أمنياتنا..

... وإن كنا نعلم بدواخلنا أن "غداً مجرد يوم آخر"، إلا أنها وقفةٌ تكفي لتذكّرنا بأننا "نجونا". أمنياتنا للعام الجديد أيامٌ أكثر عدلاً ولُطفاً ورحمة. خبز وبحبوحة وحرية ومأوى وأمن وأمان وفسحات أكبر للحلم. لأجل أصغر المحاولات لعالم أفضل، نحتفل.
2022-12-29

شارك
كون مذهل.. إحدى أهم الصور لهذا العام كانت تلك التي التقطها تلسكوب جبمس ويب لتكتلات المجرات بدقة عالية غير مسبوقة (ناسا)

يقتضي التقليد السنوي احتفالاً بنهاية عام وبداية عام. ولا يبدو أننا، جنس البشر، نلقي بالاً بكمّ وهوْل الظروف والأحداث والمجريات التعيسة التي شهدناها على امتداد العام في هذا الوقت بالذات، أي مع تصرّم الأيام الأخيرة من سنةٍ ما. نقرر جماعياً أننا "سنحتفل"، أينما كنا وأياً كانت الأحوال. وحتى أولئك منا الذين لا يحتفلون، لا بدّ يضمرون بينهم وبين أنفسهم تمنيات، دعوات، أو صلوات علنية وسرّية للعام الجديد. هي محطّة في تقويم الأيام، تطوي الصفحة، وإن كنا نعلم بدواخلنا أن "غداً مجرد يوم آخر"، إلا أنها وقفةٌ تكفي لتذكّرنا بأننا "نجونا".

دار كوكبنا حول الشمس مرة أخرى، وعليه دارت حروبنا الطائشة، معاركنا اليومية، مظالِمنا الفردية والجماعية، وتبدلات مناخنا المقلقة. دار كوكبنا وشاهدنا مباريات الفوتبول في المونديال حول العالم، احتفلنا باللعب والرقص كما فعل أسلافنا في أزمنة سحيقة أيضاً. وُلد أطفال كثر ولا بدّ عرف الناس مع أحبائهم وعائلاتهم لحظات فرح كبيرة أو صغيرة. دار كوكبنا وشريط الأخبار اليومي يركض أسفل الشاشات ينبئنا عن وباء يتفشى هنا وحرب تستعر هناك، عن همّ معيشي يكبر كغول يأكل أحلام الشباب فلا يشبع، عن أماكن منسية ما تزال تقاسي الجوع، بالمعنى الحرفي للكلمة، وعن ناس يواجهون أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في عالم غير متوازن، يتظاهر أنه "يتطور" طوال الوقت، فيما يعني ذلك فعلاً أن "بعض المجتمعات أو الأشخاص في دول محظية تتطور على حساب الأكثرية"...

قد تبدو النجاةُ في هذا العالم أقلّ من نجاة، لكن الناس في بلدان منطقتنا أيضاً يحتفلون. يحبون أن يحتفلوا ويعرفون كيف يحتفلون ويستحقون – لمحاولاتهم التي تفاجئ ولا تنضب وتصيب وتخطئ وتعود تحاول في كل مكان من سوريا والعراق ومصر ولبنان وتونس واليمن وطبعاً فلسطين... يستحقون أن يحتفلوا بما بهم مِن أملٍ "يأتي ويذهبُ لكن لن نغادرَه"، كما في قصيدة محمود درويش.

أمنياتنا للعام الجديد أيامٌ أكثر عدلاً ولُطفاً ورحمة. خبز وبحبوحة وحرية ومأوى وأمن وأمان وفسحات أكبر للحلم.

أمنياتنا الحرية لفلسطين، والخلاص من ديكتاتوريات عفنة في بلداننا، السلامة لنساء مجتمعاتنا العربية وسواها، في إيران وفي أفغانستان (حيث سَلبت منهنّ حركة طالبان الحق في التعلّم في المدارس والجامعات، وهذا الآن في أواخر العام 2022!)، ورفع الاضطهاد عن الأقليات المهمشة والمظلومة.

أمنياتنا الاقتصاص من المجرمين الذين اغتالوا الصحافية شيرين أبو عاقلة ومَن على شاكلتهم ممن يسفكون الدماء البريئة في كل مكان دون أن يرفّ لهم جفن. أمنياتنا الحرية لعلاء عبد الفتاح ولكلّ المعتقلين ظلماً وعدواناً في السجون – عرفنا أسماءهم أم لم نعرفها - لأنهم قالوا كلمة حقّ عند سلطانٍ جائر.

يدور الكوكب دورته، وأفضل ما فيه أنه لن يخلو يوماً من المحاوَلات. لأجل أصغر المحاولات لعالم أفضل، نحتفل.

السفير العربي 

مقالات من العالم العربي

التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: استراتيجيات عسكرية موسعة وتهديدات بالضم

في إطار المتابعة الحثيثة التي يقوم بها "معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني- (ماس)" لمتابعة التطورات، ورصد تأثيراتها، أعد المعهد ورقة خلفية لأولى جلسات "سلسلة الطاولة المستديرة" لهذا العام، صدرتْ في...

هل موريتانيا مقبلة على حوار وطني شامل؟

هناك حاجة فعلية وملحّة للحوار الوطني في موريتانيا، إذ لا تزال العديد من القضايا العالقة، مثل: تسوية الإرث الإنساني، ومكافحة العبودية ومخلفاتها، وتعزيز التعايش المجتمعي، والتوزيع العادل للثروة، تحتاج إلى...

سلام "ترامب" الاقتصادي الجديد: من إدارة الصراع إلى تصفية القضية الفلسطينية

ليس الأمريكان الوحيدين الذين لديهم خطط استثمارية وعقارية لقطاع غزة، بعد إعادة احتلاله وتطهيره من حماس، والاستيلاء عليه، حيث بادرت مجموعة عقارية استثمارية إماراتية إلى طرح رؤية أكثر تفصيلية للفكرة...