كانت "إيفانا فلادكوفا"، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، تعلن عبر مؤتمر صحافي بمقر الصندوق بواشنطن، دعمه للإصلاحات الاقتصادية والجهود المبذولة للحد من التضخم في مصر، بينما وبالتزامن، كان يجري تحرير البنك المركزي المصري لسعر صرف الجنيه أمام الدولار. ولم يكن قد صدر بيان حكومي يشرح ملابسات الأمر للمواطن المصري، الذي اصطلى بنيران زيادة الأسعار منذ منتصف العام الماضي 2022.
فتحرير سعر الصرف من ضمن الإصلاحات التي أملاها صندوق النقد الدولي على مصر لإتمام عملية منح القرض الأخير الذي يصل لثلاثة مليارات دولار، أي ما يعادل 88.5 مليار جنيه مصري، بعد الانخفاض الأخير للجنيه مقابل الدولار.
خطط الإصلاح المزعومة تتضمن وقف المشاريع التي تحتاج لمكون دولاري، وتوفير سيولة تكفي لسد الدين عبر بيع الأصول لعدد من المستثمرين الأجانب، على رأسهم مجلس التعاون الخليجي، ما يحيلنا إلى وثيقة "سياسة ملكية الدولة" التي أطلقها مجلس الوزراء منتصف العام 2022، وأقرت من قبل رئيس الجمهورية في نهاية العام نفسه.
تتضمن الوثيقة انسحاباً جزئياً وكلياً للدولة من قطاعات بعينها، ليحل محلها القطاع الخاص أو المستثمر الأجنبي، لتوفير سيولة مادية عاجلة. وعلى الرغم من تأكيد دكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في تصريحات سابقة أن الوثيقة لا تتضمن بيعاً لأصول الدولة، لكن بيان مجلس الوزراء الأخير بشأن الوثيقة أكد أن انسحاب الدولة سيتضمن عقود حق انتفاع أو تمليك للمستثمر، بجانب عمليات إعادة هيكلة المؤسسات العامة وخصخصتها.
والانسحاب والتخلص من أصول الدولة قد سبق فعلياً إطلاق الوثيقة، بداية من تصفية ثلاثة مصانع بمنطقة حلوان الصناعية: الأسمنت والحديد والكوك، بدعوى الخسائر، أو التلوث ،أوعدم توفر المواد الخام.
وقائع بيع معلن
"إنّ لفراقك يا مصنع الكوك لمحزونون" قالها محمد العامل الخمسيني وصمت، فلم يعد بوسعه فعل شيء، بعد موافقة الجمعية العمومية لشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية على غلق الشركة بتاريخ السادس من شهر أيلول/ سبتمبر 2022، ومنح العمال إجازة مفتوحة لحين تسوية مستحقاتهم المالية.
عرف محمد خبر توقف العمل بالمصنع عبر منشور على صفحة خاصة بعمال الكوك على الفيسبوك، والتي أنشأها مع زملائه لبحث سبل وقف قرار تصفية الشركة، وكان آخرها الاستعانة بنقابتي العاملين بالصناعات المعدنية والعاملين بالصناعات الكيماوية لمطالبة رئيس مجلس الوزراء بالتدخل قبل انعقاد الجمعية العمومية للشركة عبر إعلان مدفوع نشر بجريدة الأهرام.
مطالب العمال كانت عادلة ومعركتهم قوية، عكس سبل توصيل أصواتهم. فالنقابات العمالية لم تعد بالقوة الكافية، والجمعيات الحقوقية المعنية بمثل تلك القضايا تشهد تضييقاً أمنياً، بينما الحركات الشعبية التي قادت زخم مواجهة حركة الخصخصة قبل "ثورة يناير 2011" اختفت تماماً من المشهد.
ومهما أعلنت السلطة عن عدم مساسها بالصناعات المتوطنة في مصر، وغلق مصانعَ، وتشريد عمالة، فإن توفير سيولة مالية لتسديد قيمة القروض المتلاحقة ومصاريف بناء العاصمة الإدارية المرتفعة ستطغى على التمسك بهذا المبدأ، حيث رصدت ورقة بحثية صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" زيادة المخصصات المالية لقطاع الخدمات العامة بموازنة مصر لعام 2021-2022، وهي زيادة مخصصة لإنشاء المباني الحكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة، نظرًا لكون المخصصات المالية الموجهة للمدن الأخرى تندرج ضمن بند الإسكان والمرافق، بينما تندرج ميزانية النقل والطرق في قطاع الشؤون الاقتصادية.
هنا نأتي إلى بيت القصيد لمعرفة لماذا استُحدثتْ "وثيقة ملكية مصر" التي أعلن عنها مجلس الوزراء المصري خلال شهر حزيران/ يونيو 2022، على أن تصدر نسختها النهائية في آخر العام الحالي، وهي تتضمن انسحاباً جزئياً و/ أو كلياً للدولة من قطاعات بعينها، ليحل محلها القطاع الخاص أو المستثمر الأجنبي، لتوفير سيولة مادية في موجة جديدة من الخصخصة وبيع أصول الدولة.
جدل انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، ومِنَح الحكومة التي تتلاشى قيمتها بسبب موجات الغلاء غطّى على الحديث عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي طُرحت خلال المؤتمر الاقتصادي المنعقد في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وقد نقلتها وسائل الإعلام متبنية الرؤية الرسمية للسلطة المتمثلة في نفي كونها صورة جديدة للخصخصة.
وكان رئيس مجلس الوزراء قد صرح أن الوثيقة لا تعني بيع الأصول. ففي ثاني أيام المؤتمر الاقتصادي أكد أن الدولة، في عملية الخروج الكلي أو الجزئي من النشاط الاقتصادي، ستمتلك الأصول أو المؤسسة، وتترك الإدارة للقطاع الخاص، لكن بيان مجلس الوزراء الذي أعقب إطلاق الوثيقة نهاية 2022 أقر الخصخصة والبيع.
مهما أعلنت السلطة عن نيتها عدم المساس بالصناعات المتوطنة في مصر، وغلق مصانعَ، وتشريد عمالة، فإن توفير سيولة مالية لتسديد قيمة القروض المتلاحقة ومصاريف بناء العاصمة الإدارية المرتفعة ستطغى على التمسك بهذا المبدأ.
تصفية الدولة لأصولها القيّمة سبق إطلاق الوثيقة بعدة أشهر، وبدأ من "مصنع القومية للأسمنت"، ومن بعده "مصنع حديد حلوان"، وقد بيعت أصول المصنعين في المزاد العلني، ثم "مصنع إنتاج فحم الكوك"، والذي ذكرت وثيقة ملكية الدولة نصاً خروج الدولة من صناعته خلال ثلاث سنوات من تاريخ إطلاق الوثيقة، ما يعني أن المصنع تمت تصفيته قبل إقرار الوثيقة بشكل نهائي.
ويعود إنشاء "شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية" المالكة له إلى عام 1960، وتصل قيمة أصولها الثابتة إلى ما يقرب من ملياري جنيه مصري، ويعمل فيها 1727 عاملاً، وتمتلك الشركة كثيراً من الأصول الهامة، من بينها رصيفان للنقل والتفريغ بالإسكندرية، وثالث على النيل. ووفقاً لموقع وزارة قطاع الأعمال العام فإن الشركة لا تخسر، بل تحقق صافي ربح يصل إلى 992 مليون جنيه، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة التي تعود لعام 2019.
بل إن الشركة لم تخسر أبداً منذ تأسيسها إلا خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا، وذلك وفقاً لطلب إحاطة تقدم به الدكتور إيهاب رمزي عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، لوقف ما وصفه بالقرار الخاطئ لتصفية الشركة.
وتدلل صفقة تصفية مصنع الكوك إلى حاجة الدولة لتوفير سيولة نقدية عبر طرح أصولها للبيع بغض النظر عن قيمة تلك الأصول التاريخية والاقتصادية. وذكرت الجمعية العمومية لشركة "النصر لصناعة الكوك" أن قرار التصفية جاء في الأساس بسبب غلق مصنع الحديد والصلب بحلوان، والذي كان يستهلك إنتاج مصنع الكوك، وذلك إضافة إلى تقرير يؤكد ارتفاع تكلفة تطوير أدوات الإنتاج.
لكن لماذا لم يطرح تغيير نشاط المصنع أو استبداله، وخاصة أن شركة النصر للكوك والكيماويات المالكة للمصنع لديها خبرة كبيرة في صناعة الكيماويات؟ أجاب عن هذا التساؤل الخبير الاقتصادي مدحت نافع في تصريحات إعلامية سابقة مؤكداً أنه وضع دراسة خلال فترة توليه رئاسة الشركة القابضة للصناعات المعدنية منذ عامين، تضمنت حلولاً لاستمرار نشاط مصنع الكوك، "معتمدة على تصدير جزء كبير من الإنتاج للخارج وتلبية الطلب المحلي، إضافة إلى تنشيط منتجات المصنع الكيماوية الأخرى.
ووفقاً لـ "وثيقة ملكية الدولة"، فصناعة فحم الكوك لن تكون الصناعة الوحيدة التي ستخرج منها الدولة، بل هناك خمسة مجالات أخرى هي: خدمات الغذاء والإقامة، وتجارة التجزئة، والتشييد والبناء (عدا مشاريع الإسكان الاجتماعي)، إضافة إلى مجالي صناعة الأخشاب والجلود.
كما ستحد الدولة من ملكيتها والاستثمار في عشرة من الصناعات والخدمات هي: الصناعات النسيجية بنسبة 90 في المئة، الزراعة بنسبة 83 في المئة، والصناعات الهندسية بنسبة 77 في المئة، الصناعات الغذائية والمشروبات بنسبة 73 في المئة، وأيضاً الأدوية بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى التعدين والكهرباء... ما يعني تصفية وبيع المزيد من المصانع خلال السنوات القادمة..
غزل وعرق
بالعودة إلى البيانات المتوفرة بموقع الوزارة نفسه حول الشركات التي تتبع وزارة قطاع الأعمال، يمكن توقع الشركات المرشحة للتصفية خلال الفترة القادمة وفقاً للخسائر والمجالات، بسبب سنوات من سوء الإدارة وغياب المحاسبة.
فعلى سبيل المثال، نجد أن قطاع الصناعات النسيجية هو من ضمن القطاعات التي ستشهد خروج الدولة بنسبة 90 في المئة خلال الثلاث سنوات القادمة، وتمثل 21 في المئة من إجمالي عدد الشركات المملوكة بالكامل للدولة، بإجمالي أصول تصل إلى 6 مليار جنيه. وباستثناء 4 شركات رابحة فقط، تصل خسائر تلك الشركات مجتمعة إلى 3 مليار جنيه، أما عدد عمال شركات الغزل تلك فيصل إلى 52 ألف عامل من العمالة الماهرة.
جدل انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، ومِنَح الحكومة التي تتلاشى قيمتها بسبب موجات الغلاء، غطّى على الحديث عن وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، التي طُرحت خلال المؤتمر الاقتصادي المنعقد في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وقد نقلتها وسائل الإعلام متبنية الرؤية الرسمية للسلطة المتمثلة في نفي كونها صورة جديدة للخصخصة.
ويتناقض ما جاء بالوثيقة حول خروج الدولة من الصناعات النسيجية مع ما أكده بيان ألقاه وزير قطاع الأعمال العام السابق هشام توفيق خلال بداية عام 2021 أمام البرلمان، جاء فيه أن الوزارة أعدت خطة للقضاء على خسائر تقدر بسبعة مليار جنيه، حققتها 26 شركة عام 2017 - من ضمنها شركات تعمل بالصناعة النسيجية - على أن يكون الإغلاق هو آخر البدائل، علماً بأن القائمة ضمت محاولات للحد من خسائر مصنع الحديد والصلب أيضاً.
إقبال المستثمر الأجنبي على شراء مصانع المنتجات النسيجية خلال الخصخصة في فترة التسعينات يؤكد تمتعها بعوامل جاذبة، لتوفُّر العمالة الماهرة والمواد الخام بتكلفة رخيصة، فضلاً عن أصولها الضخمة، كما حدث مع "مصنع غزل شبين الكوم" الذى بيع لشركة "أندوراما" الإندونيسية العالمية عام 2006، وحكمت المحكمة ببطلان عقد البيع وردها لملكية الدولة عقب "ثورة يناير" بسبب بيعها بنصف قيمتها الفعلية تقريباً، ومن بعدها بطلان عقد خصخصة "شركة طنطا للكتان" أيضاً – وهي تضم عشرة مصانع - للمستثمر السعودي، بسبب مخالفته لقانون المناقصات والمزايدات وقانون قطاع الأعمال العام.
فلماذا العودة إلى هذه الدائرة مرة أخرى؟
وعلى الرغم من عدم تحديد عدد المصانع التي ستتم تصفيتها، إلا أن الوثيقة تأتي ضمن البرنامج الحكومي للإصلاح الاقتصادي الذي ظهرت ملامحه خلال "إفطار الاسرة المصرية" في نيسان/ أبريل 2022، ويتضمن تكليف الحكومة بوضع برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة يستهدف توفير 10 مليار دولار سنوياً، أو ما يعادل 190 مليار جنيه مصري. والهدف من ذلك هو مواجهة الدين الخارجي لمصر جراء القروض التي شهدت زيادة مطّردة تمثل عبئاً على الأجيال القادمة، إذ ارتفع الدين الخارجي من 35 مليار دولار عام 2011، إلى 49.8 ملياراً عام 2015، قبل أن يصل إلى 131.6 مليار دولار عام 2020 وفقاً لبيانات البنك الدولي، وأضيف إليه قرضٌ بتسعة مليار دولار مؤخراً.
تصفية الدولة لأصولها القيّمة سبق إطلاق الوثيقة بعدة أشهر، وبدأ من "مصنع القومية للأسمنت"، ومن بعده "مصنع حديد حلوان"، وقد بيعت أصول المصنعين في المزاد العلني، ثم "مصنع إنتاج فحم الكوك"، والذي ذكرت وثيقة ملكية الدولة نصاً خروج الدولة من صناعته خلال ثلاث سنوات من تاريخ إطلاق الوثيقة، ما يعني أن المصنع تمت تصفيته قبل إقرار الوثيقة بشكل نهائي.
ستحد الدولة من ملكيتها والاستثمار في عشرة من الصناعات والخدمات هي: الصناعات النسيجية بنسبة 90 في المئة، الزراعة بنسبة 83 في المئة، والصناعات الهندسية بنسبة 77 في المئة، الصناعات الغذائية والمشروبات بنسبة 73 في المئة، وأيضاً الأدوية بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى التعدين والكهرباء... ما يعني تصفية وبيع المزيد من المصانع خلال السنوات القادمة..
مصانع قديمة يعمل بها آلاف من العمال المهرة وأصولها تقدر بالمليارات ستغلق أبوابها، لتزيد نسبة البطالة، بدلاً من احتواء تلك النسبة بتطوير تلك المصانع والاستغلال الأمثل لأصولها.
أما تعويض عمال المصانع التي ستتعرض للتصفية، فهو أمر لا يغني العمال عن فقد وظائفهم، كما حدث مع عمال "مصنع الحديد والصلب" البالغ عددهم 7502 عاملاً، فقد قدِّمت لهم وعود بتعويضات بلغت 2 مليار وربع مليار جنيه، بعد تصفية أصول المصنع، لكن هذا لم يمنعهم من الاحتجاج. وذكرت دار الخدمات النقابية والعمالية في تقرير لها أن بعض العمال تعرضوا "لتهديدات أمنية لإثنائهم عن رفض قرار التصفية" قبل أن يتم إيقاف العمل في المصنع نهاية شهر أيار/ مايو 2021، ويُمنع العمال من الحضور.
رابحون خاسرون
استناداً إلى الموجة الأولى من الخصخصة في مصر والتي تعود إلى التسعينات من القرن الماضي، فلن يتم تعويض العمالة دائماً بقيمة مناسبة، وسيكون الهدف الأساسي من تسريحهم هو استبدالهم بعمالة يومية بلا حقوق ولا أمل في تحقيق الأمان الوظيفي، كما حدث في صناعة الأسمنت عند خصخصتها.
وبالإمكان الاستغراق في وصف حالة عمال اليومية من الأسمنت، فهم أفراد منهَكون ومنتهَكون، يعملون في مهنة ملوِّثة، يتقاعدون في سن مبكر بسبب إصابتهم بأمراض صدرية مزمنة بدون حقوق مادية تضمن لهم عيشاً كريماً. وقديماً كان العمال في صناعة الأسمنت يحصلون على أكواب حليب ورعاية صحية ونسبة من أرباح المصنع وسكن اجتماعي، وفقاً لشهادات عامل متقاعد في المجال نفسه.
إقبال المستثمر الأجنبي على شراء مصانع المنتجات النسيجية خلال الخصخصة في فترة التسعينات يؤكد تمتعها بعوامل جاذبة، لتوفُّر العمالة الماهرة والمواد الخام بتكلفة رخيصة، فضلاً عن أصولها الضخمة، كما حدث مع "مصنع غزل شبين الكوم" الذى بيع لشركة "أندوراما" الإندونيسية العالمية عام 2006، وحكمت المحكمة ببطلان عقد البيع وردها لملكية الدولة عقب "ثورة يناير" بسبب بيعها بنصف قيمتها الفعلية تقريباً.
وذكرت دراسة بعنوان "حالة خصخصة قطاع الأسمنت في مصر" (1)، أن خصخصة "مصنع أسمنت طرة" وبيعه للمستثمر الأجنبي أدى إلى تسريح ما قدر بـ 2700 عامل والإبقاء على 900 عامل فقط، كما تهرّب المستثمر عام 2005 من منح المتبقي من العمال الدائمين نسبة الأرباح التي ينص عليها القانون. وذكرت الدراسة أيضاً أن خصخصة قطاع الأسمنت أدت إلى استحواذ الأجانب على 75 في المئة من تلك الصناعة، وبالتالي التحكم في السعر، وفقد الدولة للسيطرة على هذا القطاع الحيوي، فضلاً عن كون تلك المصانع بيعت بقيمة أقل من قيمتها الحقيقة، وكانت جميعها تسجل مكاسب ولم يكن هناك مبرر لبيعها.
فما الذي يمنع تكرار مثل وقائع الفساد تلك، ولماذا تعود الدولة لخسارة أصولها عبر بيعها، وتصدر رؤيتها بأن "إدارة القطاع العام والحكومي ليست أفضل شيء. القطاع الخاص حريص على ماله ويطور من نفسه ويقلل من تكلفة التشغيل حتى يكون منافساً"، وهي عبارة جاءت على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقاء له في افتتاح مشروعات الإنتاج الحيواني بمدينة السادات شهر حزيران/ يونيو 2022 .
بل الأسوأ هو الحديث عن بيع أراضي المصانع التي تمت تصفيتها بمدينة حلوان للتحول إلى منشآت ترفيهية، مستغلة موقعها المميز على النيل، فضلاً عن بيعها بأقل من سعرها السوقي، كما حدث مع أرض "مصنع أسمنت حلوان"، إذ بيعت مساحة 155 متراً بـ 2700 جنية للمتر، على الرغم من أن المتر في تلك المنطقة يصل سعره إلى 20 ألف جنيه وفقاً للنائب رضا البلتاجي، الذي تقدم بطلب إلى رئيس مجلس الوزراء عام 2019 بالعودة عن عملية البيع.
الأسوأ هو الحديث عن بيع أراضي المصانع التي تمت تصفيتها بمدينة حلوان للتحول إلى منشآت ترفيهية، استغلالاً لموقعها المميز على النيل، فضلاً عن بيعها بأقل من سعرها السوقي، كما حدث مع أرض "مصنع أسمنت حلوان"، إذ بيعت مساحة 155 متراً بـ 2700 جنية للمتر، على الرغم من أن المتر في تلك المنطقة يصل سعره إلى 20 ألف جنيه.
فلماذا تهدر الأصول؟ ولماذا لا تطرح خطط لإعادة الهيكلة والدعم بدلا من التصفية؟ ولماذا لم توجه تكلفة بناء العاصمة الإدارية لدعم الصناعات الوطنية أولاً؟ وهي التي قدرت تكلفة مرحلتها الأولى فقط ما بين 700 إلى 800 مليار جنيه، وفقاً لتصريحات إعلامية سابقة لرئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة.
بيع أصول مصر.. لمن المُلك اليوم؟
26-05-2022
طرْح "وثيقة ملكية الدولة" تجاهل نتائج الدراسات السابقة التي أفادت بإهدار المال العام خلال عمليات الخصخصة أبان فترة حكم مبارك. ووفقاً لدراسة "تأثيــر برنامج الخصخصة على اقتصاديات الدول العربية" (2)، فقد بلغ إهدار المال العام نتيجة الخصخصة في عصر مبارك 500 مليار جنيه - بقيمة الجنيه وقتها - "كانت تكفي لوضع مصر في مصاف الدول المتقدمة" كما جاء في الدراسة، وذلك إضافة إلى تفكيك عدد كبير من الشركات التي خضعت للبيع، وتسريح العمالة فيها، وهدم صناعات هامة كما حدث مع صناعة المراجل البخارية المرتبطة باستخدامات الطاقة النووية، عند خصخصة "شركة النصر للغلايات".
1- صدرت عن كلية الآداب جامعة المنيا عام 2014
2- صدرت عن كلية التجارة بجامعة الأزهر عام 2011