الخوف يأكل الروح

إن مصادر توليد الخوف في عالمنا عديدة، من العنف المادي إلى الكوارث الطبيعية إلى العنف الإرهابي الذي تمارسه جماعات قومية أو عرقية أو دينية أو مذهبية.. قوى عديدة ترفع أيديولوجيا العنف التي تحاول أن تضفي على عملية ممارستها شرعية ما.
2016-06-08

محمد صبحي

كاتب من مصر


شارك
نزار يحيى - العراق

إن مصادر توليد الخوف في عالمنا عديدة، من العنف المادي إلى الكوارث الطبيعية إلى العنف الإرهابي الذي تمارسه جماعات قومية أو عرقية أو دينية أو مذهبية.. قوى عديدة ترفع أيديولوجيا العنف التي تحاول أن تضفي على عملية ممارستها شرعية ما.
تسعى أيديولوجيا العنف إلى إسباغ عقلنة على عملياته، وعلى خروجه على المنظومات والقواعد القانونية الدولية المتفق عليها، أي على ما يُطلق عليه الشرعية الدولية، التي يراها ممارسو العنف ظالمة وذات معايير مزدوجة وتميل مع الأقوياء. ويركِّز مُنظِّرو العنف على المبادئ العدالية والإنسانية، وعلى الظلم التاريخي الذي تعرّضت له الجماعة، وعلى الحاجة إلى التحرر من حالة الاستبعاد أو عدم العدالة، أو من الاستضعاف التاريخي أو الأقلّوي، ومن ثَم تسويغ العنف كأداة للتحرر. وجماعات العنف وأيديولوجياته ليست كلها سواء، فهناك حركات التحرر الوطني ضد الاحتلال الأجنبي، وهنا يغدو العنف والأعمال الدفاعية المستخدمة ضد عنف قوات الاحتلال عملاً من أعمال المشروعية ويتفق مع ميثاق الأمم المتحدة بل واتفاقيات جنيف المشكِّلة للقانون الدولي الإنساني. ثمة عنف يرتكز على الاستعلاء وفرض أيديولوجيته على الآخرين، وهو عارٍ عن الشرعية لأنه يطال أرواح الأبرياء ويغتال الحق في الحياة وينشر أقصى درجات الترويع والرعب والخوف تحت ذرائع براغماتية شتى.
تتزايد حالات الخوف الكوني، ويتضافر إنتاج الطبيعة للكوارث، كردّ على الفعل الإنساني، وهو خوف بيئي داهم، مع الخوف من الفعل الإنساني الإرهابي العنيف والعسكري الناجم عن الحروب العسكرية والأهلية.. قبل ظهور ما يعرف ب"تنظيم الدولة الإسلامية"، كان العنف الأمريكي والإسرائيلي في منطقتنا هما أبرز مصادر إنتاج الخوف والرعب وعدم الأمان، ودفع ببعض جماعات العنف السياسي ذات الأيديولوجيا الدينية والمذهبية إلى ممارسة عنف مضاد وتوليد نزعة استعلائية تجاه إضفاء قداسة ومشروعية متعالية إزاء القوى السياسية أو المذهبية والدينية الأخرى. كان العنف الأيديولوجي والديني يترافق مع العنف المادي وينتج كلاهما الخوف والترويع والعنف اللفظي والمادي إزاء المفكرين والأدباء والفنانين والصحافيين في المنطقة منذ ثلاثة عقود مضت..
والآن أصبحت بيئة العنف الكوني والإقليمي وصور الرعب والموت المعلن، عاملاً من عوامل عدم الاستقرار الإقليمي، والداخلي في بعض دول ومجتمعات منطقتنا. ولكن عدم الاستقرار الإقليمي أصبح أحد عوامل عدم التغيير في دول أخرى. وبالحديث عن مصر، فإن مظاهر العنف المروِّع والفوضى في المنطقة تساعد على استمرار الأمر الواقع.
ومن أبرز الظواهر الداعمة لإشاعة الخوف هي ثورة الاتصالات المرئية. وسائل الإعلام وفي مقدمتها الفضائيات تنشر مشاهد صور العنف والدمار، ومن ثم تلعب دوراً في نشر الخوف والذعر من تأييد بعض الدعوات السياسية أو المطلبية، ومن وقوع أحداث تؤدي إلى عشوائية وفوضى وعنف.. أي أن يقع في مصر ما يحدث في دول المنطقة. أو الدفع من قبل أجهزة الدولة المواطنين إلى كره كلّ ما يمتّ إلى السياسة بصِلة ومحاولة إخلاء المجال العام من أي نشاط لا يتوافق كلّية مع سياسات الدولة القمعية، وهو ما يؤدي إلى استمرارية الأوضاع القائمة ضمن عوامل أخرى تكرِّس الجمود السياسي والجيلي وانتشار الفساد والنفاق السياسي واتساع سوق الجريمة ودخول فاعلين جدد من البطالة إلى مجال الجنوح والإجرام.
 الخوف ومصادره قد يغذي ــ ضمن عوامل أخرى ــ حالة استقرار الأوضاع القائمة (مع بعض التغييرات الجزئية). إلا أن ذلك لا يعني استمرارية تلك الحالة. فقبل عشر سنوات لم يكن أحد يتخيّل أن تقوم ثورة شعبية للإطاحة بنظام مبارك الذي حكم طيلة ثلاثين عاما وتمكن بكل الوسائل التخويفية من الحيلولة دون حدوث هذا الحراك السياسي الاجتماعي، بتأكيده المتكرر للقوى المدنية الليبرالية واليسارية ورجال الأعمال بأن الفوضى والاضطرابات ستؤدي إلى وصول قوى إسلامية سياسية عديدة  إلى الحكم.
 إن مصادر الخوف الداخلي عديدة، ومنها شراسة الأجهزة الأمنية للسلطة تجاه أي تحرك، وعدم الأمان الاقتصادي وارتفاع كلفة المعيشة، والخوف من المستقبل والخوف من الفصل من العمل والبطالة، وغياب الآمال في الحراك الاجتماعي لأعلى.  الخوف من الأمراض المستعصية التي تتشبّع بها أجساد المصريين، وعدم كفاءة التشخيص، والعلاج، وارتفاع تكلفته على نحو يتجاوز إمكانيات الغالبية العظمى. الخوف من الاضطرابات أو العنف الطائفي الواسع والخوف من أيديولوجيا الكراهية الدينية، الخوف من الموت المجاني على يد أفراد الشرطة، والموت المجاني في مذابح المرور على الطرق المصرية.. الخوف من التحرّش، والبلطجة، وعنف سائقي الميكروباص والتاكسي، وعنف الجيران، والعنف داخل الأسرة أو العائلة، وعنف أصحاب المقاهي والباعة الجائلين، وعنف أصحاب الورش والمحلات.. وهكذا خوف يولِّد خوف، بحيث أصبح هو إطار حياتنا.
الخوف قد يؤدي إلى استمرار الوضع القائم سياسيا واجتماعيا في مصر. لكن الاحتقانات الاجتماعية والسياسية مستمرة، فهل تفتح الطريق من جديد إلى الغليان الجماهيري والاحتجاج والتمرد والتغيير؟

مقالات من مصر