أعلنت السعودية عن استراتيجية اقتصادية جديدة لتنويع وارداتها، وصفّق لها البعض باعتبارها تحوّلاً نوعياً كبيراً واستخفّ بها البعض الآخر بالقول إن كل المحاولات السابقة باءت بالفشل وإنّ هذه المبادرة لن تعيش طويلاً.
هدف المبادرة
من المؤكد أن انخفاض سعر النفط وبالتالي الارتفاع الهائل في عجز الميزانية هو الذي دفع إلى التفكير بالتخلي عن بعض مداخيل النفط لصالح التنويع في الاستثمارات. إلّا أن هذا التحويل في الاستثمارات مبنيّ على مسائل متعدّدة تطرح الكثير من علامات الاستفهام.. وتقدِّم تفسيرات أخرى لهذه الخطوة. فالملاحَظ أن الاستثمارات المنوي عليها، 2000 مليار دولار، هي:
1- أكبر من حجم موجودات المملكة التي تصل في الخارج إلى حوالي 800 مليار دولار. أما الفارق فسيأتي من خصخصة أرامكو.
2- موجّهة بأكثرها للخارج وليس للداخل. فالتنوع المرجوّ هو في المردود دون أن يكون لذلك طابع تنموي داخلياً.
3- هذه الاستثمارات ستكون من خلال محفظة سيادية وليس من خلال استثمارات مباشرة للحكومة السعودية، أي أن هذه المحفظة سيكون لها وضع حقوقي مختلف عن الحكومة. إذاً، فالسعودية تحاول بعد سنين طويلة وبعد انخفاض سعر النفط أن تقلّد قطر والكويت!
هذا السيناريو يعني أن المملكة تأخذ من جيبها اليمنى لتضعها في جيبها اليسرى. وبالتالي فلماذا هذا الاهتمام الكبير؟ الجواب على هذا السؤال هو الذي يفسّر إلى حد كبير هذه الخطوة. الجواب يكمن في نقاط عدة أساسية:
1- إن قسماً من الموجودات سيكون عن طريق الاستكتاب من الأجانب والاستدانة من الخارج.
2- الأرجح أن تبدأ المملكة بخصخصة 5 في المئة من أرامكو. ولكن من المتوقع ان تصل الى أقل قليلاً من 50 في المئة منها، بحيث تبقى القرارات بين أيديها. وبكل الأحوال، فقيمة 50 في المئة من أرامكو تساوي حوالي 1000 مليار دولار، وهو المبلغ الذي يمكن ان يضاف الى الموجودات المالية والاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة (حوالي 800 مليار دولار) ليشكلا معاً الميزانية المطلوبة في المشروع.
نستطيع أن نستنتج من كل ذلك أنّ السعودية تريد توزيع وتنويع إيراداتها، إلا أن توزيع الواردات والتخفيف من الاعتماد على النفط لن يؤدي إلى نموّ في البلاد، إذ أن أكثر الاستثمارات ستوجّه إلى الخارج، فهل سيزيد مدخول المملكة؟ الجواب غير معلوم ولا أحد يمكنه أن يؤكّد شيئاً في هذا المضمار.
النتيجة أن السعودية ستنتقل بهذه الخطة من دولة ريعية نفطية إلى دولة ريعية نفطية / مالية مرهونة بكل من جانبَي مداخيلها بالخارج.
يبقى السؤال الأخير: هل للسعودية أهداف من هذه العملية غير معلَنة؟
من الواضح أنّ المملكة خائفة على أكثر من صعيد:
خائفة لأنها لم تعد تسيطر على سعر النفط، خائفة من إيران ولم تعد تستطيع أن تعتمد على أحد، سوى ربما على تركيا، غصباً عنها! فمصر غائبة وسلاح وأموال المملكة لا تستطيع أن تحسم أي معركة في المنطقة، لا في سوريا أو اليمن أو في لبنان، طالما أنّ الأميركيين سمحوا للروس أن يدخلوا المنطقة ورفعوا الضغط عن إيران.
هي ببساطة خائفة أن يحصل لها ما حصل لجيرانها، العراق وإيران، أي أن تكون على لائحة العقوبات للرئيس الأميركي المقبل. فالخلافات مع أميركا عديدة، ومقابلة أوباما مع مجلة "أتلانتيك" تؤكّد هذا الأمر، ومما له دلالة المحاكمات المتعلقة بـ "9 سبتمبر 2001" التي تجري على الأراضي الأميركية.
الاستدانة
ما علاقة "خطة الـ15 عاماً" لوليّ ولي العهد بالخوف من العقوبات الأميركية؟ لفهم ذلك يجب إدخال عنصر جديد حصل منذ بضعة أيام، وهو استدانة المملكة: 10 مليارات دولار لأول مرة منذ سنين طويلة، مع العلم أن المملكة تستطيع أن تبيع قسماً من أصولها في الولايات المتحدة بدلاً من الاستدانة. إذاً لماذا اللجوء إلى الدَّين؟
كل ما ذُكر عن المحفظة والخصخصة والاستدانة يصب في خانة واحدة: المملكة لا تستطيع أن تسحب أصولها في الغرب إلا بتروٍّ، وفي حال خلاف مع الولايات المتحدة ستجمّد هذه الأخيرة أموالها، وتهديدات وزير الخارجية السعودي ببيع سندات الخزينة الأميركية ــ إذا ما سمح أوباما بوضع الملفات السرية المتعلقة بـ 9 /11 بتصرّف القضاء الأميركي - غير واقعية وبمثابة إعلان حرب. وما زيارة أوباما الأخيرة للمملكة إلا بهدف رسم الخطوط الحمراء المتعلقة بتلك المسألة.
إذاً "رؤيا 2030" هي الخطة ب التي تدور حول مسألة واحدة أساسية: التخفيف من حدة أي عقوبات مالية على المملكة، وفي الوقت نفسه البرهان عن حسن نية المملكة تجاه الإدارة الأميركية. فالخصخصة والاستدانة هدفهما استدراج الرساميل الأجنبية إلى المملكة من خلال الاستثمار فيها...
أما المحفظة الخاصة، فهدفها زيادة الاستثمارات في الولايات المتحدة لتحسين ميزان المدفوعات الأميركي من خلال استبدال بعض أصول أرامكو بأصول أميركية. بذلك، فإذا استطاعت أيضاً المملكة أن تستدين بضع مئات من المليارات مقابل أصولها، فأي عقوبات عليها ستنعكس سلباً على المقرِضين وأكثرهم المصارف الغربية.
الخطوة إذاً ذكية وتسمح خلال بضع سنوات بسحب قسم من الرساميل المستقرّة في الخارج ومنع الولايات المتحدة من فرض عقوبات لكي لا تلحق الضرر بمصارفها.
يبقى أن هناك بضعة أسئلة لا جواب عليها: ما هي كلفة هذه العملية، أي الفارق بين مردود الأصول وفائدة الديون؟
والى أي حد ستنتقص من استقلالية المملكة في قراراتها؟
وهل سيسمح الأميركان بكل ذلك، أي هل لديهم مصلحة بذلك؟
المعادلة تكمن في مدى السيطرة على كل تلك الأمور المعقدة، والمرهونة بقرارات الإدارة والمستشارين.. الأميركيين.