مواطنون في غياهب النسيان: عن الإخفاء القسري في ليبيا

خلص تقرير لخبراء في الأمم المتحدة إلى أن القوات الحكومية والميليشيات في طرابلس، شأنها شأن "الجيش الوطني الليبي" الذي يسيطر على شرقي البلاد، جميعهم متورطون في ملف الإخفاء القسري لمواطنين، يقدر عددهم في ليبيا بـ 1700 شخص، وذلك خلال الفترة بين شباط/فبراير 2011 واليوم.
2023-01-02

صغيّر الحيدري

صحافي من تونس


شارك
اسماعيل فتاح - العراق

مثّل وصول مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى ليبيا، كريم خان، في شهر تشرين الثاني /نوفمبر 2022 لحظة فارقة انتظرها الكثيرون في ليبيا ممن كانوا ضحايا أو لديهم ضحايا سقطوا منذ انتفاضة 17 شباط/ فبراير 2011 التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي.

وتعتبر زيارة خان هي الأولى لمدعي عام الجنائية الدولية إلى ليبيا منذ عشر سنوات، ارتُكبت خلالها أفظع الجرائم في ظل الصراع على السلطة الذي قاد إلى فوضى أمنية وسياسية خلقت مناخاً ملائماً لنشاط العصابات والتنظيمات المتشددة على حد سواء. وتُعد قضية المختفين قسراً من بين أبرز القضايا التي نفضت عنها أوساط حقوقية الغبار في مسعى لتحريك هذا الملف الذي يتعلق بمصير آلاف الضحايا.

وفي أغسطس/آب 2022، قالت الأمم المتحدة إن عدد المختفين قسراً في ليبيا لا حصر له، معتبرة أن هذه الجريمة هي انتهاك خطير للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. لكن لم يتم بعد اتخاذ أي خطوات فعلية لمعالجة هذه الظاهرة.

1700 ضحية

على الرغم من أن الاتفاق السياسي الموقع في العام 2015 في مدينة الصخيرات المغربية، تضمّن في المادة 24 منه تشديداً على ضرورة الكشف عن مصير المفقودين إلا أن ضحايا جريمة الإخفاء القسري يواجهون تجاهلاً كبيراً في ظل طغيان الحسابات السياسية على بقية هواجس الليبيين. ويعكس عدم تنفيذ المادة المذكورة الهوة الواسعة بين الاتفاقات والقوانين في ليبيا وبين الواقع القائم.

قد تكون دوافع مرتكبي جرائم الخطف والإخفاء القسري هي الابتزاز المالي أو الانتقام الشخصي أو التخلص من خصوم سياسيين أو غيرها. ولكن، ولأن الأطراف الليبية تتبادل الاتهامات بشأن المسؤول عن هذه الجرائم، فقد طغى التوظيف السياسي لها على حساب إيجاد آليات للتقصي والكشف، ولم تتمكن لجنة حكومية هي "الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين" من تحقيق تقدّم في هذا المجال.

وشملت جريمة الإخفاء القسري ما لا يقل عن 1700 شخص منذ تفجر انتفاضة 2011 بحسب أرقام قدّمها رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا. وطال الإخفاء القسري سياسيين وشخصيات عامة ومواطنين على غرار النائبة في البرلمان، سهام سرقيوة، التي اختطفت من منزلها في بنغازي في 2019 بعد إطلاقها مواقف قوية مناهضة للهجوم الذي شنه "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس. اختفت "سرقيوة" منذ ذلك الحين، فيما يتم باستمرار الإعلان عن اختفاء موظفين في مؤسسات حكومية على غرار الشركة العامة للكهرباء، وحتى أعضاء في المجلس الرئاسي وغيرهم. وبعد ذلك بعام بالتمام جرت محاولة لاختطاف المحامية حنان البرعصي في أحد شوارع بنغازي، وحين فشلت عملية الخطف تمت تصفيتها بالرصاص داخل سيارتها وفي وضح النهار. وقد كانت شديدة النقد لممارسات "الجيش الوطني الليبي" الذي يسيطر على شرق ليبيا وعلى بنغازي، ولحفتر نفسه.

وقد تكون دوافع مرتكبي هذه الجرائم هي الابتزاز المالي أو الانتقام الشخصي أو التخلص من خصوم سياسيين أو غيرها. ويتبادل الليبيون الاتهامات بشأن المسؤول عن هذه الجرائم، مما أفضى إلى تجاهل الآليات الكفيلة بوضع حد لها. ولم يتم اتخاذ قرارات في شأن المختفين قسراً قادرة على الكشف عن مصيرهم على الرغم من وجود لجنة حكومية هي "الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين" التي تتخذ من طرابلس مقراً لها.

لم تنجح هذه الهيئة بعد في تحقيق أي اختراق في ملف المختفين قسراً، واقتصر عملها على البحث عن ضحايا الحرب من القتلى في مدن مثل ترهونة التي تمّ فيها العثور على العديد من المقابر الجماعية يُشتبه أنها تعود إلى فترة الحرب بين قوات حفتر وقوات "حكومة الوفاق الوطني".

وفيما تُحْجِم جميع الأطراف عن الإقرار بمسؤوليتها عن هذه الجرائم، خلص تقرير لخبراء في الأمم المتحدة في وقت سابق إلى أن القوات الحكومية والميليشيات في طرابلس، شأنها شأن "الجيش الوطني الليبي"، هي أيضاً متورطة في هذا الملف.

توظيف سياسي

يغلِّف هذا الملف التوظيف السياسي له عبر التناحر بين الأطراف، وهو ما يُعيق الوصول إلى نتائج ملموسة. فعلى سبيل المثال، ركزت "هيئة البحث والتعرف عن المفقودين" عملها على ترهونة، بينما تمّ تجاهل مناطق أخرى على غرار "سرت" التي نجح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إخضاعها عامي 2015 و2016. ويعكس هذا التركيز محاولة لإدانة حفتر وقواته أكثر منها الكشف عن مصير الضحايا، باعتبار أن الاتهامات بارتكاب هذه الجرائم في مدينة ترهونة موجهة بالأساس له. وتتبادل الجهات الاتهامات دون الالتفات الى نقطة الأصل في الموضوع، وهي الجريمة نفسها.

وتقود الفوضى الأمنية والسياسية إلى صعوبة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة في حق الجناة في ظل الصراع بين الأطراف السياسية أيضاً من أجل السيطرة على الجهاز القضائي. وعلى الرغم من أن التوظيف السياسي لهذا الملف وغياب مؤسسات متماسكة، قوّضا فرص الكشف عن مصير المختفين قسراً، إلا أن هناك أسباباً أخرى تساهم في تعطيل هذا الملف أهمها اكتساؤه طابعاً قبلياً وأسرياً... 

مقالات من ليبيا

القاتل في ليبيا

2023-09-13

الليبيون يعرفون أن المشكلة تكمن في مكان آخر: تنبأ بها عام 2022 تقريرٌ كتبته إدارة ليبيّة شبحيّة: "يجب علينا بشكل عاجل صيانة وتقوية سدَّي درنة، وهناك حاجة إلى سدّ ثالث،...