حال المسارح في سورية كحال البلد. كثيرا ما تعرضت لقذائف أدّت لتأجيل عروض مُعلنة، مثلما حدث مع عرض أسامة غنم "زجاج" حين سقطت قذيفة هاون على غرفة محوّل الكهرباء. وهناك أضرار أخرى "غير كونية" أصابت مسرح الحمراء مثلاً منذ أسابيع حين هبطت الخشبة بمن يقف عليها، الخشبة التي حملت عروض على مدى عقود. لكن ماذا عن الجمهور الذي تراوح بين معارض ومؤيّد للأنشطة والفعاليات المُقامة؟
الكثيرون إلتزموا بيتهم لأنهم يرَون أن إقامة هكذا نشاطات وفعاليات يُساعد على الترويج بأن الحياة طبيعية بينما الواقع غير ذلك. لكن في الوقت ذاته لا يُدينون من يقوم بها طالما أنهم لا يُشاركون بالتطبيّل لجهة سياسة معينة، وكذلك الطلاب الذين يقدمون مشاريع تخرجهم كجزء من انتهاء مرحلة الدراسة.
من جهة أخرى نجد ازدياد رغبة الشباب، مع استطالة للحرب والويلات، للذهاب إلى المسارح، كنوع من التعايش في بلد يزداد وضعه سوءاً. وإن كانت دار الأوبرا أقل حظوة بالجمهور لسببين مهمين، أولها أنها ليست مسارح تفاعلية مثل الحمراء والقباني أو حتى المسارح البديلة كخان أسعد باشا مثلا وإنما ــ السبب الأهم ــ هو "التفييش" على الهوية عند البوابة، الأمر الذي يُثير قلق الشباب الذكور من احتمال تجنيدهم أو الاشتباه بأسمائهم.
أقامت الدار حفلاً للمغني بهاء اليوسف (المعروف بأغانيه الشعبية المؤيدة للنظام والجيش السوري) على مسرح دار الأوبرا، الأمر الذي أثار استغراب وامتعاض الكثير من طلاب المعهد العالي للموسيقى. فالمسرح الذي استقبل منذ افتتاحه عروضا عالمية وقدّم سمفونيات مع أهم قادة أوركسترا معاصرين مثل قائد الأوركسترا السويسري "سيمون كامارتان" وقائد الأوركسترا الألماني "يوليو سكالمار"، وبسبب غياب كل الشروط (الآمنة) يتحول لصالة عرض لأغاني شعبية، مع أن دار الأوبرا تقدّم نفسها ثقافيا على أنها "النخبة"!
ومؤخرا، أجلّت جمعية "نحنا هون" بالمشاركة مع جمعية الفينيق، مهرجانها الثاني بسبب الهجوم الحاد الذي شن على صفحتهم فيسبوك. فقد أتت إحدى التعليقات تقول "هل ستقدمون في المهرجان كاسات دم من أبرياء حلب!" بالإضافة لانسحاب بعض الفنانين التشكيليين المشاركين. فالبرنامج الذي شعاره "تثبيت إرادة الحياة في وجه ثقافة الموت" كان يضم موسيقى ورسم ومسرح، وكان من المقرر أن فرقة مخمل ستفتحه، يليها فرقة نبض وفرقة خبز، ومشاركة 90 فنانة وفنان تشكيلي بأعمالهم الفنية. في المقابل نظمت السمفونية السورية حفلا في مدينة تدمُر التي استعادت القوات السورية السيطرة عليها الشهر الماضي من أيدي مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" يُحييها الموسيقي الروسي فاليري غيرغييفو قد اصطحب معه الأوركسترا إلى سوريا لإحياء الحفلة
الحدث سبب السخط وبالأخص في الأوساط غير المؤيدة للسلطة، وقام الكثير من الموسيقيين والكتاب بالتحذير من سوء استغلال الموسيقى. وهذا الطرح قديم، ترجع أصوله إلى أفلاطون وحديثه عن قوة الموسيقى لفرض سيطرتها على الشعوب، كما حذر تيودور أدورنو ــ وهو من أبرز مفكري القرن العشرين في الفلسفة وعلم الجمال واشتهر بدراسته للفن وعلم الموسيقى ــ من خطورة الموسيقى عندما تستخدم من قبل الأنظمة القمعية.. أدورنو يدعو للتخلي عن تسييس العمل الفني لتجنب ال"كيتش" وإنتاج عمل جاد.
العمل الخاضع للأيديولوجيا السياسية هو عمل وقتي يقوم بخدمة القضية أو محاكاة حدث ما وغالباً ما يتم التضحية بالقيمة الإبداعية في سبيل الرسالة. ولكن من ناحية أخرى لا يجب تعميم هذا الطرح، بسبب خروج أعمال عديدة تتبنى أيديولوجيا سياسية أو رسالة مباشرة وتتحلى في الوقت نفسه بالجدية والأصالة والإبداع والتجديد.. لكن أين هذا كلّه في سوريا وقد غادرها أهم موسيقييها؟