أزمة المياه.. هل ينجح المفاوض العراقي بحلها مع "الجارتين"؟

منذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى النصف، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات لمساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه، كما فقدت الأهوار نحو 80 بالمئة من مساحاتها المغمورة بالمياه، ما انعكس على الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس، حيث انخفضت أعداده بشكل هائل وبات مهددا بالانقراض.
2022-12-08

شارك

يتجه العراق لبدء التفاوض مع تركيا بشأن ملف المياه، وفيما أكدت وزارة الموارد المائية قرب تحديد موعد اللقاء المشترك للبدء بفتح "صفحة جديدة" مع أنقرة، لم تتطرق للحديث عن لقاء ممثل مع طهران، لكن نوابا ومتخصصين حملوا المفاوض العراقي مسؤولية عدم استخدامه أوراق الضغط على دول المنبع، وفيما أكدوا عدم وجود اتفاقيات ملزمة لتلك الدول بشأن حصة العراق المائية، أعربوا عن قلقهم من تجاهل رئيس الوزراء محمد السوداني لطرح المسألة للنقاش مع الجانب الإيراني خلال زيارته الأخيرة لطهران.

ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية علي راضي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "هناك تفاؤلا بفتح صفحة جديدة في ملف التفاوض مع دول المنبع بشأن المياه، بناءً على اللقاءات المرتقبة خلال الأيام المقبلة والزيارات المتبادلة لاسيما بين العراق وتركيا".

ويكشف راضي، عن "اتصال جرى بين الوزير والمبعوث التركي، وحدوث اتفاق على الزيارة، وانتظار تحديد موعدها من أجل فتح صفحة جديدة في هذا الملف المهم"، مؤكدا أن "النقاش سيكون واسعاً مع الجانب التركي من أجل تأمين حصة عادلة من المياه للعراق، وفق معطيات السنة المائية وتقاسم الضرر ووفق المواثيق الدولية التي تضمن للعراق حقه خصوصا في فترة الشحة المائية".

وبشأن حجم الحصة المائية التي يستحقها العراق، يقول "لا يوجد رقم معين لنسبة المياه، ولكن هناك سقف إيرادات مائية، استنادا إلى مذكرة تفاهم وقعت عام 2009 وتم تعديلها سنة 2014 وأقرت قبل سنتين من قبل الرئيس التركي".

ويضيف متحدث وزارة الموارد المائية، أن "مذكرة التفاهم تنص بشكل واضح على حصول العراق على حصة عادلة من المياه، وكان من المفترض أن تعقد بعدها لقاءات فنية تترجمها إلى اتفاقية، لكنها تأجلت بسبب تأخر تشكيل الحكومة، واليوم، حصل الملف على دعم مركزي كبير، وعاد التواصل مع تركيا لحسمه".

وكانت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، أعلنت قبل يومين أن الحكومة تستعد لإيفاد وفد تفاوضي لخوض مباحثات مع تركيا وإيران بشأن الحصص المائية، فيما بينت أن هناك قطعاً قسرياً ومتعمداً لهذه الحصص من قبل الدول الجارة خلافاً للاتفاقيات الدولية الخاصة بالدول المتشاطئة.

____________
من دفاتر السفير العربي
بلا مياه: العراق يموت
____________

ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى النصف، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات لمساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه، كما فقدت الأهوار نحو 80 بالمئة من مساحاتها المغمورة بالمياه، ما انعكس على الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس، حيث انخفضت أعداده بشكل هائل وبات مهددا بالانقراض.

من جانبها، ترجع النائبة زهرة البجاري، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، سبب تفاقم أزمة المياه في العراق إلى "تقصير الحكومات المتعاقبة وإهمالها هذا الملف بعدم التفاوض مع دول المنبع وممارسة الضغط عليها من خلال مصالحها الاقتصادية في العراق من استثمارات وتواجد الشركات، فالتفاوض بهذه العوامل ممكن أن يعيد إلى العراق حصته المائية".

وتضيف البجاري أن "كل دولة تقدّم مصالحها سواء كانت تركيا أم إيران، والسياسات المائية المتبعة من جانبيهما كبناء السدود واستصلاح الأراضي الزراعية ستخدم مصالحهم بالتأكيد"، مشيرة إلى أن "هذه السياسات كانت مقابل مفاوض عراقي ضعيف منحهم مساحة من الاسترخاء".

وتتحدث البجاري عن "وجود اتفاقيات دولية تقضي بأن يزود العراق بحصة مائية كاملة"، مشددة على "أن تمتلك اللجنة التي ستذهب للتفاوض مقومات التفاوض الحقيقية لكي تستطيع الحصول على حق العراق من المياه".

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمائة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، من خلال سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل، عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إلى ذلك، يبين الباحث المختص بملف المياه، جمعة الدراجي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "لقاءً واحدا لم يجرِ مع الجانب التركي منذ انعقاد المؤتمر الدولي الأول للمياه الذي نظمته وزارة الموارد المائية في عام 2021 والمؤتمر الثاني في عام 2022، لكن قبل حوالي أسبوعين أبدت تركيا رغبتها باستقبال الوفد العراقي للتباحث حول تأمين حصة العراق من المياه".

وفيما يرجح الدراجي "حصول اتفاق وشيك مع تركيا"، يرى أن "الجانبين حتى الآن لم يجريا مفاوضات فعلية، وإنما محادثات فقط، وهي لم تحقق أي اتفاقية تلزم تركيا بتأمين حصة العراق حتى الآن".

ويتطرق لعدد من الاتفاقيات الدولية التي تخص الأنهار، منها "اتفاقية الأنهار العابرة للحدود الدولية أو الاتفاقية الإطارية لسنة 1998 للمياه غير الملاحية أو الأنهار غير الملاحية، ولم توقع عليها تركيا حتى الآن، وكذلك اتفاقية هلسنكي لسنة 1966 ولم توقع عليها تركيا أيضاً، وهما أهم اتفاقيتين لإلزام دول المنبع أن تؤمن المياه لدول المصب".

وبشأن الاتفاقيات السابقة مع الجانب التركي، يوضح الباحث المختص بشؤون المياه، أن "آخر اتفاق لم يكن ملزما، وهو أن تؤمن تركيا 500 كم مكعب في الثانية لنهر دجلة، ولكن أكثر من 60 بالمائة من هذه الكمية تناقصت، ولم تصل سوى 30 بالمائة من هذه الكمية خلال عام 2022 وهذه الكمية لم تكن كافية، ما اضطر العراق إلى استخدام الخزين المائي لسد الثرثار".

ويتهم تركيا بـ"استخدام المياه كقضية ضغط سياسي، لأنها تعيش وضعا سياسيا متأزما من جانب شعبها وضغوط تراجع العملة ووجود المعارضة على الحدود العراقية، فضلا عن آثار محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت عام 2016 قائمة في الحراك السياسي التركي"، لافتا إلى أن "هذه الأمور تدفع تركيا لوضع ورقة المياه ضمن التوازنات السياسية في المنطقة".

وفيما يذكر الدراجي، أنه في الوقت الذي "أبدت تركيا استعدادها لاستقبال وفد عراقي"، يشير إلى "إهمال الجارة إيران العديد من الرسائل المتعددة والوفود من العراق لحل الأزمة، وفي آخر زيارة لرئيس الوزراء إلى إيران لم يُعلن ضمن منهاجها أو لقاءاته مع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية عن مناقشة ملف المياه، وهو أمر مقلق لأي متابع لهذا الملف".

جدير بالذكر، أن إيران غيرت أيضا مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر الأراضي الزراعية في محافظة البصرة.