فصل الصيف عاد وعادت معه السلوكيّات الغريبة لعناصر الأمن. هذا هو المعتاد هنا في هرجيسا الصومال، لكن ما يميز هذه الإجازة الصيفية، أن تصادف بدايتها مع دخول شهر رمضان المبارك، بما يعني المزيد من التعامل المتطرف في مزاجيته، الذي جعله موظفو الخدمة العامّة عادتهم التي لا يخجلون منها ولا يحاولون تجنّبها، ما لم يردعهم من يتعرض لتعاملهم المستفز، فلا شيء يفاجئهم ـ حقيقة ـ سوى لا مبالاة المواطن بعواقب قيامه بإحراجهم وتذكيرهم بما يجب أن يكون عليه سلوك من يتلقى راتبه من الضرائب، إن نسي ولو للحظة أنّه إنسان مُلزَمٌ بأن يتعامل مع الآخرين بإنسانيّة أو بالحدّ الأدنى الذي تقتضيه الأخلاق الدينية التي يتغنّى بها المجتمع.
على الرغم من أنّ تسريحة الشعر "أفرو" التي تتم ملاحقة وإهانة من يتم "ضبطه" بها، جزء من تقاليد الشّعب الصوماليّ، سابقة على إطلاق تلك التسمية الغربيّة عليها بعشرات القرون، فإنّ المراهقين والفئات الشّابّة - حول العشرين - تتخذها كمحاولة للتميّز عن الأكبر سنّا، والتي تلتزم بالشعر الحليق، في محاولة من الشباب لإرسال رسالة تمرد واحتجاج على فشل وفساد الجيل الأكبر، والحنين لفترات زمنية سابقة، حين كانت القيم القبلية التقليدية تتم ممارستها بإيجابية البدو الشجعان والكرماء ذوي الشهامة، لا ما هو حاصل من استغلال للانتماءات القبلية في تسهيل الفساد وتسويغ الظلم والإجحاف، فيما يرى بعض من يتّخذون تسريحة "أفرو" حنيناً لفترة السبعينيات التي كانت عامرةً بالأمل بالمستقبل لشعب امتلأ حينها بالشعور بالكرامة بين نظرائه من الشعوب.
الداعي والنتيجة
مع اقتراب الصيف تبدأ جهات مؤثرة سياسيا واجتماعيا بقرع ناقوس الخطر، في تحذيرٍ من بدء عودة المغتربين القادمين من بلدان اللجوء، الذين يتم تصويرهم على أنهم "طقن ــ بيس" (يزيلون التقاليد)، وعلى الرغم من أن المخاوف على التقاليد موجهة ضد المغتربين، فإنّ تلك المعاملة المهينة لا تطالهم، بل تتجنّبهم لتشعر الفئات العمرية الشابّة من المحلّيين بالمزيد من التحقير والإهانة، وهكذا يدفعهم الإحباط لمزيد من الاندفاع لمغادرة البلد بأيّ طريقة ممكنة، في ظلّ البطالة وضيق ذات اليد.
ومهما حاول بعض عناصر الأمن التضييق على بعض المستهترين من المغتربين، فإنّ محاولاتهم تلك يمكن إخمادها والتغاضي عنها بمجرد الاتفاق على مبلغ الرشوة، يتفاوت حجمها حسب جسامة المخالفة التي تم ارتكابها، وكل شيء قابل للحلّ ما دام هناك سخاء في ما يتم تقديمه من الدولارات دونما مقاومة.
المفارقة!