لا حديث هذه الأيام، في البيوت والشوارع أو مقرّات العمل، في المغرب إلا عن تدهور القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة في البلاد، واستمرار حلقات مسلسل موجة الغلاء الفاحش دونما أمل بفرج يلوح في الأفق، بمقابل الصمت الحكومي "المريب".
وفي ظل السياق العالمي المتأثر بتداعيات جائحة كورونا والتغييرات المناخية، ثم التوترات السياسية والحربية، ومع توالي سنوات الجفاف خلال العقد الأخير، تأثر الاقتصاد المغربي بشكل كبير، وانعكس ذلك على أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية خاصة وأن المغرب يستورد ما يقارب 70.4 في المئة من حاجياته من الحبوب و100 في المئة من احتياجاته الطاقية، كما أن العديد من الصناعات الغذائية تعتمد على مواد أولية مستوردة.
المغرب: أزمة في الجيب وأخرى في الطريق
14-12-2022
ولا تُخفي الأرقام والمعطيات الرسمية وغير الرسمية الوضعَ القاتم، فنسبة التضخم منذ بداية العام الماضي، حلّقت إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاثة عقود، بتسجيلها 6.6 في المئة نهاية 2022، بعدما كانت بحدود 1.4 في المئة في 2021، وهي السنة التي نجح فيها المغرب بحصر التضخم عند هذا المستوى على الرغم من تداعيات أزمة كورونا، دون أن يتمكن من إرجاعها إلى حدود 0.7 في المئة كما كانت عليه عام 2020 خاصة وأن زيادة التضخم في المغرب مرتبطة أساساً بزيادة مؤشر أسعار السلع الغذائية بنسبة 11 في المئة ومؤشر السلع غير الغذائية بنسبة 3.9 في المئة، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (المؤسسة الرسمية التي توفر البيانات حول الاقتصاد المغربي). تنبّهت المندوبيّة إلى أن التضخم المسجل في العام الماضي محكوم ببنية تكاليف الإنتاج المرتبطة بالارتفاع المتتالي لأسعار البترول والسلع المستوردة، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة انعكست على أغلب الخدمات والسلع. وقد بلغ التضخم لدى الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للمغرب، وخاصة الأوروبيين منهم 10 في المئة، مضاعفاً الركود الاقتصادي لمنطقة اليورو، التي تعتبر دولها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب.
يستورد المغرب ما يقارب 70.4 في المئة من حاجياته من الحبوب و100 في المئة من احتياجاته الطاقية، كما أن العديد من الصناعات الغذائية تعتمد على مواد أولية مستوردة.
وهكذا، فالسواد الأعظم من الأسر المغربية لا يتأمل تحسّناً في الظروف أو ترقباً لانخفاض أسعار السلع الغذائية التي تشهد تزايداً يتراوح ما بين 15 و20 في المئة. وقد صرحت المندوبية السامية للتخطيط أن مستوى معيشة 81.5 في المئة من الأسر المغربية قد تراجع في الإثني عشر شهراً الماضية.
فاتورة واردات المغرب ترتفع
وفي السياق ذاته، ارتفعت فاتورة مشتريات المغرب من الغذاء من الخارج بنسبة 44.9 في المئة سنة 2022 لتصل إلى 86.72 مليار درهم، مدفوعة بارتفاع واردات القمح والحبوب بسبب الجفاف وارتفاع الأسعار على المستوى الدولي. كما ارتفعت الفاتورة الطاقية لتصل إلى 153.5 مليار درهم، بزيادة قدرها 102 في المئة بالمقارنة مع سنة 2022.
كما توالت سنوات الجفاف، حيث إن الإنتاج الوطنيّ من الحبوب لم يتجاوز سنة 2022، 34 مليون طن، بانخفاض قدره 67 في المئة. واستفحل عجز الميزان التجاري الذي ارتفع بنسبة 56 في المئة سنة 2022 إلى جانب النمو الذي لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 1.5 في المئة.
سجلت نسبة التضخم أعلى مستوى لها منذ ثلاثة عقود، ببلوغها 6.6 في المئة نهاية 2022، بعدما كانت بحدود 1.4 في المئة في 2021. وقد صرحت المندوبية السامية للتخطيط – وهي مؤسسة حكومية - أن مستوى معيشة 81.5 في المئة من الأسر المغربية تراجع في الإثني عشر شهراً الماضية.
وفي وقت تؤكد الحكومة المغربية أن التضخم مستورَد منذ الحرب في أوكرانيا، إلا أنه، وبحسب ما عبّر عنه بنك المغرب في الشهر الماضي، يطال منتجات مصنّعة بالمغرب، لا علاقة لها نسبياً بالمدخلات أو سلاسل التوريد الأجنبية. وقد ارتأى البنك المركزي المغربي في أيلول/سبتمبر 2022 زيادة معدل الفائدة الرئيسية بنصف نقطة كي يقفز من 1.5 في المئة إلى 2 في المئة.
الحكومة المغربية في اختبار حقيقي
ووجدت الحكومة المغربية نفسها أمام اختبار حقيقي لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، في ظل الغضب الشعبي وضغط المعارضة والمركزيات النقابية (الاتحادات العمالية) التي عبرت عن قلقها من تردي الأوضاع، ومن السياسة التي تنتهجها الحكومة في التعاطي مع ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، وانعكاسها على جيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية، محذرة إياها من مغبة التمادي في تجاهل هذا الوضع وما يشكله الغلاء الفاحش من تهديد للسلم الاجتماعي بعد أن شمل كل الجوانب الأساسية من الحياة.
في المغرب: "هاشتاغ" مليوني ضد غلاء الوقود
11-08-2022
وانتقلت الاتهامات الموجهة للحكومة المغربية إلى المؤسسة التشريعية، وجلسات الأسئلة الشفوية، وأجمعت المسيرات الاحتجاجية على أن الحكومة الحالية التي يرأسها رجل الأعمال الأغنى بالبلاد بعد الملك، تغض الطرف عن لوبيات الاحتكار وتتلكأ في معالجة ارتفاع أسعار المحروقات، خاصة أن حلول شهر رمضان بات وشيكاً.
من جانبها تواصل الحكومة محاولة تبرير الأزمة القائمة بمخلفات جائحة كورونا والحرب الروسية/الأوكرانية، وذلك بالموازاة مع قيامها بمجموعة من التدخلات والإجراءات للحد من تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على استقرار أسعار مجموعة من المواد الأساسية، وفق ثلاثة مستويات: أولها تقديم الدعم، والثاني ذو طبيعة نقدية، أما الثالث فذو طبيعة ضريبية.
وبخصوص الدعم، فقد عمدت الحكومة إلى الزيادة في مخصصات صندوق المقاصة من 16 مليار درهم إلى 32 مليار درهم سنة 2022، بقصد الحفاظ على أسعار القمح والسكر وغاز البوتان في مستوياتها العادية، ودعم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بـ 5 مليار درهم للحفاظ على الأسعار وضمان استمرار أداء مهامه، في ظل ارتفاع تكلفة المواد الأولية التي يستعملها من 20 مليار إلى 40 مليار درهم.
وشمل الأمر كذلك تقديم دعم مباشر لمهنييّ النقل بقيمة 4 مليار و236 مليون درهم على 9 دفعات، قصد الحفاظ على أسعار النقل في المغرب في مستوياتها السابقة العادية، ومحاولة تجنيب الاقتصاد الوطني الكلفة المرتفعة للنقل في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الطاقة عالمياً.
تواصل الحكومة محاولة تبرير الأزمة القائمة بمخلفات جائحة كورونا والحرب الروسية/الأوكرانية، وذلك بالموازاة مع قيامها بمجموعة من التدخلات والإجراءات للحد من تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على استقرار أسعار مجموعة من المواد الأساسية، وفق ثلاثة مستويات: أولها تقديم الدعم، والثاني ذو طبيعة نقدية، أما الثالث فذو طبيعة ضريبية.
أما بخصوص المستوى الثاني المتعلق بالسياسة النقدية، فقد شمل الرفع من سعر الفائدة المركزي بنقطة كاملة على مرحلتين لينتقل من 1.5 في المئة إلى 2.5 في المئة، في أفق التحكم في المعروض المالي داخل السوق الوطنية، علاوة على شراء 15 مليار درهم من سندات الخزينة من السوق الثانوية.
قطاعُ الطاقةِ بالمغرب: التبعيّة الدائمة
28-12-2021
وبخصوص المستوى الثالث من الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتدخل الضريبي فقد قصدت وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على مجموعة من المواد، من قبيل القمح اللين ومشتقاته والبذور الزيتية والزيوت الخام، بالإضافة إلى الأبقار الأليفة، مع تعليق الضريبة على القيمة المضافة على ورادات الأبقار.
فهل يكفي ذلك للإحاطة بالمشكلة ولمنع المزيد من انهيار مستوى حياة المغاربة؟