"جدّي عاش معاناة الحرب الأهلية الإسبانيّة، وقد اختبر الجوع، ومرّ بتجربة الحرب العالمية الثانيّة العنيفة". بهذا قدّم حفيد الرّسّام الإسباني خوان ميرو، الذي يقف في الصف الأوّل عالمياً مع بيكاسو ودالي وكندانسكي.. مبادرته لوضع 28 لوحة من أعمال جده في مزاد يعود ريعه للاجئين في العالم، وخص بالذكر السوريين منهم. بيعت اللوحات ب70 الف دولار ذهبت لدعم موازنة الصليب الأحمر الدولي المخصصة للاجئين.
لم يكن أكثرنا تشاؤماً يتصوّر أنّ ما بدأ عام 2011 انتفاضةً ورفضاً سيستحيل نزيف بشرٍ ورحيلاً متواصلاً إلى كلّ مكان. اليوم هناك 11 مليون و700 الف سوري غادروا بيوتهم وأحيائهم وقراهم، أي نصف عدد السكان، منهم 4.8 مليون سوريّ متناثرون في العالم. الأرقام الضّخمة جذّابةٌ لمن يريد القول إنّ البشريّة منحطة ولا دواء لانحطاطها والّذين يريدون أسباباً ليرفعوا أصواتهم بعبارات اليأس والإحباط.. لكنّها جذّابة أيضاً لمن يرى أنّ أصعب اللحظات تتطلّب أن تُمدّ يد العون للمظلومين، وأن يبرز التضامن الإنساني الجميل، العابر للزمن وللبلدان والأديان..
ظلّ سؤال فائدة الفنّ وأثره طول الوقت يدور في عقل ميرو. حتّى لوحاته الأكثر تجريدية كان فيها ما يعبّر عن الحروب ــ الأهليّة الإسبانيّة، والعالمية ــ التي عاشها ورأى أثرها وحجم التّعاسة التي تنتجها. كثير من اللوحات كان يظهر فيها سلّم منتصب في الفضاء ربما كان يعبر عن الهروب نحو عالم لا يُقتل الناس فيه بلا داعٍ ولا يضطّرون فيه إلى ترك ديارهم عندما تقترب أصوات القنابل. هذه الأصوات اضطرته شخصيّاً إلى الانتقال إلى باريس مع صعود فرانكو واندلاع الحرب الأهلية، ثمّ للعودة إلى إسبانيا مع احتلال النازيين لفرنسا.
"الفنان لا يعيش في نعيمه الخاص بل يشعر بحساسية تجاه العالم ونبض الحقبة التي يعيش فيها والأحداث التي تدفعه على الفعل". هكذا قال الرسّام يوماً، أمّ الحفيد بونييت فهو يقول إنّ جدّه كان ليعتبر أنّ ما يحدث في سوريا اليوم يمكنه أن يحدث في إسبانيا غداً وإنّه كان ليفعل ما يفعله هو اليوم لو كان حيّاً فهو قد مرّ بمحنٍ قاسية في حياته و" وعرف الجوع والمنفى خلال الحرب الأهلية الاسبانية والحرب العالمية الثانية. وكان يعرف بؤس مخيمات اللجوء. وهو اراد دوما مساعدة الاشخاص البائسين واللاجئين والنازحين". خوان كان مؤمناً بالمنظمات الإنسانيّة وبقدرتها على تسجيل فارق كبير في لحظات الألم الكبرى كالتي تشهدها سوريا اليوم. هذا الإيمان جعله يتبرع للصليب الأحمر عام 1970 بعد أن أنقذت المنظمة حياة ابنته (والدة بيونيت)، واليوم يسير حفيده على خطاه
بالتزامن مع هذه الخطوة القادمة من إسبانيا، أظهر استبيان قامت به منظمة العفو الدولية شارك فيه 27 ألف شخص من 27 دولة أنّ 80 في المئة منهم يرحّبون باللاجئين في بلادهم. الحدثان يخبراننا أن مقولة الفنّ للفنّ لا تعني شيئا، من جهة وأنّ كره الآخر ورفضه والانغلاق، من جهة أخرى، ليست مواقف مطلقة الهيمنة كما يقال لنا في الإعلام. وكما كان ميرو سابقا لعصره ومبدعا، فلعل حفيده ينبئنا بغدٍ لا تكون فيه قيم التضامن والتفاعل الإيجابي هامشيّة.