شكلت الوقفة الرمزية على شاطئ مدينة الميناء والمؤتمر الصحافي الذي أعقبها بمناسبة “اليوم العالمي للموتى والمفقودين والمخفيين قسراً في البحر وعلى الحدود” محطة أساسية على طريق توثيق الانتهاكات بحق ضحايا الهجرة غير النظامية في لبنان وقبرص وتركيا واليونان ودول أوروبية عدة. الوقفة والمؤتمر عقدا في 6 شباط وشارك فيهما ذوو ضحايا القوارب ومنظمات حقوقية عدة.
وقد وضع المتحدثون في المؤتمر الذي حمل عنوان: “مراكب الموت: حدود تقتل وعدالة مفقودة” الإصبع على جرح العدالة المفقودة والمعوقات التي تحول دونها انطلاقًا من قضية زورق الموت الذي غرق قبالة شواطئ طرابلس (شمال لبنان) في 23 نيسان 2022، والذي سقط فيه وفق المنظمين 40 ضحية على الأقل. وقد كشف بعض من ذوي الضحايا أن العدالة ليست فقط صعبة المنال بل أنهم يتعرّضون أيضًا لضغوطات كثيرة لمنع الوصول إليها.
كما أشار المشاركون في المؤتمر إلى أنّ لبنان تمّ تصنيفه تبعا للأزمة التي انفجرت في 2019 كمصدر لانطلاق مراكب الهجرة غير النظامية بوتيرة مستمرة، وهو تصنيف حديث لم يكن لصيقا بلبنان من قبل. كما تمّ كشف اللثام عن معطيات وُضعت كإخبار لدى القضاء اللبناني للتحرّك، أدلى بها مارك أبي نادر، وهو أحد الأشخاص الذين ساهموا بالإتيان بالغوّاصة الهندية التي هدفت لانتشال الزورق الغارق على عمق نحو 450 متراً في قعر البحر. هذه المعطيات تكشف تغيير وجهة مهمة فريقها وارتفاع كلفتها وغيره من الأمور التي وصفت بـ “الخطيرة”.
وفي المؤتمر نفسه، عرض مدير مركز سيدار لحقوق الإنسان المحامي محمد صبلوح وممثل منظمة “مينا رايتس” سعد الدين شاتيلا رسالة ثلاثة من مقرري الأمم المتحدة في جنيف ساءلوا فيها السلطات اللبنانية عن معلومات وردتهم بشأن تحديد المسؤوليات في غرق زورق نيسان 2023 ومصير التحقيقات والجهات المولجة بها، كما التدابير المتخذة لإنصاف الضحايا من موتى ومفقودين ومخفيين قسراً. ووصف المحامي صبلوح رد السلطات اللبنانية على هذه الرسالة بـ “الفضيحة”، وذلك في إطار استعراضه للمسار القضائي.
مأساة الحالمين على متن مركب..
28-04-2022
بداية، من شاطئ الميناء في الفيحاء، شمال لبنان، أودع المشاركون مجسّماً للوحة من الورود بعدما سطّروا عليها الرقم 182 الذي يجسد عدد ضحايا الهجرة غير النظامية انطلاقاً من لبنان والذين تم التعرف عليهم في العام 2022 وحده. رمى المشاركون المجسّم في البحر نفسه الذي ابتلع أحبّاءهم، ليحمّلوا المسؤولية للمنظومة السياسية التي أوصلت لبنان وناسه إلى الانهيار. كما حمل ذوو الضحايا صور أحبائهم الذين لم يتسلموا جثامينهم، فيما عرضوا لبعض وسائل الإعلام صورة لأحد ضباط الجيش اللبناني الذي قالوا إنه هو من “اتخذ القرار بضرب الزروق متسبّبًا بغرقه” وأنّه “أصبح خارج لبنان مع عائلته”.
الأمم المتحدة: ما ضمانات الاستقلالية والحياد في تحقيق القضاء العسكري؟
في تاريخ 21 أيلول 2022، وقبل يوم واحد من غرق مركب هجرة غير نظامية إضافي قرب جزيرة أرواد في مياه طرطوس السورية، وذهب ضحيته نحو 70 شخصًا، راسلت شعبة الإجراءات الخاصة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، عبر 3 من مقرري الأمم المتحدة في جنيف الدولة اللبنانية إثر المعلومات التي تلقوها بشأن ما أسموه “غياب تحقيقات فعالة ومستقلة تهدف إلى تحديد هوية المتوفين أو المفقودين وتوضيح أسباب وظروف وفاتهم بعد غرق مركب 23 نيسان 2022، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل، فيما لا يزال 33 شخصًا في عداد المفقودين”. وطالبوا بمعطيات حول التدابير التي تمّ اتخاذها لإجراء تحقيقات فعالة ونزيهة ومستقلة في ملابسات الوفيات الناجمة، والمحاولات التي تم إجراؤها أو التخطيط لها لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين وأماكن وجودهم، والأسباب التي أدّت إلى الامتناع عن اتخاذ إجراءات الإنقاذ الأولية خلال الدقائق التسعين الأولى بعد الغرق، فقوّات البحرية اللبنانية، وفق الرسالة الأممية، “كانت موجودة بالفعل في مكان الحادث، بينما كان ركاب القارب الغارق يصارعون المياه، وبيان ما إذا كان قد تمّ إجراء تحقيقات في الادعاءات القائلة بأن البحرية اللبنانية تسببت عمدًا في الغرق الذي أدى إلى مقتل واختفاء العديد من الركاب، وإلى أين وصلت هذه التحقيقات وما إذا كان قد تم التعرف على الجناة وتحميلهم المسؤولية”. وتابعت الرسالة: “إذا لم يتم الشروع في مثل هذا الإجراء، يرجى ذكر الأسباب، توضيح سبب نقل التحقيقات وإجراءات المحاكمة المتعلقة بأحداث 23 نيسان 2022 إلى القضاء العسكري اللبناني وكيف توفرت متطلبات الاستقلالية والحياد المنصوص عليها في المعايير الدولية. كما يُرجى الإشارة إلى الخطوات المتخذة أو المخطط لها لإحالة القضية إلى اختصاص المحاكم المدنية العادية. يُرجى تقديم معلومات مفصلة عن كيفية وصول الناجين وأولئك المرتبطين بمن غرقوا أو ما زالوا في عداد المفقودين إلى سبيل فعّال للتظلم”.
“المفكرة القانونية” تتبّعت مصير الإجراءات التي أكدت بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة في جنيف أنّ لبنان قد اتخذها، بناء على كتب مجلس الوزراء ووزراتيْ الدفاع والشؤون الإجتماعية (اطلعت “المفكرة” على الكتب) ليتبيّن لها أنّ معظمها ليست سوى حبرًا على ورق حيناً أو إجابات وإجراءات منقوصة غير مكتملة أحيانًا أخرى.
والأهم أنّ البعثة أشارت بوضوح إلى أنّ “قيادة الجيش هي المكلفة رسمياً بإجراء تحقيق شفاف حول تداعيات غرق المركب المعني بإشراف السلطات القضائية المختصة، و(هي) المكلفة بعمليات البحث والإنقاذ بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية”. في المقابل، لم تذكر رسالة البعثة ضمانات الاستقلالية والحياد التي طالبت بها الأمم المتحدة، حيث يتولّى القضاء العسكري التحقيق في حادثة اتهم بها عناصر وضباط من الجيش اللبناني. كما لا نجد ذكراً لأي من الإجراءات المتخذة لنقل التحقيق إلى المحاكم المدنية.
وأشارت بعثة لبنان في ردّها إلى أنّ مجلس الوزراء وافق بموجب القرار رقم 1 الصادر في 26 نيسان 2022 على كلّ التدابير والإجراءات الرامية إلى التخفيف من وطأة غرق المركب قبالة شواطئ طرابلس ومنها، تكليف الهيئة العليا للإغاثة باتخاذ التدابير الضرورية لمرافقة أسر الضحايا كافة. لكن الأمين العام للهيئة اللواء محمد خير قال لـ “المفكرة” إنّ الهيئة لم تقدّم أي مساعدة لعائلات الضحايا “لأنهم رفضوا التواصل معنا قبل تحقيق العدالة وتحديد المسؤوليات، كما قالوا”. أي لم يتلقّ ذوو الضحايا أي مساعدة من أي جهة رسمية.
وبالنسبة لتكليف وزارة الشؤون الاجتماعية (وفق رد البعثة) طلب المساعدة الطبية والإنسانية والنفسية من الهيئات والمنظمات الدولية للضحايا وأسرهم، أفاد العديد من أسر الضحايا الذين تواصلت معهم “المفكرة” أنهم لم يتلقّوا أيّ مساعدات من أي جهة كانت، فيما قالت أسرتان إنّ الصليب الأحمر اللبناني قدّم لهما خلال عمليات الإسعاف إثر غرق المركب بعض المساعدات الغذائية. كما قالت رسالة الردّ إنّه تمّ تكليف الصليب الأحمر اللبناني بإحصاء أسماء وأعداد ركاب زورق نيسان، فجاء رد الصليب الأحمر اللبناني لـ “المفكرة” بأنّ عناصره “ساعدوا في إسعاف الناجين ونقل جثامين المتوفين مع تسجيل أسمائهم ولم يقم بأيّ إحصاء لصالح أي جهة رسمية”، مشيراً إلى أنه يمكن العودة إلى الجيش اللبناني للحصول على أيّ معلومات حول هذا الموضوع.
وعلى صعيد “الطلب من وزارة الشؤون الخارجية والمهجرين ومن وزارة الدفاع الوطنية تقديم المساعدة للوحدات الدولية وذلك عبر تأمين التجهيزات والمعدات الضرورية لانتشال الحطام”، لم تحصل أي خطوات عملية على الأرض سوى الموافقة على استقدام الغواصة الهندية التي اعترض الأهالي على نتائج عملها حيث لم تنتشل جثامين المفقودين في البحر والعالقين في الزورق الغارق ولا حطام المركب نفسه.
وبالنسبة لقرار مجلس الوزراء تشكيل لجنة يديرها نائب رئيس مجلس الوزراء على أن تتألف من وزراء العدل والمالية والشؤون الداخلية والبلديات، والشؤون الاجتماعية، والاقتصاد والتجارة والتنمية الإدارية وذلك لإعداد مشروع قانون إنشاء مجلس تنمية شمال البلاد وتقديمه لمجلس الوزراء في أسرع وقتٍ ممكن، أفاد منسق اجتماعات اللجنة توفيق دبوسي “المفكرة” أنّ اللجنة “عقدت نحو اجتماعين أو ثلاثة اجتماعات تعتبر بمثابة اجتماعات تعارف كونه ليس لها ميزانية لتفعل أي شيء”.
وسألت “المفكرة” أيضاً بلدية طرابلس عن طلب مجلس الوزراء من وزيري الداخلية والبلديات والمالية تحويل مخصصاتها من الصندوق الوطني المستقل لمساعدة ذوي الضحايا، فوصف أمين سر المجلس البلدي في طرابلس الأموال التي دفعت للبلدية بـ “القروش، وهي دفعة فقط من مستحقات متأخرة للبلدية”، مؤكداً أنّ “البلدية وحدها تملك قرار كيفية صرف هذه الأموال”.
طرابلس: حلقة جديدة من الظلم الصافي
28-04-2022
نفايات طرابلس- لبنان: "جبل الموت" يتفكّك
28-11-2022
وبالنسبة لطلب مجلس الوزراء من وزارة الأشغال العامة والنقل استدعاء كلّ الأشخاص الذين لم يسجّلوا قواربهم لدى سلطات المرافئ المعنية بناءً على الإجراءات وذلك في غضون 3 أشهر، على أنّ يتم مصادرة كلّ مركب لا يتم تسجيله في خلال هذه المهلة وفقاّ للقوانين والأحكام المرعية الإجراء، أكد متابعون لمراكب الهجرة غير النظامية لـ “المفكرة” أنّ “لا مراكب هجرة تخرج حاليًا بسبب الطقس الشتوي العاصف، كما أنّ السلطات تعرف أنّ زوارق الهجرة خلال العام الماضي كانت تأتي جميعها تهريبًا من جزيرة أرواد في بحر طرطوس السورية”.
بقية التحقيق على موقع "المفكرة القانونية".