يعرض متحف "أشمولين" في جامعة أوكسفورد البريطانية أعمالاً خاصة للرسام العراقي الكبير ضياء العزاوي في معرضٍ منفردٍ بعنوان "رسم الشعر"، يستمرّ من 15 كانون الثاني/ ديسمبر حتى 11 حزيران/ يونيو 2023. ويتضمّن المعرض ما يزيد عن مئة دفتر يشكّل الفنان في صفحات كلٍ منها رسوماً تندمج مع نصوص شعرية – وأحياناً مع بعض الأعمال المنحوتة أو التركيبية التي ترافقها – مستلهِماً تشكيلاته من روح تلك القصائد، بحيث يكون الشكل البصري هو نفسه المضمون النصّي من حيث الأهمية، بانصهارٍ لا يُقدّم أحدهما على الآخر.
في تلك الدفاتر، تُخاط باللون والخط والمساحات كلماتُ الشعراء سعدي يوسف وأدونيس ومظفر النوّاب وسركون بولص وأمل دنقل ودنيا ميخائيل وغيرهم، في شكل صفحات متقابلة أو "مَطوِيّات" (بشكل "أكورديون") - تذكّر بجماليات المخطوطات التراثية الإسلامية وما قبل الإسلامية - وبعضها فريدٌ من حيث اتصاله بامتدادٍ للدفتر، على هيئة منحوتة أو جسم تشكيلي آخر. وفي المعرض أيضاً نسيج هائل عرضه 10 أمتار، يُعرّض للمرة الأولى، عنوانه "الموصل: مشهد الدمار"، يرسم ما شهدته المدينة إبان استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية عليها..
يقدّم موقع المتحف أعمال المعرض بالكلمات التالية: "تمثّل الدفاتر نوعاً فنياً غير اعتيادي و"مرناً" إلى حدّ ما. لا هي كتاب بالكامل ولا منحوتة بالكامل. تستلهم من المخطوطات الإسلامية القديمة، إلا أنها تتبنى الجماليات الحديثة والهموم المعاصرة. وهي بذلك مساحة غنية للتعبير الفني والتجريب ومسرح مقاومة وصمود عندما تكون رداً على العنف والنزاع".
ضياء العزاوي، المولود في بغداد في عام 1939، هو من أشد فناني العالم العربي تأثيراً، حسب تعريف المتحف له. معروف بحجم لوحاته الكبير واشتمال أعماله على مجموعة متنوعة من وسائل التعبير. وهو دائماً ما تشتبك أعماله مع مخاوف وهموم ومآسي بلاده ومنطقته، لا يغيب عنها نضال الشعب الفلسطيني ولا أهوال وطنه العراق. وفي تباينات الدفاتر الواضحة تتبدّى موضوعاتها وانشغالاتها، فقصائد الحب ينفجر فيها اللون وتتحرر الخطوط، أما تلك التي تستعيد حرب الخليج أو غزو العراق ثم صعود تنظيم الدولة، فيخيّم عليها السواد والقتامة وتنكمش عناصرها.
هذه الدفاتر منتجة على مدى فترة طويلة من الزمن تقارب الأربعين عاماً، بعضها يعود لثمانينات القرن الماضي، وأحدثها مكتمل في عام 2022، وهي نوع فني تميّز به العزاوي لعقود، فتعاون مع شعراء عدة لإخراج دواوينهم الشعرية أو عبر استلهام نصوصهم في اللوحة والنحت. ولا شكّ أن التزام الفنان بقضايا زمنه بالتوازي مع قيمة منتوجه الفني الذي ما انفكّ يزداد ثراء وتنوعاً وجرأة حتى اليوم، وهو في سن الـ84، تجعله رائداً فريداً من روّاد الفن التشكيلي العربي الحديث، لا تغري أعماله بالنظر فحسب، بل تستفزّ شعوراً وفكرة.