أمرت النيابة العامة بحبس 12 مسؤولأ بوزارة التربية والتعليم احتياطيا على ذمة التحقيقات التى تجري منذ يوم الأحد 4 حزيران/ يونيو الجاري، وهو أول أيام امتحانات البكالوريا المصرية التي شهدت تسريباً لامتحان الدين قبل موعده بساعة ونصف الساعة، مما أدى بوزارة التعليم إلى إلغاء الامتحان وتأجيله حتى نهاية الشهر الحالي.
وأكد آلاف الطلاب أن امتحان اللغة العربية الذي سبق امتحان الدين تعرض للموقف نفسه وأنّه قد تم تسريبه أيضا في بعض المحافظات، منذ فجر يوم الامتحان ولكن وزارة التعليم لم تلغ الامتحان كما حدث في مادة الدين.
ولكن في ثاني أيام البكالوريا، وكان مخصصا لامتحان اللغة الأجنبية، تمت إذاعة عن تسريب الامتحان كاملا بالإجابات النموذجية! المتحدث الرسمي للوزارة قال إنّ ما حدث غش الكتروني وليس تسريبا! وهو ما أدى إلى أن يتوجه رئيس الوزراء إلى مقر غرفة العمليات بوزارة التربية والتعليم، فيما أبدى مسؤولون بالوزارة تخوّفهم من أن تكون كل الامتحانات الباقية قد سربت أيضاً، وأشارت المصادر إلى أن الامتحانات تكون في المطابع السرية للوزارة حتى صباح يوم الامتحان حين يجري توصيلها للجان في ظرف مغلق ولا يتم فتحه إلّا من خلال لجنة قبل بدء الامتحان بدقائق معدودة حيث تسلم إلى المراقبين.
شاومينج يرحب بكم
وشاومينج هو صاحب ومؤسس أكبر وأضخم صفحة لتسريب الامتحانات والتي بدأت منذ ثلاثة أعوام، وكانت الإجابات على الأسئلة تصل بعد مرور نصف الوقت للطلاب عن طريق أجهزة الهواتف المحمولة، وهو ما دعى وزارة التعليم إلى تشديد الإجراءات هذا العام والمنع النهائي للهواتف المحمولة من دخول اللجان مع الطلاب مع التفتيش الذاتي واستخدام "العصى الالكترونية" للكشف عنها. ولكن صفحة "شاوينج بيغشش" نفذت تهديدها هذا العام للحكومة بتسريب الامتحانات قبل أن تبدأ، بل وزادت عليها توزيع نموذج الإجابة الرسمية أيضاً. وفي رسالة من أدمن صفحة الغش والتسريب قال إنّ الهدف من تسريب الامتحانات هو إظهار الخلل فى المنظومة التعليمية، معتبرا أن تسريب مادة الدين قبل الموعد بساعة ونصف دون الإجابة هو الدرس الثاني للوزارة واصفا نفسه بأنّه بدأ رسم الطريق لكل طالب مصري، و "شاومينج بيطلع وقت ما الوزارة تبيع أحلام الطلاب وتتاجر بها"، وأضاف أنه حان الوقت أن تتغير منظومة التعليم الفاشلة وأن يتوقف اللعب بأحلام الطلاب و "هدفي أن يتم الاهتمام بالمعلم وأن يتم إلغاء التصنيف الطبقي للكليات وتفعيل امتحانات القدرات"، وأنه في حال تنفيذ هذه المطالب فسوف يختفي للأبد لأنه على الوزارة أن تدرك أنها لو تساهلت مع أبنائها واحتضنتهم لرأت أجيالا من العلماء وأنّه إن لم يأتوا الآن (يقصد الطلاب) فلن يأتوا بعد ذلك.
ومن ناحية أخرى استطاع وزير التعليم إقناع الحكومة بإصدار قانون جديد يسجن بموجبه الطالب الغشاش عدة سنوات. وهو ما هاجمه التربويون ورجال القانون، لأنه حوّل مؤسسة التعليم إلى مؤسسة أمنية عقابية بدلا من تعليمية تربوية. وكان القانون قبل تعديله يقضي بحرمان الطالب من الامتحانات ورسوبه، وقد أدى التعديل الجديد إلى زيادة حالة التوتر في الأسر المصرية وأصبحت مشاهد الأمهات على أبواب لجان الامتحان أمام المدارس تتكرر وذلك كما تقول الأسر خوفا من ان يتهم أبناؤهم فيساقون إلى السجن تحت أي دعاوى، قد تكون غير صحيحة. وبالفعل تم تحويل أكثر من 25 حالة!
وزير التعليم لم يكتف بإصدار القانون، بل قال صراحة أن وزارته اكتشفت قبيل الامتحانات أنّ 60 طالبا قد أجروا عمليات زرع سماعات طبية من أجل الغش في الامتحانات، وهو ما دعى الخبراء إلى التهكم على تصريحات الوزير، واتهمه البعض بأنه يسيء إلى شعب مصر باعتباره غشاشا، وأنّه يروج لأفكار أنّ الوزارة تراقب أكثر من نصف مليون طالب وأسرهم بل وآلاف الأطباء والمستشفيات لتعرف أن 60 طالباً زرعوا سماعات للغش، ما يُفهم منه أننا في دولة مراقَبة. جاءت الامتحانات وتسريبها لتكشف ضعف تصريحات وأداء الوزارة، وقد أشار البعض أن التسريب أتى من داخل الوزارة نفسها لأنّها المسؤولة عن الامتحانات وتأمينها، وأنها ما زالت تتبع نظما قديمة وبالية منذ عقود في وضع أسئلة الامتحان وطباعتها، وأطلقوا على اسم مكان المطبعة السرية المعروف "محطة المطار السري"! وأشار البعض إلى الفساد داخل هذه المؤسسة، كما أشار آخرون إلى أن تمويل الامتحانات يقترب من 150 مليون جنيه (حوالي 15 مليون دولار،) وإلى عملية اختراق الأجهزة الالكترونية التي تحفظ الامتحانات بالوزارة. وذهب آخرون إلى أن ما يحدث هو "صراع أجيال"، فالوزارة تستخدم نظاماً تعليميّاً ومناهج لم تتغير منذ عقود طويلة، والامتحانات تقيس فقط الحفظ والتلقين فردت إليها الأجيال الجديدة الصفعة والإهمال، واحتفوا بالتسريب. وأن ما يحدث نتيجة منطقية لإهمال التعليم وأحوال المعلم تحديداً، سواء المادية أو المهنية، مما جعل هناك إحساساً بالتعاطف من الجميع مع الغش، وأن خطورة الأمر أنه سيصبح لدينا جيل لا يرفض الغش للجميع، وسيتخرج آلاف الطلاب ليلتحقوا بالطب والهندسة والصيدلة والإعلام والحقوق بل والكلية الحربية والشرطة، وصلت إليهم الإجابات النموذجية "ديلفري"، وبدأوا يشيرون إلى تداعيات الأزمة وتأثيرها على مجاميع الطلاب ومكتب التنسيق بل ومعايير اختيار أوائل الجمهورية للشهادة الوطنية التي يصيبها التسريب في مقتل.
إقالة الوزير
دخل المجلس النيابي على خط الأزمة، وخلال اليوم الأول فقط للامتحانات وجهت أسئلة وطلبات إحاطة من أكثر من 55 عضوا بالبرلمان، وطالبوا باستدعاء وحضور وزير التعليم الذي لم يحضر، وهو ما أشعل غضب النواب وتحولت الأسئلة لاستجوابات تمهيدا كما قالوا للمطالبة بإقالته، وهو ما يسمح به الدستور ويعطي للبرلمان هذا الحق بعدما كان هذا حقّاً مطلقاً لرئيس الجمهورية في الدساتير السابقة. بل إنّ البعض من النواب أشار إلى شماعة الإخوان المسلمين في قضية تسريب الامتحانات، واتّهم تنظيمهم الدولي من خلال مواقعهم في عدّة دول بتسريب الامتحانات! كما طالب بعض النواب بإلغاء فيسبوك طالما يُساء استخدامه ويضر بالأمن القومي ومنه الامتحانات الوطنية.
ومن ناحية أخرى، أمر رئيس الوزراء، كما يقال، بأخذ عينة واسعة من إجابات الطلاب لتصحيحها فوراً والوقوف على مدى تأثير التسريب على الإجابات في مختلف الأماكن بالجمهورية. ويأتي ذلك في الوقت الذي نادى فيه البعض بإلغاء الامتحانات وإعادتها في وقت لاحق. ومن المعروف أنّه في ستينيات القرن الماضي، أصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بإلغاء امتحانات البكالوريا، وإعادتها، بعدما سربت إسرائيل الأسئلة وأذاعتها مع بدايتها.