روسيّان طوّرا رسم الأرزة رمزاً وطنياً لبنانياً

قد يغيب عن أذهان الكثيرين الأثر المتعدِّد الذي تركه مهندسون وطبوغرافيون ومساحو أراضٍ وراسمو خرائط وميكانيكيون روس خدموا مطلع القرن العشرين في إدارة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان... لكن فنون الرسم التطبيقي من أعمال بافل كوروليوف وفلاديمير بليس محفورة في ذهن كل لبناني وإنْ كان لا يعرف مَن رسمَها: الأرزة مثالاً!
2022-12-22

عماد الدين رائف

كاتب وصحافي من لبنان


شارك
أرزة بطاقة الهوية

مطلع عشرينيات القرن الماضي، دفعت هزيمة فلول الحرس الروسي الأبيض أمام زحف الجيش الأحمر، نحو مئتي ألف من الجنود والضباط إلى الفرار مع أسرهم من شبه جزيرة القرم إلى "غاليبولي" قرب اسطنبول، حيث تجمّعوا. تقاطر الضباط اللاجئون إلى بيروت. وبُعَيد إعلان "دولة لبنان الكبير"، خدم كثيرون منهم في إدارة الانتداب الفرنسي في لبنان وسوريا، مهندسين، وطبوغرافيين ومساحي أراضٍ، وراسمي خرائط وميكانيكيين... وكان سلاحهم اللغة الفرنسية المتينة التي حرصت النخب في العهد القيصري على إتقانها دليلاً على الثقافة العالية.

كان لبنان محطة لمعظم الوافدين إليه للخدمة في الإدارة الانتدابية، وكان الهدف الانتقال إلى الغرب، إلا أن المهاجرين بنوا مجتمعهم الصغير في بيروت (جمعيات عسكرية وتقنية، مكتبة عامة، حلقات ومحاضرات أدبية وعلمية، مدرسة للغة الروسية، دورات لتعليم الموسيقى، الخدمة الكنسية الأرثوذكسية في الأشرفية ورأس بيروت)، ومئات منهم اختاروا البقاء في لبنان، وباتوا جزءاً من النسيج الاجتماعي المحلي وتركوا أثراً ثقافياً ينُسب خطأ في بعض الأحيان إلى الإدارة الفرنسية.

اليوم، قد يغيب عن الأذهان الإرث الموسيقي الكبير الذي تركه الأساتذة الروس، عبر تأسيس "أركادي كوغل" المعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية في بيروت، وتطوير نيقولاي دال "الكونسرفاتوار الوطني اللبناني" الذي عمل فيه عشرات الأساتذة الموسيقيين الروس (ميخائيل شيسكينوف، ألكسي كورنأوكوف، إيليا لازاريف، يلينا سافرانسكايا، إيراست بيلينغ...)، وبقيت آثارهم حية في أعمال تلامذتهم الموسيقيين والمغنين اللبنانيين. قد يغيب ذلك، إلا أن فنون الرسم التطبيقي من أعمال بافل كوروليوف وفلاديمير بليس، محفورة في ذهن كل لبناني وإن كان لا يعرف من رسمها.

الطريق إلى بيروت

ولد بافل بروكوفيفيتش كوروليوف (بول كوروليف) في مقاطعة سان بطرسبورغ سنة 1896، وتوفي في بيروت سنة 1992. درس في "المعهد المركزي للرسم التقني"، ومن ثَم في "أكاديمية الفنون" في مدينة سان بطرسبورغ. شارك في الحرب العالمية الأولى برتبة ضابط صفّ. بعد "ثورة أكتوبر" 1917، انضم إلى حركة الروس البيض. في العام 1920، أجلي من القرم إلى الأراضي التركية. ثم انتقل بعدها إلى مملكة الصرب والكروات والسلاف. عاش في سراييفو، حيث مارس فن الرسم والتصاميم، وفتح مشغله الخاص به. في 6 كانون الثاني/ يناير 1929 انتقل إلى بيروت للعمل بصفة رسام رسمي لدى إدارة سلطة الانتداب الفرنسي في سوريا، كما تلقّى حجوزات وطلبات خاصة. عمل منذ 1942 على تصاميم الغرافيك، ورسم بروفات العملات الورقية والمعدنية، ورسومات للأغلفة وللأوراق البنكية وأوراق "اليانصيب الوطني اللبناني". أنجز مجموعات من العملات الورقية لسوريا ولبنان. ورسم الخرائط والرسوم التوضيحية للقواميس والكتب المدرسية وأدلة وزارة السياحة.

في خمسينيات القرن الماضي، حافظ على الروابط مع السفارة السوفياتية في بيروت، وسافر إلى الاتحاد السوفياتي، لكنه عاد إلى لبنان مجدداً. كان بيته في محلة عين المريسة في بيروت جاذباً للمثقفين اللبنانيين. في العام 1968، رفع كوروليوف طلباً للاستحصال على الجنسيّة اللبنانية، يعدد فيه خدماته الكثيرة التي قدّمها، ومنها: عشرات مجموعات الطوابع البريدية والمالية للبنان وسوريا والكويت والأردن كذلك (أكثر من 400 تصميماً)، والسندات المالية اللبنانية، وعشرات التصاميم لأوراق اليانصيب اللبنانية والسورية، ودفاتر الشيكات لمصارف مختلفة، والرسوم التوضيحيّة لأكثر من 150 كتاباً مدرسيّاً، وبروفات العملات الورقية اللبنانيّة والسوريّة، تصاميم العملات المعدنيّة الصادرة عن مصرف لبنان (استمر في رسمها حتى العام 1981)، وأوراق اعتماد السفراء اللبنانيين في الخارج، والخرائط اللبنانية المختلفة (مجلة "فيلاتيليا" الموسكوفية، العدد 6، 1996).

تمتع الفنان بسمعة جيدة فنياً، فاعتُبر كبير رسامي المناظر الطبيعية والغرافيك في لبنان. ومع ذلك، عاش في نهاية حياته ظروفاً مادية صعبة جداً، وقد اضطر إلى بيع مجموعته الفنية الشخصية، التي كانت تضم مشاريع أعماله ومخططاتها وبروفات اللوحات، والمسوّدات التجريبية، بالإضافة إلى بروفات الخرائط الجغرافية والطوابع البريدية والعملات والسندات. بل اضطر إلى بيع عدّة الرسم الخاصة به ليتمكن من شراء الطعام والدواء (1). وهكذا رحل هذا الفنان فقيراً معدماً على الرغم من أن أوراق العملة التي كانت متداولة بين أيدي الناس كانت من تصميمه.

بافل كوروليوف وفلاديمير بليس فنانان روسيان طوّرا رسم الرمز الوطني اللبناني. لم يُمنحا الجنسية اللبنانية، ولم يحظيا بأي تكريم رسمي، ولا يعرف باسمهما وإنجازاتهما سوى قلة قليلة من المتخصصين. 

على الرغم من أن كوروليوف كان فارساً مقاتلًا في الجيش الروسيّ الأبيض، إلا أنّه، ومنذ انسحابه طواعية من فوجه لم يلتحق بأي من المجموعات العسكرية الروسيّة في لبنان. وقد بقيت علاقته جيّدة مع أعضاء الفرق العسكريّة الروسيّة البيضاء، والدليل على ذلك تعاونه مع الجنرال الروسيّ غيورغي ألكسندروفيتش علييف (1887-1973)، وهو رسام أيضاً، صمّم مع كوروليوف مجموعات طوابع بريدية لإمارة دبي سنة 1964. وغيورغي علييف هو صاحب تصميم الزيتونة رمزاً لجامعة بيرزيت في فلسطين.

مقالات ذات صلة

أما الفنان الثاني في مسيرة الرسم التطبيقي في لبنان فهو فلاديمير فلاديميروفيتش بليس (1897-1974)، الذي كان ضابطاً عسكرياً انسحب مع فرق الجيش الأبيض من القرم إلى "غاليبولي التركية"، ثم هاجر إلى بلغاريا، قبل أن ينتقل إلى بيروت في العام 1934. عمل رسّاماً محترفاً للخرائط لدى سجلّ مسح الأراضي في لبنان وسوريا وكان عضواً في الجمعية التقنية الروسية. بين العامين 1953 و1961 أنشأ تصاميم عشر مجموعات الطوابع البريدية في لبنان. كما عمل على عدد من المجموعات البريدية السورية.

يعود الفضل في تعرفنا إلى آثار هذين الفنانين إلى الباحثة الروسية اللبنانية تاتيانا كوفاشيفا بحر، التي كانت الباحثة الأولى في تنظيم معرض "فنانون روس رسموا لبنان"، إلى جانب الباحث المشارك خليل برجاوي صاحب معرض الطوابع البريدية الأول في لبنان (النبطية)، وتشرفتُ أن أكون ثالثهما. وقد نُظِّم المعرض في "بيت ألكسندر سولجنيتسين للمغترِب الروسي" في العاصمة الروسية ربيع 2017. شكّل هذا المعرض الذي ضمّ المجموعات الأصلية للفنانين (نحو 470 قطعة من مجموعة برجاوي)، مفاجأة للأوساط الثقافية الروسية والباحثين في فنون "الأوراق العابرة" (الأوراق النقدية، الطوابع والبطاقات البريدية، والأغلفة) والعملات المعدنية والأوسمة، ما دفع البريد المركزي الروسي إلى إصدار بطاقة بريدية خاصة حملت اسم المعرض ووُسمت بختم خاص حمل رسم الأرزة اللبنانية كما صممها كولوليوف.

الرمز الوطني

ترتكب وسائل الإعلام اللبنانية خطأ في زجّ الأرزة بتصميمها الحالي داخل العلم الفرنسي، في القسم الأبيض بين القسمين الأحمر والأزرق، وتعتبره علم لبنان الكبير الخاضع للانتداب الفرنسي. فتصميم الأرزة بشكلها الحالي مرّ بأطوار كثيرة، قبل أن يتبلور على أيدي كوروليوف وبليس.

هناك إرث موسيقي كبير تركه الأساتذة الروس في لبنان، عبر تأسيس "أركادي كوغل" المعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية في بيروت، وتطوير نيقولاي دال "الكونسرفاتوار الوطني اللبناني" الذي عمل فيه عشرات الأساتذة الموسيقيين الروس (ميخائيل شيسكينوف، ألكسي كورنأوكوف، إيليا لازاريف، يلينا سافرانسكايا، إيراست بيلينغ...)، وبقيت آثارهم حية في أعمال تلامذتهم الموسيقيين والمغنين اللبنانيين.

في العام 1968، رفع كوروليوف طلباً للاستحصال على الجنسيّة اللبنانية، يعدد فيه خدماته الكثيرة، ومنها الطوابع البريدية والمالية للبنان وسوريا والكويت والأردن كذلك، والسندات المالية اللبنانية، وعشرات التصاميم لأوراق اليانصيب اللبنانية والسورية، ودفاتر الشيكات لمصارف مختلفة، والرسوم التوضيحيّة لأكثر من 150 كتاباً مدرسيّاً، وتصاميم العملات المعدنيّة الصادرة عن مصرف لبنان، وأوراق اعتماد السفراء اللبنانيين في الخارج، والخرائط اللبنانية المختلفة... 

رسمياً، اعتمدت الأرزة رمزاً وطنياً للبنان في آذار/ مارس 1920، وقد تبنّى الجنرال غورو هذا العلم في خطاب إعلان إنشاء دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول/ سبتمبر 1920، كما نص عليه الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار/ مايو 1926. إلا أن الأرزة كرمز، على الأقل لدى سكان جبل لبنان، سبقت هذا التاريخ بأربعة عقود على أقل تقدير، وكانت تظهر في الصحف اللبنانية والمهجرية، كرمز للبنان، وإن لم يكن رمزاً وطنياً رسمياً.

محلياً، صدرت صحيفة "الأرز" التي أصدرها فيليب الخازن في جونية سنة 1895، والتي تحمل صفحتها الأولى رسم أرزة ضخمة على خلفية الهلال والنجمة العثمانيتين. على الرغم من أن استثناء هذه المطبوعة ممكن، لأن اسمها يقتضي أن تُدرج الأرزة كشعار لها، إلا أن هذه الأرزة يمكن أن تشكل نقطة ارتكاز لمقارنة العناصر الفنية في الأرزات التي لحقتها، ومنها، مجلة "فتاة لبنان" الشهرية، التي أصدرتها سليمة أبي راشد في كانون الثاني/ يناير 1914، إذ تبدو فيها الأرزة كشجرة صنوبر ذات جذع مرتفع، تخلو من عناصر التجانس بين جانبيها. أما صحيفة "أرزة لبنان" التي أبصرت النور على يدي وديع عبود ويوسف أيوب الحتي سنة 1916، فالأرزة فيها غير واضحة المعالم (الغصون والأوراق الإبرية) وذات جذع وجذور، ثم باتت سنة 1920 أكثر تجانساً مع ثماني طبقات من الغصون، اعتمدت أرزة شديدة الشبه بها في علم الانتداب.

لم تظهر الأرزة مرسومة على علم في لبنان بل في سان باولو بتاريخ 15 كانون الثاني/ يناير 1913، على الصفحة الأولى من صحيفة "أبو الهول"، لمحررها شكري الخوري. وكان العلم عبارة عن راية بيضاء وسطها أرزة معلقاً على سارية تعلوها نجمة مخمسة. ظهر الرسم فوق مقال عنوانه "العلم اللبناني". وأعادت نشر الرسم نفسه جريدة "الرائد" التي حررها نجيب قسطنطين حداد في سان باولو بتاريخ 1 كانون الثاني/ يناير 1920.

رُفع علم الانتداب الفرنسي فوق السراي الصغير (أو "دار الحكومة"، وسُمّي بذلك تمييزاً له عن السراي الكبير الذي كان ثكنة عسكرية عثمانية، وهُدم في خمسينيات القرن الماضي لتوسعة ساحة المدفع أو ساحة البرج التي باتت تعرف بساحة الشهداء). ورُسمت عليه أرزة خضراء تفتقر إلى عنصر التماثل، يمتد خضارها إلى الجذوع ويتخللها جذع غامق اللون. واحتل هذا الرمز الصفحة الأولى من "الجريدة الرسمية" التي كانت تصدر باللغة الفرنسية. أما "جريدة لبنان الكبير الرسمية"، الصادرة باللغة العربية، فقد ظهرت في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1920، فقد ظهرت عليها أرزة مائلة إلى اليمين بخطوط عريضة مكان الأفنان وقطعة من الأرض تحتها هي جزء من الشعار.

ترتكب وسائل الإعلام اللبنانية خطأ في زجّ الأرزة بتصميمها الحالي داخل العلم الفرنسي، في القسم الأبيض بين القسمين الأحمر والأزرق، وتعتبره علم "لبنان الكبير" الخاضع للانتداب الفرنسي. فتصميم الأرزة بشكلها الحالي مرّ بأطوار كثيرة، قبل أن يتبلور على أيدي كوروليوف وبليس. 

ظل علم الانتداب على حاله إلى أن عقد مجلس النواب جلسة بتاريخ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1943، لتعديل دستور 1926، حيث رسم النواب علماً تتوسط بياضه أرزة بين خطين أفقيين أحمرين، ووقّعوا عليه، وأقر في كانون الأول/ ديسمبر 1943. كان جذع الأرزة فيه بني اللون، وكذلك الفروع العمودية، أما الأفقية فخضراء وعددها سبعة. وتتسم فيه الأرزة بالكثير من التماثل. وهو العلم الذي ظهر على يد كوروليوف، آنذاك، في طابع بريدي لبناني من فئة مئة قرش، يحمل اسم "الجمهورية اللبنانية" بدل "لبنان الكبير".

بين الاستقلال والطائف

تعتبر الأرزة من الرموز المعقدة فنيّاً، فهي رمز غير هندسي وقابل للتطور. ومن يتتبع رسم هذا الرمز من لحظة رفع علم الانتداب إلى مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1991)، وكيف باتت ترسم الأرزة بعد إقرار اتفاق الطائف، يدرك مدى التطور الذي لحق بالرسم، خاصة بعد سنة 1942 مع تولي كوروليوف وبليس هذه المهمة دامجين بين مدرسة الرسم الروسي وحيوية الأرزة وعظمتها. وقد لحظا عناصر فنية رئيسة في رسم الأرزة أبرزها عدد طبقات أفنان الأرزة، توحيد اللون، التماثل بين جانبي الأرزة. وبدأت رحتلهما مع الطوابع البريدية والمالية المختلفة التي زادت عن 19 تصميماً، وشعارات أوسمة الاستحقاق (كوروليوف) ورسم الأرزة على بطاقة الهوية اللبنانية (بليس)، إلى أن ظهرت "أرزة كوروليوف"، كما يسميها هواة جمع العملات الورقية، وهي الأرزة التي تزين ورقة العملة من فئة مئة ليرة اللبنانية، والتي شكلت فارقاً في رسم الأرزة، في أول مجموعة عملات ورقية طرحت سنة 1961 تحمل اسم "مصرف لبنان" بدلا من المجموعة "الشمعونية"، التي كانت تحمل اسم "بنك سوريا ولبنان".

الأرزة كرمز، على الأقل لدى سكان جبل لبنان، سبقت هذا التاريخ وكانت تظهر في الصحف اللبنانية والمهجرية كرمز للبنان. ولم تظهر الأرزة مرسومة على علم في لبنان بل في سان باولو في 1913، على الصفحة الأولى من صحيفة "أبو الهول" (محررها شكري الخوري). وأعادت نشر الرسم نفسه جريدة "الرائد" (محررها نجيب قسطنطين حداد) في سان باولو مطلع 1920.

الأرزة من الرموز المعقدة فنيّاً، فهي رمز غير هندسي وقابل للتطور. ومن يتتبع رسم هذا الرمز من لحظة رفع علم الانتداب إلى مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1991)، وكيف باتت تُرسم الأرزة بعد إقرار اتفاق الطائف، يدرك مدى التطور الذي لحق بالرسم، خاصة بعد سنة 1942 مع تولّي كوروليوف وبليس هذه المهمة، دامجين بين مدرسة الرسم الروسي وحيوية الأرزة وعظمتها. 

ضمت مجموعة كوروليوف هذه أجمل لوحات في الرسم التطبيقي للآثار والأماكن السياحية اللبنانية المختلفة (أعمدة بعلبك، مغارة جعيتا، المتحف الوطني، صخرة الروشة، قلعة المسيلحة، وصولاً إلى قوس النصر في مدينة صور على ورقة من فئة 250 ليرة ألحقت بالمجموعة سنة 1978). بالتوازي، ظهر تصميم كوروليوف للعملات المعدنية اللبنانية، وأبرز الأرزات فيه كان على القطعة النقدية من فئة ليرة واحدة سنة 1975. ومن الأرزات ما ظهر على إصدارات خاصة، منها أول مشروع عملات النيكل المعدنية من فئات ليرة (ليرة الفاكهة) وخمس ليرات وعشر ليرات، الصادرة بموجب مشروع التعاون بين الدولة اللبنانية ومنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (الفاو) بين 1968 و1981. وظهر على قطعة العشر ليرات المزارع اللبناني بزيه التقليدي يسير وراء ثورين يفلح أرضه، تحت شعار "يوم الأغذية العالمي".

استمر المصرف المركزي اللبناني في استخدام تصاميم كوروليوف حتى وفاته، فعاد درب قوس النصر في صور إلى الظهور على ورقة نقدية من فئة عشرة آلاف ليرة لبنانية سنة 1992، وتعتبر هذه الورقة النقدية خاتمة مرحلة الإبداع في الرسم التطبيقي في لبنان، إذ إن مجموعة الأوراق النقدية التي صدرت أواسط التسعينيات تفتقر إلى الكثير من العناصر الفنية وتشكل تدهوراً كبيراً في تقنيات الرسم التطبيقي. ولطالما تباهى الهواة اللبنانيون بجماليات رسوم كوروليوف ومدى جمال أوراقهم النقدية.

بافل كوروليوف وفلاديمير بليس فنانان روسيان طوّرا رسم الرمز الوطني اللبناني. لم يُمنحا الجنسية اللبنانية، ولم يحظيا بأي تكريم رسمي، ولا يعرف باسمهما وإنجازاتهما سوى قلة قليلة من المتخصصين.  

______________________

  1- مقابلة مع الفنان شربل فارس في صربا، شباط/ فبراير 2015، الذي كان على معرفة بكوروليوف وعلى دراية بأوضاعه في سنواته الأخيرة.

مقالات من لبنان

مراثي المدن

أترى ما زالت ورود شرفتنا خضراء؟ هل نجت مكتبتنا وصورنا ومقتنياتنا الخاصة العزيزة وذكرياتنا، من حقد الغارات التي استهدفت الحي من كل الجهات؟ يخصني "رائف" بعناق طويل. حمل "رائف" غيتاره...

وكلّ الجِهاتِ جَنوب

2024-10-10

الآن وهنا، نذكِّر أنفسنا أن هذه معركة الجمال في وجه القباحة، من غزة إلى لبنان، وأن الاحتلال إنما يحيل جمال بلادنا دماراً لأنه يكره قبح ذاته ويعتقد أنه بذلك يسلب...

للكاتب نفسه