منذ اللحظات الأولى لإعلان خبر "فرار ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي" في أيلول / سبتمبر 2021، ثمّ تفصيلُ أنهم "حفروا نفقاً خارج السجن بالملاعق"، تحوّل الرجال الستة إلى ما يشبه الأبطال الأسطوريين في حكاياتِ الأوّلين. سحرة خارقون قادرون على خرقِ الجدار. وإن اعتُقِلوا مجدداً بعدها بأيام، فلا شيء يمحو حقيقة أنهم فتحوا باباً للحرية في الأرض وعبَروا، ولا شيء ينسينا أنهم حفروا بالملعقة والأدوات البسيطة، ولكن أيضاً بالعزم الرهيب، ولمدة تقارب التسعة أشهر، نفقاً يصلهم إلى خارج الحبس. هذه قصة نعرف أننا سنخبرها لوقت طويل.
ليس الطريق مستحيلاً ولكنه صعب، وكل صعب ممكن
26-09-2021
دلفوا يوم الثلاثاء الماضي، في العاشر من كانون الثاني / يناير 2023، إلى قاعة المحكمة الإسرائيلية في الناصرة، لحضور جلسة استئناف قضيتهم. وقد أجّلت المحكمة البتّ بالاستئناف المقدم إلى 14 شباط / فبراير القادم - وهو استئناف القرار الذي صدر بحقهم في 22 أيار / مايو 2022 بالسجن 5 سنوات مضافة إلى أحكامهم وتغريم كل منهم بـ5 آلاف شيكل "عقاباً" على فرارهم من السجن.
لم يكن التأجيل حدث الجلسة، بل مجرّد ظهور الأسرى الستة - محمود العارضة، محمد العارضة، زكريا الزبيدي، أيهم كممجي، مناضل انفيعات ويعقوب قادري - مبتسمين في تلك الجلسة، رافعي الرأس، وبمعنويات عالية جداً، يتبادلون السلام والتطمينات وكلمات "مشتاقلك يا حبيبي" من بعيد مع الأهل والأصحاب، محاطين بعدد كبير من الحرس والسجّانين. تلك الابتسامات المنسابة (وهي بالتأكيد ليست كذلك بوجود السجن)، المتحدّية المبهرة المؤلمة في وضوحها وتفاؤلها، هي ابتساماتٌ تشبه "حفرَ نفقٍ إلى الحرية بالملعقة"! كأنها مقاربة كاملة لحياةٍ تُعاشُ تحت الاحتلال - وطريق مقاومةٍ جميلةٍ - شاقّة...
ربما يمكننا من هنا فهم طلب أحد هؤلاء الأسرى، زكريا الزبيدي، منذ أواخر كانون الأول / ديسمبر 2022، التبرع للأسير المريض بالسرطان وليد دقة بنخاعه الشوكي بناء على عينة طبية أُخذت منه لهذا الغرض. الزبيدي يصرّ على استكمال الفحوصات ويتّهم إدارة السجون بالمماطلة عمداً بتأخير قبول طلبه وتحديد موعد للعملية. هو نفسُ منطق تلك الروحية المقبِلة بحب على الحياة..