قال النازح الصغير..

ليش يسمّونك المِيل الصغير؟ سألني الشايب وهو يفسح لي طريقاً داخل منزله. في الغالب لا أجيب على سؤال كهذا، أدگ الباب ويفتحولي، يصعّدوني للسطح أشوف بيش (كم) الساعة وأنزل. أشكرهم ويبتسمون لي. بعضهم يملّ من ترددي عليه فيعطيني تمّن (رز) ومرق أو تفاحة وخيارة..
2016-04-21

مرتضى كزار

رسّام وسينمائي من العراق


شارك

ليش يسمّونك المِيل الصغير؟ سألني الشايب وهو يفسح لي طريقاً داخل منزله. في الغالب لا أجيب على سؤال كهذا، أدگ الباب ويفتحولي، يصعّدوني للسطح أشوف بيش (كم) الساعة وأنزل. أشكرهم ويبتسمون لي. بعضهم يملّ من ترددي عليه فيعطيني تمّن (رز) ومرق أو تفاحة وخيارة، ويعتذر لي بعضهم ويغضب آخرون ويقولون: من أنت ولماذا تطوف الحي كل يوم؟ إذا أردتَ معرفة الوقت فالساعة الآن الخامسة والربع. لكن أكثرهم قد تعوّد عليّ وأحبني. صاروا يعاملونني كلعبة تتدحرج في أزقتهم، فأنا عمري عشر سنوات، أدگ الباب ويفتحولي، يصعّدوني للسطح أشوف بيش الساعة، وأنزل وأگوللهم شكراً ويگلولي عفواَ.
هذا الشايب أول من سألني ليش يسمونك المِيل الصغير؟ خفت منه، وشعرت بأنه خاف من خوفي منه فعرفت أنه شايب طيب. أبي، ونحن نمشي، كان يقول لي لا تخاف، بس أنا بعدني أخاف، يسموننا في اللافتات "النازحون"، ومرات يسموننا "النازحين". حينما وصلنا إلى تلك الشجرة البعيدة عن هذه البيوت، استرحنا وغسلنا رجلينا وأختي الأصغر مني صلّت، الشمس الحارة دارت وظلّ الشجرة لبد ورانا، أبي قال تعالوا بالظل، وظلينا ندور مع ظل الشجرة، أمي قالت صرنا مثل الساعة وإلي يشوفنا من بعيد يستطيع أن يعرف الوقت، أبي طويل هو الميل الكبير، وأخواتي بالأربعة وبتلاثة وبالوحدة وبالثِنتين، الأكل والجنط (الحقائب) والقمصان حول الشجرة محيط الدائرة، وأبي ينام وينهض ويزحف مع الظل وأنا بجانبه عشر دقائق أو دقيقتين وأحياناً أصير نصف ساعة، كنا ساعة لا تراها إلا الطيارات والبيوت البعيدة من فوق السطوح.
أنا هربت من الساعة منذ الخميس الماضي ورحت إلى البيوت البعيدة ولعبت مع الجهّال (الأولاد)، ومرات أريد أشوف الساعة، أروح وأدگ الباب ويفتحولي، يصعدوني للسطح أشوف بيش الساعة وأنزل.
صعدت مع هذا الشايب لأرى الساعة، شاهدت ولداً كنت ألعب معه وقلت له لماذا أخبرت جدك بأنني المِيل الصغير؟ لم يجبني، صعدوا كلهم معي إلى السطح، رفعوني حتى أرى الساعة وأضبط الوقت، أعرف أنه لن يكون مضبوطاً دوني أنا المِيل الصغير، لكني دائماً أحزره، أدگ الباب ويفتحولي، يصعدوني للسطح أشوف بيش الساعة وأشوف الشجرة والمِيل وأنزل.
هذه المرة قلت لهم أرفعوني أكثر، لكنهم أنزلوني، قالوا إن السماء تمطر والساعة مالتكم (الّتي لكم) راحت.

للكاتب نفسه

فسحة العيش في كرتونة

مرتضى كزار 2016-12-07

.. أما الناس الذين لا يعرفون اسمه فيسمّونه "أبو كرتونة". يظهر وحده مرتدياً الكرتونة على ظهره مثلما قوقعة الحلزون. كنزة رمادية عليها رسمة رجل آلي بمجسّات طويلة. هذا ما يستره...

في كل يوم ومنذ 41 عاماً!

مرتضى كزار 2016-12-01

ينتصب في قلب العاصمة بغداد تمثال شهريار و "قصخونته" شهرزاد، نديمته وراوية حكاياته. إنه واحد من أجمل تماثيل النحّات الراحل محمد غني حكمت. في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة...

نزيف الكتب

مرتضى كزار 2016-11-16

صحيح أنّ الكتاب سلعة أيضاً، تباع وتشترى ويروج لها، تخزن وتقتنى وتعرض وتفسد وتتجدد، لكن الاتجار بالكتب لا يشبه الاتجار بأي شيء آخر. أسواق الكتب في المدن العراقية، كالمتنبي ببغداد...