السيسي يسعى للنووي بقرض روسي ينهِك المستقبل

يحب الرئيس ومؤيدوه القول بأنه جاء ليكمل ما بدأه جمال عبد الناصر. وبعيداً عن الاختلافات الجوهرية بين الشخصيتين، يعتقد مؤيدوه أن الرابط المشترك بين الاثنين، هو شغف السيسي بالقول أنه راعي المشروعات القومية العملاقة، مستحضراً في ذهنه صورة الزعيم التي خلقها عبد الناصر بقرارات جريئة كتأميم قناة السويس أو بناء السد العالي.
2016-06-15

رنا ممدوح

كاتبة صحافية من مصر


شارك
عمرو هاني - مصر (انفجار نووي في القاهرة)

يحب الرئيس ومؤيدوه القول بأنه جاء ليكمل ما بدأه جمال عبد الناصر. وبعيداً عن الاختلافات الجوهرية بين الشخصيتين، يعتقد مؤيدوه أن الرابط المشترك بين الاثنين، هو شغف السيسي بالقول أنه راعي المشروعات القومية العملاقة، مستحضراً في ذهنه صورة الزعيم التي خلقها عبد الناصر بقرارات جريئة كتأميم قناة السويس أو بناء السد العالي.
بهذه الروح بدأ السيسي عامه الثاني في الحكم بافتتاح التفريعة الثانية لقناة السويس، ولم يراجع نفسه بعد رصد التقارير الدورية لتراجع إيرادات القناة رغم التكلفة الباهظة لإنهاء المشروع في عام واحد بدلاً من ثلاثة كما كان مخططاً. ولم يثنِه هذا أيضاً عن الاستمرار في الحديث عن المشروعات العملاقة، سواء مشروع المليون وحدة سكنية أو العاصمة الإدارية الجديدة أو محور تنمية قناة السويس أو استصلاح مليون فدان.. وغيرها التي كان آخرها إنشاء أول محطة طاقة نووية لمصر بموجب قرض روسي هو الأكبر في تاريخ القروض التي حصلت عليها البلاد من أي دولة أجنبية على مدار تاريخها.

القرض الأكبر

القرض قيمته 25 مليار دولار، وتم نشر قراره في الجريدة الرسمية في 19 أيار/ مايو. وإذا كانت جدوى المشروعات العملاقة محل خلاف حول ترتيب أولوياتها بالنسبة للوضع الاقتصادي، إلا أن الكثيرين يرون أن مجرد طرح فكرة إنشاء مفاعل نووي لاستخدامه في إنتاج الكهرباء بتحميل الدين العام المصري هذه الكلفة الباهظة في الوقت الذي انتهت فيه معاناة المصريين من أزمة الكهرباء، وفي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة أن احتياطيها من العملة الصعبة لا يكفي لاستيراد السلع الضرورية لثلاثة أشهر مقبلة، هو مغامرة غير محسوبة العواقب، وتحمّل الأجيال القادمة مزيدا من الأعباء المالية والديون.
دخل مشروع الطاقة النووية المصري حيز التنفيذ بإصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً في أواخر شهر أيار/ مايو الماضي بالموافقة على الاتفاقية الموقّعة بين القاهرة وموسكو بشأن إقراض روسيا لمصر قرضا حكوميا لإنشاء أول محطة طاقة نووية في مصر، قيمته 25 مليار دولار لتمويل 85 في المئة من قيمة كل عقد لصالح تنفيذ الأعمال والخدمات والشحن بالمعدات الخاصة بالمشروع، على أن تتحمل مصر القيمة المتبقية من التمويل البالغة 15 في المئة في أقساط إما بالدولار أو بالجنيه المصري، لصالح المؤسسات الروسية المفوضة. وبموجب الاتفاقية يسدد القرض على مدار 22 عاماً، على 43 قسطاً في قسطَين كل عام، على أن يتمّ سداد الدفعة الأولى من أصل القرض في تشرين الأول/ أكتوبر 2029. أما أخطر بنود الاتفاقية فهو الخاص بالفائدة، حيث نصت الاتفاقية على أن تدفع مصر فائدة القرض بمعدل 3 في المئة سنويا، واشترطت الاتفاقية أن يبدأ حساب قيمة الفائدة منذ اليوم الأول لاستخدام القرض أي ابتداء من تاريخ التصديق على الاتفاقية وحصول مصر على الدفعة الأولى (247 مليون دولار) خلال عام 2016. وفى حالة عدم سداد أي من الفوائد خلال المدة المحددة لها يحتسب هذا المبلغ بعد تاريخ استحقاق الدفعة على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 150 في المئة من معدل الفائدة المذكورة وفقا للاتفاقية.
كما اشترطت أنه في حالة عدم سداد أي دفعة من أصل القرض أو الفائدة المذكورة خلال 10 أيام عمل يحتسب المبلغ على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 120 في المئة. وأعطت الاتفاقية، في حالة عدم دفع المتأخرات، أو فوائدها، خلال 90 يوماً، الحق للجانب الروسي بشكل منفرد في تعليق أي استخدام آخر للقرض.

الحلم القديم يتحقق ولكن..

فكرة إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية في مصر لم تكن من بنات أفكار الرئيس السيسي بل شاركه فيها جميع رؤساء مصر بدءاً من عبد الناصر نفسه. ولكن لم يفلح أيٌّ منهم في تنفيذها على أرض الواقع. شكل عبد الناصر أول لجنة للطاقة الذرية في مصر برئاسته عام 1955، وبعدها بعام وقع مع الاتحاد السوفيتي وقتها اتفاقية "الذرة من أجل السلام" للتعاون في المجال النووي السلمي. وبموجب تلك الاتفاقية تمّ إنشاء مفاعل نووي بحثي بطاقة 2 ميغاوات. وحصلت مصر عام 1957 على معمل نظائر مشعة من الدنمارك، وانضمت كعضو مؤسس للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي عهد السادات، وبعدما انتهى من "حرب اكتوبر" و "اتفاقية السلام" مع إسرائيل، أعاد التفكير في مسألة الاستفادة من الطاقة النووية، وخطط في عام 1980 لبناء 8 محطات نووية، واستجابت فرنسا لطلب بمساعدته وشكلت مجموعات عمل مشتركة، استقرت على 23 موقعا لتنفيذ المشروع، ووقعت مع فرنسا اتفاقية على إنشاء محطة في الضبعة. وطرحت مناقصة عالمية لاختيار الشركة المنفذة للمشروع عام 1983، وكان مبارك قد تسلم الحكم قبل ذلك بسنتين، واستمرت إجراءات المناقصة لأكثر من عام، ووقع بعدها حادث تشيرنوبل عام 1986، فصدر قرار بتجميد المشروع، حتى جاء عام 2007 وأعلن مبارك عن رغبته في إحياء المشروع النووي المصري في منطقة الضبعة. اللافت أن وزير الكهرباء وقتها قال بأن مصر في طريقها للاتفاق مع روسيا بمبلغ 4 مليار دولار. ولكن قامت "ثورة يناير2011". وعندما جاء الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2012، أعلن عن استئنافه العمل في المشروع ولكن لم يتحقق شيء حتى وقع الرئيس السيسي مع بوتين مذكرة تفاهم لبناء محطة نووية بتكنولوجيا روسية تتكون من أربعة مفاعلات، طاقة كل منها 1200 ميغاوات، وهو ما تلاه توقيع الرئيسين على الاتفاقية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
وعلى الرغم من تلك الرغبة القديمة في امتلاك الطاقة النووية، إلا أنه وفقا لرواية الخبراء والمتخصصين فإن لجوء مصر إلى إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في الوقت الحالي يثير علامات تعجب كثيرة، خاصة وأن مصر سبق وأبرمت في يونيو من العام الماضي صفقة مع شركة سيمنز الألمانية بقيمة 8 مليار يورو، أي ما يعادل تقريبا 10 مليار دولار أو 100 مليار جنيه، لتوليد الطاقة من الرياح ومن الغاز الطبيعي. وقد استطاعت مصر فعلياً من خلال تلك الصفقة القضاء على مشكلة انقطاع الكهرباء أثناء فصل الصيف التي عانى منها المواطنون من 2011 حتى 2014، إلى جانب ما أعلنت عنه وزارة الكهرباء من أنها أنفقت خلال العام المالي الحالي 8.3 مليار جنيه على مشروعات التوسع في محطات الكهرباء. أي أن النفقات في قطاع الكهرباء كانت أكبر من بند المعاشات في الموازنة (24 مليار جنيه) ، بما يعني أن قطاع الكهرباء قد أخذ حقه مقارنة بالقطاعات الأخرى كالصحة (46.4 مليار جنيه) والتعليم (أكثر قليلا من 76 مليار)، والطرق والكباري... وهو ما يعزز التساؤلات عن جدوى اللجوء إلى الطاقة النووية لتحقيق فائض في زيادة الكهرباء في الوقت الذي يوجد ميل عالمي لتقليص الاعتماد على الطاقة النووية والمحروقات لصالح الطاقة المتجددة من جانب، وسؤال مدى أهمية مجازفة مصر باقتراض هكذا مبلغ ورفع دينها الخارجي في ظل تراجع مواردها من العملة الصعبة، وتعريض اقتصادها لمخاطر كثيرة إذا لم تستطع الوفاء بمستحقات القرض من جانب آخر.

روسيا تروج لمنتجاتها

روسيا هي المستفيد الأول من إقراض مصر تكلفة إنشاء المحطة النووية، بحسب مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، موضحاً أن تكاليف المشروع ستتجاوز 30 مليار دولار، وهي أعلى من تكلفة أي مشروع منافس آخر. ومصر أبرمت القرض بدون طرح مناقصات والمفاضلة مع عروض أخرى، إضافة إلى أن التوقيع على الاتفاقية مع الجانب الروسي تمّ بعد سقوط الطائرة الروسية بـ20 يوماً فقط، مما يعني أنها تحمل "تعويضاً" للجانب الروسي. ومن الناحية العملية، ووفقاً لنافع، هناك بدائل كثيرة لتمويل إنشاء محطة الطاقة النووية بدلا من القرض الروسي، منها ما يعرف بسندات البنية الأساسية أو سندات إيرادات، وهى تسمح بالسداد من قيمة المشروع وإيراداته بعد التشغيل، ما يضمن السداد دون تحميل الأجيال القادمة أعباء ديون إضافية، خاصة في ظل ارتفاع الدين المحلي لمستويات تجاوزت 90 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، موضحا أن تلك السندات هي صكوك مديونية يتم طرحها لتنفيذ مشروعات عملاقة في مجالات البنية الأساسية، كما حدث مع شهادات استثمار قناة السويس لكن الفارق هو أن الجهة المَدينة في الأولى تكون المشروع وليس الدولة أو صاحب المشروع. والخيار الآخر للتمويل بعيدا عن القرض الروسي هو استخدام الصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة، مؤكدا أن تلك الأداة التمويلية تضمن سداد الدين من خلال عوائد المشروع أيضاً وليس صاحبه، وتضمن جذب مستثمرين من الدول العربية والخليجية التي تميل للاستثمار في الصكوك المتوافقة مع أحكام الشريعة، بما يمكّن مصر من الحصول على قروض ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية والعربية بفائدة لا تتعدى 2 في المئة، وهي أقل من فائدة القرض الروسي. ووفقا للخبير الاقتصادي، فإن روسيا تسوق منتجاتها وإذا كانت واثقة في جدوى المشروع لكانت شاركت في رأس ماله وتحملت مخاطره، ولم تلجأ إلى تمويله بموجب قرض به شروط مجحفة قد تؤثر على تصنيف مصر الائتماني ومدى قدرتها على سداد مديونيتها.

البرلمان وحده يستطيع وقف المشروع

إذا كان توقيع الرئيس المصري على اتفاقية القرض الروسي محفوفاً بالمخاطر الاقتصادية التي ستتحملها خزانة المصريين ابتداء من 2029، فإدخال تلك الاتفاقية حيز التنفيذ يستلزم التأكد من جوانب بيئية وصحية في مجتمع ترتفع فيه معدلات الإهمال إلى مستويات غير مسبوقة. ولكن يبقى أن مجلس النواب هو الجهة الوحيدة المسؤولة خلال الفترة المتبقية من عام 2016 لحسم الأمر. فوفقاً للمادة 127 من الدستور "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب". ووفقاً لكريم السيد، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فإدخال اتفاقية القرض الروسي حيز النفاذ تتطلب مراحل: 1- التوقيع بالأحرف الأولى بين ممثلي البلدين على الاتفاق، وموافقة مجلس الوزراء على مضمون الاتفاقية، وموافقة رئيس الجمهورية ونشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية، 2- عرض الاتفاقية على البرلمان. وبموجب الدستور المصري الجديد أصبحت موافقة البرلمان على الاتفاقيات بشكل عام، واتفاقيات القروض بشكل خاص، شرطا للتصديق عليها وسريانها.
ما زلنا عند مرحلة موافقة رئيس الجمهورية على الاتفاقية، لأن الحكومة لم تعرض الاتفاقية على البرلمان حتى الآن. ووفقا لأستاذ العلوم السياسية، يجب على البرلمان ألا يمرر الاتفاقية قبل الاستماع إلى كافة أجهزة الدولة المرتبطة بالمشروع، ويقف على مدى استعدادات وزارات مثل المالية والبيئة والصحة والطاقة والصناعة وغيرها.. لتحمل مخاطر المشروع والتزاماته، والأهم تقييم مكاسب الدولة منه في ضوء مخاطره المتوقعة، وما إذا كانت ترجح كفة الاستمرار فيه أو العدول عنه. وفي حال الإبقاء على المشروع، الموافقة على ما يمليه بموجب شروط القرض الروسي، أو بالبحث عن مصادر تمويل بديلة.

 

مقالات من روسيا

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

القضاء على ما تبقى من الدستور في مصر

رنا ممدوح 2017-05-29

قام الرئيس السيسي بالتصديق على قانون الهيئات القضائية الذي سيسمح له بالتحكم بمنصات محاكم القضاء العليا. فهل يواجه القضاة تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وغيرها من مؤسسات الدولة؟

السيسي ونهرو لا يلتقيان!

رنا ممدوح 2016-07-15

عندما ترأس نهرو حكومة الهند، في العام 1947، كان قراره الأول تخصيص ثلث ميزانية الدولة للبحث العلمي، وقتها عارض الهنود قراره، واتهموه بالجنون، واعتبروا أن بلداً فقيراً مثل الهند لا...

التهريج في البرلمان المصري

رنا ممدوح 2016-03-07

يبدو أن وصف توفيق عكاشة بـ"مفجر الثورة" به جانب من الصواب، فالرجل الذي وقف في وجه رئيس مجلس النواب وصارحه بخطأ ترؤسه للبرلمان، قبل أن يقبّل رأسه أمام جميع النواب...