السعوديّة في الإعلام المصريّ: شواهد وقرائن

إنّ ما يحدث داخل الغُرف المغلقة وخلف الأبواب المُصفّحة لا يمكن لأحد من خارج هذه الأبواب أن يعلم بكافّة تفاصيله، ولا يستطيع أحد مهما بلغَ نفوذه أن يسمع إلا بما سُمِح له أن يغادر تلك الجدران من حديث من قِبَل الجالسين في الداخل. ولكنّ العقل البشري ليس إملائياً ينتظر أن يُعْلمه أحد بكافّة التفاصيل حتّى يدركها، بل هو عقل نقدي يجمع الشواهد والتفاصيل البسيطة ليصل من خلالها إلى أكثر التفسيرات منطقيّة للمشهد العام بالاستقصاء والتأمّل في سير الأحداث.
2016-04-28

مايكل عادل

باحث من مصر


شارك
هشام الزيني - مصر

إنّ ما يحدث داخل الغُرف المغلقة وخلف الأبواب المُصفّحة لا يمكن لأحد من خارج هذه الأبواب أن يعلم بكافّة تفاصيله، ولا يستطيع أحد مهما بلغَ نفوذه أن يسمع إلا بما سُمِح له أن يغادر تلك الجدران من حديث من قِبَل الجالسين في الداخل. ولكنّ العقل البشري ليس إملائياً ينتظر أن يُعْلمه أحد بكافّة التفاصيل حتّى يدركها، بل هو عقل نقدي يجمع الشواهد والتفاصيل البسيطة ليصل من خلالها إلى أكثر التفسيرات منطقيّة للمشهد العام بالاستقصاء والتأمّل في سير الأحداث.
وهكذا، وبتتبع أداء الإعلام المصري تجاه تحركات المملكة العربية السعودية في المنطقة، وبفحص تناوله للشأن المصري في ما يخص العلاقات مع السعودية، سيتضح مدى توغّل نفوذ المملكة داخل المنظومة الإعلامية في مصر.
ولتكن نقطة البداية هنا هي الحملة العسكرية السعودية على اليمن، المسمّاة "عاصفة الحزم" والتي ترك الإعلام المصري ــ الخاص تحديداً ــ كل ما بيده للحديث عنها في مانشيتات الصفحات الأولى من زاوية المؤيّد دون التعرّض بالتحليل أو التساؤل لأبعاد العمليّة.
ولم يكن هذا التأييد من قِبَل الغالبية العظمى من الصحف والبرامج الإعلامية المصرية يشبه تأييدهم للنظام المصري، فقد فاقت لهجة التهليل لعاصفة الحزم حتّى لهجة تأييد الصحف للرئيس المصريّ والتي قد تشوبها التساؤلات أحياناً وقد تشكك في أحيان أخرى في هذا القرار أو ذاك التصرّف.
تعدّى دور صحيفة "المصري اليوم" مرحلة التأييد إلى مرحلة التمهيد. فبالإضافة إلى مزايدة الجريدة على الجميع، حتّى على المملكة السعودية ذاتها، بتسمية العملية العسكرية بـ "عاصفة العرب" بدلاً من "عاصفة الحزم"، واضعة المملكة في موضع الدولة القائدة لسائر العرب، فقد قامت الصحيفة الأكثر رواجاً بين الصحف الخاصة بإجراء حوار مع وزير خارجية اليمن قبل أربعٍ وعشرين ساعة من بداية الحرب، دعا من خلاله إلى التدخل العسكري الخارجي في بلاده في سبيل إنقاذها ممن أسماهم "العصابات".
بينما عنونت صحيفة "الوفد" الحزبية المصرية صفحتها الرئيسية بأكثر العناوين هزلية، فقد قررت الصحيفة أن تطلق على العملية اسم "حرب اليمن الثانية"، في محاولة لتشبيه التدخل السعودي في اليمن في العام الماضي بالدور المصري هناك عام 1962 والذي قاده عبد الناصر، حين قام بإرسال قوّات إلى اليمن لمواجهة العدوان السعودي على ثورة الشعب اليمني ضد الإمام البدر، وفي واقع الأمر، فإن الدور السعودي تشابه بين الحربين بالطبع، ففي المرة الأولى قاومت المملكة بآلتها العسكرية قيام حركة تحررية في اليمن، وفي المرة الثانية قررت أن تنحاز لفصيل يمني بوجه فصيل يمنيّ آخر..
كما تحدثت "الشروق" في صفحاتها الأولى عن "حرب الشرعية" التي أطلقتها "القوى العربية" بقيادة المملكة على أرض اليمن لحمايتها، لتتجاوز "عاصفة الحزم" و "عاصفة العرب" إلى "عاصفة الشرعيّة"!
لم تختلف صحيفتا "الوطن" و "اليوم السابع" عن مثيلاتهما في تلك التغطية كثيراً، ولكنهما لم تأتيا بجديد. وربما لم يخرج من تلك القافلة المُهللة المُحتفلة إلا صحيفة "التحرير" التي تناولت الأمر بمنطقية ومهنيّة ، فقد كان عنوان تغطيتها للحرب هو "معركة تحرير أم حرب طائفية؟"، وتمحورت حول ذلك العنوان كافة مواد الجريدة لتجيب عليه بعرض رأي من يراها معركة تحرير، ومن يرى فيها حرباً غير مباشرة بين السعودية والنفوذ الإيراني في المنطقة على حساب اليمن أرضاً وشعباً.
ويمكن مقارنة مواقف تلك الصحف من كل خطوة تخطوها المملكة بالتأييد والاحتفاء، ومواقفهم المتشككة في الشأن المصري حتّى بما يخص القرارات الرئاسية وتحركات الحكومة المصريّة، سنجد أن مكيالَيّ التناول الصحافي يبرزان أمراً ما ربما اتضح في الآونة الأخيرة:
خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة إلى مصر، بل وقبلها بقليل، بدأت الصحف ذاتها في إقامة الأفراح والاحتفالات وبناء قصور السحاب عن تبعات تلك الزيارة، فكادت أن تقنعنا بأن لها مفعول السحر الذي سيزيد مصر مالاً وأرضاً ومكانة. وتطور الأمر من الحفاوة بكل خطوة يخطوها الملك على أرض مصر، إلى بداية نصب الاحتفالات بقرار إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة بضم جزيرتي "تيران" و "صنافير" إليها على الرغم من كل الوثائق والخرائط التاريخية التي قُدّمت، والسيادة المصرية الكاملة على الجزيرتين اللتين تعتبران المدخل الجنوبي لسيناء وخليج العقبة.
ومع الرفض الشعبي للاتفاقية، بدأت وسائل الإعلام المصريّة تتبارى في إثبات سعوديّة الجزيرتين كما لو كان أمر حياة أو موت بالنسبة لكل إعلاميّ وصحافي، وكما لو كان أيضاً هناك من "يراقب" سلوكيات الإعلاميين تجاه تلك القضية لتقييمها، وذلك خارج الرقابة الحكومية المصرية نفسها والتي تتحايل عليها الصحف من آن إلى آخر.
ودون الإشارة إلى كافّة أقوال الإعلاميين ومانشيتات الصحف المصرية، واستماتة الجميع في إثبات أحقية السعودية بالأرض، يمكننا أن نحصر الإعلاميين الذين رفضوا الأمر وناقشوه بشكل عقلاني في ثلاثٍ، هم ابراهيم عيسى، ويوسف الحسيني ووائل الإبراشي، على الرغم من تأييدهم المعروف للرئيس السيسي. وهم تعرضوا على أثر ذلك لحملات الهجوم والتشهير.
لم يكتفِ رئيس تحرير جريدة اليوم السابع بالخروج في برنامجه على قناة "النهار" معلناً تأييده الكامل للاتفاقية، بل هاجم كل من يعارضها بشدة وضراوة، ثم قام برفع الفيديو الملحمي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ليقوم بعمل "تاغ" للصفحة الرسمية لسفارة المملكة السعودية بمصر، ربما لأنه مهتمّ بشدة لأن يشاهد "أحدهم" ما قاله في مقطع الفيديو.
ومؤخراً تقوم صحيفة "الوطن" المصرية برصد الحياة الشخصية لمحمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ونجل الملك وولي ولي عهده. وتعرض الصحيفة صوراً شخصية له في مكتبه وقصره وتتحدث عن اتخاذه لقرارات تحد من نفوذ هيئة الأمر بالمعروف بالمملكة، وحديثه عن أحقية المرأة السعودية بقيادة السيارات وغيرها من الأمور التي تشبه حملة إعلامية شخصية.
وبين كل هؤلاء، كان من المغردين خارج السرب د.أحمد السيد النجار رئيس تحرير جريدة الأهرام والذي رفض بشدة كل ما يخص ذلك الاتفاق، بل وزاد على ذلك احتجابه عن الكتابة في جريدة المؤسسة التي يرأس مجلس إدارتها، واكتفى بنشر مقالاته على صفحته الشخصية على فيسبوك التي نقل فيها رؤيته الكاملة الواثقة من مصريّة الأرض. ويذكر أنه كان للنجار موقف مشابه يخص التدخّل السعودي في مصر أدى في النهاية إلى قيام مشاجرة بينه وبين سفير المملكة بمصر، وصلت إلى ما هو أبعد من مجرد المشادة الكلامية، وتزامنت مع بدايات الظاهرة التي نتناول شواهدها الآن.
إن ما سبق ذكره هو شواهد وقرائن يجب إخضاعها للمنطق والعقل. بين تأييد أعمى للمملكة يفوق بمراحل تأييد الرئيس المصري نفسه، والذي أعلن استياءه كثيراً من انتقادات الإعلام لقراراته وتحركات حكومته. وهنا فالسؤال هو: طالما لم تخشَ وسائل الإعلام تلك ــ أحياناً ــ انتقاد السلطة المصرية، فلماذا كل ذلك التأييد والاحتفاء بكل ما يخص المملكة، والذي وصل إلى حد التباري في إثبات "سعوديّة" أراضٍ مصريّة؟

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

رياضة "قلب السترة": نموذج من مصر

مايكل عادل 2016-08-31

مالت الوجوه ألف مرّة ومرّة خلال سنوات قليلة، منذ قيام ثورة "يناير 2011". استدار البعض موجّهاً ظهره نحو أفكار تبنّاها منذ عقود، كما تخلّى الكثيرون عمّا اعتنقوا، ثم عادوا ثم...

دوائر "مالِك عدلي".. وأطفال الحديقة

مايكل عادل 2016-07-19

تستعدّ أسماء لإخباره بأن القضية قد حُكم فيها لصالح مصر، لصالح بطلان اتفاقية تسليم الجزر للمملكة، والوصول عبر الأدلة والوثائق إلى مصرية الأرض كما قال هو من قبل، ونال عقابه...