرتين، وهو ما يفصح إفصاحاً جهيراً عن أنهما أراضٍ مصرية".
إذاً، هو إفصاح جهير كما جاء بنص الحكم الذي لم يتوقف عند هذا الحد، بل وضع التوصيف القانوني لما قامت به الدولة عبر توقيعها على تلك الاتفاقية فاعتبره عملاً غير دستوي، وقال نصاً: "ما قام به ممثل الحكومة المصرية من التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة السعودية في نيسان/أبريل 2016، والتي تضمنت تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة بحجة أنّهما تقعان داخل المياه الإقليمية للمملكة السعودية، قد انطوى على مخالفة جسيمة للدستور تبْطله، وعلى الرغم من محاولة ستر هذا التنازل خلف اتفاق على ترسيم الحدود البحرية، لأن ترسيم الحدود البحرية مع دولة لا يتصل إقليمها البري مع الإقليم البري المصري لا يجوز أن يمتد أثره لأي جزء من الإقليم البري المصري الذي يشمل جزيرتي تيران وصنافير".
هي "حجة". هكذا وصف الحكم الدفع بمقولة أن "الجزر سعودية"، وهكذا أطلق الفرح في قلوب الكثيرين، رغم كون المئات منهم دفع ثمن دفاعه عن أن "الجزر مصرية" عبر الزج به داخل الزنازين.
ما الذي سيأتي بعد هذه "المحطة"، وإلى أين تذهب "القضية"؟ أمور تجيب عنها الأيام القادمة.

 

مقالات من السعودية

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...