إعداد وتحرير: صباح جلّول
"ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال"، بهذه الجملة ذيّلت "مؤسسة عدن للفنون والعلوم" في عدن إحدى الصور على صفحتها على فيسبوك التي تُظهر طالِبات موسيقى يمنيات يعزفن على آلاتهنّ في أحد صفوف دورتهن التدريبية. هنّ مِن بين 13 فتاة تُشكّلن نواة أوّل فرقة موسيقية نسائية خالصة في مدينة عدن، يعزفن على العود والكمان والغيتار والبيانو وغيرها من الآلات الغربية والشرقية، ضمنَ مشروع "الفنّ مهنتي" الذي أطلقته المؤسسة بهدف "تدريب النساء بشكل خاص في مجال الإدارة الثقافية والفنية والعزف على الآلات الموسيقية".
يمثّل الانخراط بعالم الموسيقى بالنسبة للنساء في اليمن تحدّياً متعدّد الأبعاد، فهنّ أوّلاً "نساء" قد يواجهنَ التحريم أو الاستنكار أو التململ في أهون الحالات مِن وجودهنّ في فضاء لم يعد معتاداً - في نظر المجتمع- أن يتواجدن فيه. وهنّ أيضاً بناتُ بلدٍ لا تُسمَع عنه منذ سنواتٍ سوى أخبار الحرب والعنف الآتي من الخارج والداخل والألم والجوع والبشاعات. هي حربٌ تصيب الجميع، لكنها تُمعن فتكاً بالفئات الأضعف في المجتمع اليمني ومنهن النساء اللاتي غالباً ما تحملن الأوجاع مضاعفة. ثمّ هنّ أيضاً وحيدات يشقّنّ طريقاً لم يمهّد لهنّ فيها أحد في مجال بات يحتكره الرجال. لكنّ هؤلاء الفتيات والنساء هنّ، في الوقت عينه، وريثاتُ تراثٍ غنائي وفني عدني تشبّعن به وعرفنه من جداتهن. وهنّ – وإن كانت جلسات الطرب والموسيقى التي يعرفنها محصورة في مجالس النساء وأفراحهنّ – شهدنَ وتيقّنّ أنهنّ قادرات على صنع الفرح والجمال بأنفسهن بالعزف والغناء، لا بكونهنّ متلقيّات متذوّقات له فقط، مؤثِّرات لا متأثرات..
تحمل الفتيات تلك المعاني المركّبة في فعلهنّ البسيط الذي لا يحرّكه سوى حبّهنّ الصادق للموسيقى وحلمهنّ بموطئ قدم لهنّ في هذا المجال كمحترفات يؤخذ عملهنّ على محمل الجد. فحصص تدريبهنّ تمتدّ لستة أيام في الأسبوع بشكل مكثّف على مدى شهر ابتداءً من أواخر شباط / فبراير 2023، بحيث يكون هذا الوقت تحضيراً لحفلةٍ موسيقية نسائية يقدمنها أمام الجمهور على المسرح. "أهلاً مارس! أهلاً شهر المرأة"، علقن على إحدى الصور لمتابعة تدريباتهن في شهر آذار / مارس الجاري. هنّ 13 فتاة من أصل 90 متقدمة للفرقة، يملؤهنّ حماس المغامرات الجديدة، وينتظرن بالإضافة لحفلهنّ المرتقب، توسيع الفرقة وإضافة آلات أخرى إليها كالقانون والناي والآلات الإيقاعية مثل الطبول.
خطوةٌ أولى، لكنها مقاومةٌ لقبح الواقع ويوميات التعب والبؤس، تبدأ بامتلاكِ هؤلاء الفتيات القدرة على التعبير عن أنفسهنّ بالموسيقى.
جغرافيا الغناء في اليمن
23-09-2016
مثلهنّ ملايين النساء من اليمن وكامل منطقتنا، من فلسطين إلى العراق إلى تونس والجزائر والمغرب والسودان إلى مصر وحتى إلى أفغانستان وإيران، على تباين ظروفهنّ جميعاً، مستكمِلاتٍ لسعيهنّ الحثيث لامتلاك أدوات التعبير عن أنفسهن قولاً وفعلاً، عاملات في البيوت وخارجها، متظاهِراتٍ في الشارع، فلّاحات وممتهِنات أعمالاً هشة أو أمهات أو مناضلات أو عازفات أو كاتباتٍ أو مدافعات، وتطول اللائحة. فلهنّ جميعهنّ ألف تحية في عيدهنّ.
* الصور لمبادرة "الفن مهنتي"، عن صفحة "مؤسسة عدن للفنون والعلوم"، على فيسبوك.