فيلم "فرحة".. كم تزعجُ الحقيقةُ إسرائيل!

2022-12-08

شارك
مخرجة الفيلم دارين سلّام مع منتجتي الفيلم ديمة عازر وآية جردانة والممثلة كرم طاهر (getty images)

لقد جنّ جنون دولة الاحتلال الإسرائيلية فشغّلت إعلامها وكتّابها ومؤسساتها من أجل محاربة فيلم هذه المرة. وهو ليس أيّ فيلم، بل تجتمع فيه عناصر جعلته مزعجاً لها بشكل خاص. أولها أن يَعرض مشهد إبادة عائلة فلسطينية بالكامل، بأمها وأبيها وأطفالها، حتى الرضيع منهم، وأن يقول انظروا، هذا جوهر ما قامت عليه هذه الدولة. إنها قوة تأثير الحكاية - التي سمعناها وقرأناها مراراً - عندما تصير بصرية، فيتضاعف رعبها. وهي مزلزلةً بالغة التأثير في فيلم "فرحة"، للمخرجة الأردنية دارين سلام، الذي صار متاحاً للمشاهدة في معظم بلدان العالم على منصة البثّ الأوسع انتشاراً "نتفلكس".

والفيلم مزعج للاحتلال من نواحٍ أخرى أيضاً، يبحثون فيه عن خطابية سياسية يسهل عليهم الانقضاض عليها وإعادة التموضع في موقع الضحية، لكنهم يجدون قصة فتاة مراهقة من "فتياتنا"، تعيش حياتها في قرية وادعة، تكلّم صديقتها عن أحلامها، تسعى لتتعلم، تتمرد على فكرة تزويجها مبكراً، وترسم في خيالها مساراً لمستقبلها، يقطعه بقسوة دخول العصابات الصهيونية الآتية بهدف "تطهير" القرى من الفلسطينيين - أي النكبة عام 1948. تكون الفتاة "فرحة" الشاهد على تصفية القرية بمن فيها، ونكون نحن الشاهد على تصفية طفولتها وحلمها..

والفيلم مزعج للاحتلال لأنه يشرّح مستويات عنفه المرعبة. هناك عنف القتل المباشر للعائلات والتدمير الكامل للقرى الآمنة، وهناك أيضاً عنف اغتيال الأحلام وتدمير احتمال "ما كان ممكناً أن يكون" لولا أن جاؤوا بأسلحتهم ودباباتهم ووحشيتهم (التي تفوق وصف الفيلم أصلاً، والتي سيكون صعباً على أي منا احتمال مشاهدة لمحات منها). هذا هو مدى فظاعة الاحتلال الإسرائيلي وأهوال ما ارتكب، فمن لم يمت جسداً سعوا إلى اغتيال كل حلم وأمل وتعلق بالحياة فيه، ثمّ جنّوا لأن هناك فقط من يسرد جزءاً صغيراً من القصة!

تريلر الفيلم

******

ومع ذلك، يسمّونها "رواية كاذبة" بكل وقاحة، ويعتبرون أن نتفلكس "فشلت في عملها بسماحها بعرض الفيلم". وعلى الرغم من أنّ الفيلم مستوحى من قصة حقيقة جداً روتها صاحبتها، ويعكس حقائق تاريخية لا لبس فيها عن أهوال التطهير العرقي للقرى عام 1948، إلا أن الإسرائيليين لا يتورّعون عن تكرار مصطلح "الكذب"! يقول وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنه "من الجنون أن نيتفليكس قررت بث فيلم هدفه خلق رواية كاذبة والتحريض ضد الجنود الإسرائيليين".

ردود فعلهم المتطرفة شجّعت حملة مضادة قادها ناشطون وداعمون لفلسطين حول العالم، عبّروا عن ضرورة وجود هذا النوع من الأفلام كوسيلة ليس فقط لاستعادة تاريخ ما جرى، بل للتفكير بحاضرنا ومستقبلنا بناء عليه. فكتب الممثل الأميركي مارك رافالو على تويتر أن "هذا الحوار وهذه الاستعادة (في فيلم "فرحة") هي لبّ الديمقراطية… في الفنّ يكمن خلاصنا، فنحن نصير أشخاصاً أفضل بفضله"، وشبّه ذلك بأهمية الأفلام الأميركية التي تستعيد بالذات "التاريخ الرهيب للولايات المتحدة". وعن فيلم فرحة - الذي رشحه الأردن لتمثيله في المنافسة ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي في جوائز الأوسكار - كتب موسيقي "بينك فلويد" روجر ووترز: "فيلم عظيم! يكسر القلب، مروّع، مؤثر، وواقعي بلا أدنى شك، واحزروا ماذا؟ إنهم مستمرّون بقتل العائلات (الفلسطينية) كلّ يوم".

أمّا فريق عمل الفيلم النسائي، المخرجة الأردنية دارين سلّام، والمنتجتان ديمة عازر وآية جردانة، فقد أصدرن بياناً رداً على الهجوم العنيف الذي تعرض له الفيلم، أكّدن فيه أن الفريق "لن يتهاون مع أي تهديدات مؤذية ضد أي عضو في فريق فرحة"، مؤكدات بأن محاولات تسكيتهن كعربيات وصانعات أفلام هي في الواقع محاولات لتجريدهن من إنسانيتهنّ.

"وجود الفيلم واقع ووجودنا واقع"، قلنَ في بيانهنّ، "سُلبنا الكثير، لكن لن تُسلَب أصواتنا"...

مقالات من العالم العربي