«...في حمص القديمة حيث كانت الشوارع ضيقة لكنها تتسع لكل القلوب، للسيارات والمشاة، لشيخ يركب دراجته قد عبّأها بقوت عياله، وعربة بائع جوال تجد دائما لها زاوية وزبائن من النساء والأطفال... ولعبة كرة قدم تفرض نفسها وسط الزحام، وياسمينة تدلت من على الجدران الحجرية السوداء، وسرب حمام يعانق سطوح المنازل ويبني له أعشاشاً قرب القباب والمآذن، وقطط قد ألفت الغرباء كما حفظت أهل الحي حتى تكاد تعدد أسماءهم، وأنت... لا تكاد تلمحك حتى تستقر بوداعة بين يديك...
تفاصيل كثيرة تحتشد في الذاكرة، تلتقي فيها الطيبة والمحبة مع التاريخ والعراقة.. هناك كانت أشياء كثيرة أفتش عنها وأحتاجها فلا أجدها في أحياء المدينة الحديثة، وشققها الضيقة، والجيران الذين لا يعرف بعضهم بعضا، وشكل البيوت القاسي والمتاجر التي سُلبت منها رُوح الشرق حتى في أسمائها...
هناك كنت أحصل على جرعة من الحب من أم الحناين وأعود بهدوء عجيب...
مع الثورة، كانت الصلاة في جامع الزاوية مختلفة، قبيل أن يقصف، وبعد قصفه كان للسجود فوق الزجاج المحطم معنى آخر...
لغة تواصل من نوع مختلف، وحب يصعب تفسير معانيه، ورغبة بالبقاء هناك إلى الأبد...
تحت الحصار اليوم تمكث تلك الجميلة... وأشعر بالغيرة من المحاصرين فقد أصبحوا حرّاسها وأسراها في آن معاً...»
من مدونة «حديث النور»