ماجدة عدلي

تعرّض "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" في القاهرة للاقتحام مرتين هذا العام كجزء من الهجوم على منظمات المجتمع المدني بعد إحياء القضية الخاصة بالتمويل الاجنبي رقم 173 لسنة 2011. تجلّى ذلك بالاستدعاء والتحفظ على أموال الحقوقيين والمنع من السفر.. وكان اسم مركز النديم ضمن المراكز الحقوقية الواردة في هذه القضية والتي قد تواجه تهما مثل التربح غير المشروع والتخابر وغيرها.
2016-06-03

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
سعد يكن - سوريا

تعرّض "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" في القاهرة للاقتحام مرتين هذا العام كجزء من الهجوم على منظمات المجتمع المدني بعد إحياء القضية الخاصة بالتمويل الاجنبي رقم 173 لسنة 2011. تجلّى ذلك بالاستدعاء والتحفظ على أموال الحقوقيين والمنع من السفر.. وكان اسم مركز النديم ضمن المراكز الحقوقية الواردة في هذه القضية والتي قد تواجه تهما مثل التربح غير المشروع والتخابر وغيرها.
تسترت الهجمات خلف أن تراخيصه طبية، رغم أن تصاريح المركز سليمة، ووجهت للقائمين عليه تهمة امتلاك صفحة على فيسبوك توثق أرقام وشهادات التعذيب، ما يجعل المركز يمارس فعلياً نشاط حقوق الإنسان، وكأن علاج ضحايا التعذيب والحديث عنهم جريمة، وفقا لماجدة عدلي مديرة المركز، وكأنه يجب علاجهم في غرف مغلقة، والنشر عنهم يستدعي غلق المنشأة وسحب التراخيص. سبق هذا الهجوم هجومٌ مماثل في 2004 لأمن الدولة الذي تحجج بإدارة العلاج الحر أيضاً وهاجم العيادة بوجود المرضى، وقام بالتفتيش وسرقة ملفات وتصويرها.
النديم هو واحد من أقدم المراكز الحقوقية في مصر، ويتميز ليس فقط بتوثيق التعذيب ولكنه يقدم الدعم النفسي والطبي والقانوني إن لزم الأمر للضحايا. مديرته الحالية، الطبيبة ماجدة عدلي، ناشطة سياسية لها تاريخ نضالي طويل.

من هي؟

ولدت ماجدة عدلي في القاهرة عام 1953، من أسرة ليس لها علاقة بالسياسة، "بس كانوا بيرمونا في الشارع من وإحنا صغيرين" على حد قولها. الأم كانت مدرّسة لغة عربية، والأب كان موظفاً ورجلاً متحرراً، وعمل لوقت قصير مع حزب الوفد في شبابه. كانت لعدلي فرصة التنشئة في أجواء ربما تختلف قليلاً عن الآن، فهي عاصرت تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية عبر إدارة حكم مختلفة شكّلت شخصيتها. نشأت في عهد عبد الناصر فشاركت في أنشطة مدرسية منذ الصغر، واعتادت السفر في معسكرات صيفية، كان المجتمع وقتها مختلفاً فرغم الحريات المقموعة في عهد عبد الناصر كان هناك تعليم جيد وإنجازات على مستوى الأدب والفن...
تصف ماجدة عدلي عصر عبد الناصر بأن "الناس كانت مصدّقة"، وموضوع التعذيب الوحشي لليسار والإخوان لم يكن معلوماً للمواطنين، فهو في رأيها كان ذكياً وقادراً على موازنة القمع السياسي والاعتقالات بكسب الشعب في صفّه، عبر إتاحة التعليم المجاني، والعلاج المجاني، والأنشطة الفنية والثقافية والرياضية في المدارس والجامعات والمصانع، والمواصلات العامة الجيدة، وغيرها.. لذلك انضمت عدلي إلى تنظيم الشباب التابع للاتحاد الاشتراكي في الصف الأول الثانوي ونشطت به. لكن بعد هزيمة 1967، بدا واضحاً أن تحرير الأرض بدون إشراك الشعب في القرار السياسي لن ينجح، وبعدها كانت تظاهرات 1968 التي طالبت بمحاسبة قادة الطيران المسؤولين عن النكسة. انكسرت عدلي في سن صغير وانكسر الجميع وانعزل بعض الكتّاب والفنانين، واتضحت مشكلات الديموقراطية والقرار السياسي.

هزيمة 1967 وما تلا

قررت الشابة فك علاقتها بمنظمة الشباب، لأنها اكتشفت ان التنظيم الطليعي يتجسس على أعضائه، كان قرارها حاسماً بترك منظمة الشباب في 1971 والانضمام إلى حزب العمال الشيوعي لأنه كان الأقرب لها في الأفكار التي تخص تحرير الوطن والديموقراطية وتطبيق العدالة الاجتماعية. كان أقرب لها من الاشتراكية الناصرية التي اتضح لها لاحقا أنها رأسمالية دولة. كانت الكسرة الثانية لها في بعد حرب 1973 وقبل اتفاقية كامب ديفيد، وهي كانت قد بدأت دراستها في كلية الطب في جامعة الأزهر، ونشاطها السياسي، وتطوعت في مستشفى القصر العيني لخدمة الجبهة. وفي يوم خطاب السادات حين قال إنّه سيعطي "6 كيلومتر هدية لغولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، كانت ماجدة في المستشفى ورأت الهستيريا التي أصابت الجنود المصابين، رغم حروقهم الشديدة وأعضائهم المبتورة لرغبتهم في العودة للجبهة لاستكمال الحرب. في يوم 17 كانون الثاني/ يناير 1977، كان مقرراً عقد مؤتمر عن الأسعار والحريات الديموقراطية في جامعة الأزهر، وكانت ماجدة أحد منظميه. لكن المؤتمر لم يتم لأن انتفاضة الخبز، التي استمرت ليومين احتجاجاً على إلغاء الدعم ورفع الأسعار، سبقتهم، فنزل المؤتمرون إلى الشوارع للمشاركة. صدر ضد ماجدة عدلي أمر ضبط وإحضار في اليوم التالي، واعتقلت في 14 آذار/ مارس من قلب جامعة عين شمس أثناء حفل تأبين شهداء انتفاضة الخبز، وظلت في السجن أكثر من عام قبل خروجها في نيسان/ ابريل 1978، ثم اعتقلت مرة أخرى لمدة شهر، بعد شهر واحد من خروجها، وتخرجت في 1981 بعد تعطل دراسي لعامين، قبل حصولها على الامتياز ثم لاحقا على ماجستير التخدير من جامعة عين شمس، رغم استمرار نشاطاتها السياسية والملاحقات الأمنية لها.
في ذلك الوقت، كان هناك هامش وإن محدود من الديموقراطية، منذ بداية حكم السادات وفق قولها، فالهجمة الكبيرة على الحريات العامة كانت في 1977 و1987، ولكن سبقها إنشاء المنابر الثلاثة (اليسار واليمين والوسط) وجرائد تمثلهم، وأحزاب سياسية وإنْ خاضعة لقانون للأحزاب مقيد للحركة. أما النقابات فظلّت تحت قبضة الدولة. في 1978، وبعد مجموعة من العمليات الإرهابية، كانت ماجدة عدلي في سجن القناطر في ذلك الوقت، ورأت التعذيب لأول مرة، وتحديدا للإسلاميات قبل تطبيقه على كل المعتقلين. تروي كيف أن السيدات جئن إلى السجن بعد تعرضهن للضرب والاعتداء الجنسي، وكثيرات منهن لم يكن لهن علاقة بالعمل السياسي او الجهادي لكنهن كن زوجات لإسلاميين. السجينات الإسلاميات حبس بعضهن حبساً انفرادياً، ومنعن من الزيارات وأنشطة السجن والتريّض هن وأطفالهن. الولادة الأولى التي أجرتها كانت في السجن لأن الإدارة رفضت إحضار طبيب، فقطعت الحبل السري "بموس حلاقة عشان أنقذها وأنقذ الطفل"..

التعذيب

أصبح التعذيب قضية تشغل بال ماجدة عدلي، وهي عُينت كطبيبة تخدير في مستشفى حكومي في قليوب، عملت به منذ 1983 وحتى بلوغها التقاعد. ومع استقرار مبارك في الحكم كان التعذيب قد استقر هو الآخر في أقسام الشرطة والسجون. فعلى حد قولها تحوّل كل مواطن لضحية محتملة للتعذيب. في العام 1993 ناقش معها زملاؤها عايدة سيف الدولة وسوزان فياض وعبد الله منصور فكرة تأسيس مركز يناهض التعذيب، وتحمسَت كثيراً. ظلت الطبيعة النسائية غالبة على المركز، ربما لأن الأمر فيه مخاطرة أو بالمصادفة، فهم لا يشترطون طبيبات نساء إلا في برامج العنف ضد النساء حسبما تقول د. عدلي.
لا يوجد هناك مركز يقدم هذه الخدمة سوى النديم منذ وقت تأسيسه وحتى الآن. ربما لحق النديم مراكز توثيق لكنها لا تقدم الخدمة الطبية. أثناء عملهم تعرفوا على أسباب عديدة واهية تعرّض الشخص للتعذيب بدءاً من رفضه دفع أتاوة، أو لمحاولته الدفاع عن خطيبته من التحرش من قبل أمين شرطة، أو بسبب شكوى لفرد أمن، أو فقط لفرض السيطرة على المنطقة لرئيس مباحث جديد، أو وفقاً لقانون الاشتباه الذي يجيز القبض على أشخاص من الشارع للتحري عنهم... تأسس النديم تحت مسمى شركة وحصل على الترخيص الطبي لفتح العيادة.
في بداية عمل النديم اعتمد على التواصل مع الأطباء بشكل شخصي للوصول إلى ضحايا التعذيب، أو عبر متابعة الأخبار في الجرئد، أو عبر النشطاء، أو عبر أشخاص تلقوا الدعم في النديم يخبرون آخرين. وحين زادت الصحف وخاصة المستقلة، أصبح لديهم الفرصة للنشر عن الضحايا وطلب رد الاعتبار لهم. وحين كانوا يطلبون التقاضي، تعاون المركز مع المراكز القانونية قبل إنشائه لاحقا لوحدة قانونية.
تردد على المركز منذ العام 2002 حوالي 7 آلاف ضحية تعذيب، وحوالي 900 ضحية للعنف الجنسي والأسري في برنامج العنف ضد النساء، وكانت النسبة الأعلى ضمن المترددين لضحايا التعذيب في أقسام الشرطة، يليها أمن الدولة، ثم السجون. ومن ضمن ضحايا التعذيب لاجئون، خاصة سودانيين، بنسبة تقترب من 50 في المئة من إجمالي المترددين على المركز، بينما شهد العامين الماضيين اكبر نسبة تعذيب على مدار سنوات عمل المركز. يغطي النديم أغلب المحافظات قدر المستطاع. وخلال الثورة قدم المركز دعماً طبياً في المستشفيات الميدانية، واستضاف مصابي الثورة في مقره، وراقب أطباؤه تشريح الجثامين في أحداث الثورة المختلفة مثل ماسبيرو ومحمد محمود وغيرها، وقدم دعما نفسياً للمواطنين وأهاليهم والنشطاء الذين أصيبوا بصدمات من مشاهد القتل والاعتقال والعنف. كما حصل المركز على بعض الأحكام القضائية لضحايا التعذيب، رغم أنّ نسبتها قليلة بسبب مشكلات قانون العقوبات الجنائية في تعريف التعذيب وإثباته. الحكم الأهمّ كان لشخص معاق ذهنياً تعرض للتعذيب في مديرية أمن الإسكندرية قبل الثورة وحصل المركز على حكم بالسجن لسبع سنوات ضد الضابط المسؤول، وهناك أحكام بسنوات أقل أمكن انتزاعها، ولكن النسبة الأكبر حفظت أو تم وقف تنفيذها.

لو اعتقلنا.. نعالج الناس في السجن!

يقدم المركز فحوصات طبية وعلاجا مجاناً، ويدخل المرضى مستشفيات إذا احتاجوا لعلاج طبي أو نفسي مطول. والأمر يحتاج لمبالغ ضخمة، لذا يلجأ المركز وفق عدلي للمنظمات الدولية: من يوافق على دعم برامجهم بشروطهم يقبلون تمويله، ولكنهم لا يحصلون على تمويل من دول أو من منظمات أميركية أو منظمات تدعم مستوطنات إسرائيلية. وقد استمرت أجندتهم الخاصة بدعم ضحايا العنف والتعذيب ثابتة لم تتغير.
بسبب التضييق الحكومي اضطر المركز إلى غلق الوحدة القانونية، بينما نتيجة المادة 78 لقانون العقوبات التي تعاقب الممول والمتلقي فهناك الكثير من المنظمات المانحة توقفت عن تمويل العديد من المنظمات المصرية ومن بينها النديم. أما العيادة فظلت مفتوحة بعد الهجمات الأخيرة. تقول د. عدلي: "سنظل نعمل طالما نحن خارج القضبان. ولو دخلنا السجن هنعالج الحالات الكتير اللي هتكون تحت أيدينا في السجن!". 

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!